هل اخترعت الحكومة تمثيلية الطائرة؟!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

بقلم: عماد الدين حسين

حتى بعد أن انتهت حادثة اختطاف الطائرة المصرية بسلام واستسلم الخاطف، وعاد الركاب إلى أرض الوطن بسلام من قبرص، فإن هناك بعض المصريين ما يزالون يعتقدون أن الحادث بأكمله مجرد تمثيلية دبرتها الحكومة المصرية.
كنت أعتقد أن هذا «التحشيش» قاصر فقط على بعض أنصار جماعة الإخوان، الذين انعزلوا عن الدنيا بأكملها منذ ٣٠ يونيو، وصاروا يعيشون فى كون موازٍ، وربما خارج المجرة بأكملها أو على معتنقى نظرية المؤامرة وبعض أصحاب البال الرايق القاطنين فى «مملكة السوشيال ميديا».
يمنكك أن تختلف مع الحكومة المصرية، وأجهزة الأمن، كما تشاء فى العديد من المجالات، لكن أن تختلف وتهاجم وتشوه «عميانى»، ومن دون انتظار معرفة المعلومات والتفاصيل، فذلك ما يلقى الضوء على أحد جوانب المشكلة الكبرى، التى نعيشها فى مصر.

ما أحزننى أن هذه التخاريف لم تجىء من الإخوان أوحتى الاشتراكيين الثوريين، لكن من بعض ممن أظنهم عقلاء، حتى لو كانوا مختلفين مع سياسات الحكومة ورئيس الجمهورية.
كنت أتحدث مع أحد الأصدقاء، المعروفين برجاحة العقل، والانفتاح على كل الآراء. فوجئت به يتبنى رأيا قريبا من وجود تمثيلية وراء ما حدث! سألته: ومن الذى سيستفيد من هذه التمثيلية، فرد الحكومة طبعا.
وسألته أيضا ولماذا تؤلف الحكومة هذه التمثيلية، فرد بسرعة، لكى تدين الإخوان أولا، وتحاول ان تلصق الجريمة بهم، ولتغطى على إقالة المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات.
قلت له ومن الذى خسر فى النهاية من هذه العملية؟ بعد جدل طول أقر ان الحكومة المصرية هى التى ستخسر، خصوصا قطاع السياحة. سألته: إذا كانت الحكومة هى التى خسرت إلى حد كبير، فما الذى يدعوها إلى تأليف تمثيلية ستخسر منها، خصوصا أنه يبدو أن الخاطف مختل عقلى إلى حد كبير.
لم يقدم هذا الصديق أى إجابة مقنعة على سؤالى، مكتفيا بالقول إن الحكومة ألفت واخترعت التمثيلية، ثم لم تعرف كيف تنهيها!

صديقة ثانية وجهت كل اللوم لجهاز الأمن بمطار برج العرب باعتباره مسئولاً عن الحادث. قلت لها إن موظف المطار قام بدوره على أكمل وجه، وتم تفتيش الخاطف بحرفية. والحزام الوهمى مجرد قطعة قماش، يمكن لأى شخص أن يرتديه تحت القميص أو يضعه فى الحقيبة، ويمر من أى جهاز، لأنه بلا متفجرات ثم يرتديه فى دورة المياه. وبالتالى فلا يمكن لوم موظفى المطار بالمرة، بل إن الكاميرا أظهرت أنهم فتشوا الخاطف بصورة طبيعية. اقتنعت الصديقة بهذا الكلام، ثم استدارت لتهاجم قائد الطائرة وطاقمها وضباط الأمن الذين لم يبادروا بالقبض على الخاطف فورا. قلت لها إن هؤلاء مهما كانوا متأكدين من أن الحزام الناسف وهمى، فهناك لو نسبة واحدة فى المائة يكون حقيقيا، وبالتالى لا يمكن لهم بأى حال من الأحوال المجازفة بحياة الركاب، هم مدربون على التفاوض مع الخاطف لأطول وقت ممكن حتى يعرفوا مطالبه وأهدافه ونقاط ضعفه وقوته واستنزافه نفسيا، فربما ينتهى الأمر دون الحاجة لاستخدام القوة، التى قد تكون كارثية.

اقتنعت الصديقة، لكنى فوجئت أن ما تردده هى وغيرها عن تواطؤ الحكومة وتقصير الأمن فى هذه العملية هو اعتقاد موجود لدى كثيرين، يعارضون الحكومة.
مرة أخرى من حق أى شخص أن يعارض الحكومة وينتقدها، خصوصا وزارة الداخلية، التى ارتكب أفرادها فى الشهور الأخيرة العديد من التجاوزات فى الملف الحقوقى. لكن ان يتم الصاق التهم جزافا حتى قبل أن تتضح الحقيقة فذلك هو التصيد والتربص، الذى يفقد أصحابه الحد الأدنى من الموضوعية.

خلال أزمة الطائرة كانت بعض الانتقادات تتمنى أن تكون الحكومة هى المخطئة فى كل الأحوال، وذلك شعور كارثى يعنى أن مشكلة الإقصاء والتربص ليست قاصرة فقط على أنصار الحكومة، ولكنها موجودة فى الطرف الآخر بنفس التطرف. وإذا صح هذا الأمر فإن المجتمع المصرى بحكومته ومعارضته، يعيش فى أقصى أنواع الاستقطاب، الذى جعل غالبيتنا «عميان» عن رؤية الحقائق على الأرض.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن