هل تلجأ مدريد للحل العسكري ضد كتالونيا؟

استقلال كتالونيا

 

تواجه إسبانيا أكبر أزمة منذ عودة الديمقراطية في العام 1978، بإعلان إقليم كتالونيا انفصاله، وسط تصعيد من حكومة مدريد ورفض دولي للاعتراف بالاستقلال.

فبينما يوجد نحو نصف مليون متظاهر في شوارع برشلونة عاصمة الإقليم، لجأت الحكومة المركزية في مدريد للمرة الأولى في تاريخ الديمقراطية الإسبانية القائمة منذ أربعة عقود، إلى تفعيل المادة 155 من الدستور وممارسة حقها الدستوري في السيطرة على إقليم متمتع بحكم ذاتي، وحكمه بشكل مباشر.

وشمل الحكم المباشر على إقليم كتالونيا السيطرة الكاملة على شرطة الإقليم، وشؤونه المالية، ووسائل الإعلام العامة، وحل البرلمان والحكومة فيه.

ووسط هذه الأجواء سرت تكهنات باحتمال لجوء مدريد للحل العسكري في حال تفاقم الوضع أكثر، في خطوة قد تكون محل ترحيب أوروبي ودولي، خاصة أن حمى الانفصالات في العالم في تصاعد مستمر.

ظروف مشابهة

وسبق أن لوحت حكومة مدريد صراحة مرتين بورقة الخيار العسكري في وجه كتالونيا، الأولى في العام 2012 عندما قال صراحة الجنرال “المتقاعد حالياً” في الجيش الإسباني، بيدو بيتارش، إن هناك انقسامات في الجيش بشأن التعامل مع مطالبات إقليم كتالونيا بالاستقلال عن إسبانيا.

وكشف الجنرال، الذي كان حينها مستشار وزير الدفاع الإسباني، ورئيس قسم اللوجيستيك بمنظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، أن عدداً من كبار الضباط عبروا عن تأييدهم للتدخل العسكري ضد كتالونيا لوقف نزعته الانفصالية، والتدخل لإجهاض مسلسل استقلاله عن باقي التراب الإسباني.

وأشار الجنرال بيتارش في ذلك الوقت إلى أن “منطق محاولة الانقلاب الفاشلة عام 1981، ما زال سائداً في بعض الأوساط العسكرية”.

وفي العام 1981 حاول ضباط من الجيش الإسباني الاستيلاء على السلطة، حيث اقتحم جنود بقيادة المقدم أنطونيو تيخيرو، مبنى البرلمان خلال مراسم تنصيب ليوبولدو كالفو سوتيلو، أول رئيس حكومة منتخبة، لكن الملك السابق خوان كارلوس، تدخل بعد أن طلب من الانقلابيين العودة إلى ثكناتهم ما أدى إلى فشلها، وعزز موقف الديمقراطية الوليدة حينها.

ومن أسباب الانقلاب حينها، الأعمال الإرهابية لمنظمة “إيتا” الانفصالية في كتالونيا، والمشاكل الناجمة عن الأزمة الاقتصادية، والصعوبات في إقرار تقسيم إداري جديد للبلاد يقنع جميع الأطراف حينها، ومقاومة بعض قطاعات الجيش للإصلاح الديمقراطي.

التهديد الثاني الصريح من مدريد بالتدخل العسكري كان في العام 2015، وذلك قبل فوز القوميين الانفصالين بزعامة رئيس كتالونيا الحالي، كارليس بوجديمونت، حيث هدد وزير الدفاع الإسباني، بيدرو مورينيس، بالتدخل عسكرياً في إقليم كتالونيا، صراحة وعلانية، في حال حدوث تحركات لفصل الإقليم عن إسبانيا، وهو ما تم بعد عامين من تهديده.

وأضاف مورينيس، في مقابلة مع وكالة الأنباء الإسبانية “سيرفيميديا”، حينها، أن “الحكومة ستلجأ إلى المادة 155 من الدستور الإسباني”، والتي تخول “الجيش التدخل من أجل المحافظة على وحدة البلاد”.

المادة 155 من الدستور الإسباني الصادر عام 1978، تنص على أنه يجوز للحكومة المركزية “اتخاذ الإجراءات اللازمة لحمل المنطقة المعنية على احترام الالتزامات التي يفرضها الدستور أو غيرها من القوانين”، ولكن الدستور لا يفصل ماهية “الإجراءات اللازمة” أي إنها ذات معنى فضفاض قد ينطوي على استخدام القوة العسكرية، غير أن تطبيق المادة 155 يتطلب موافقة مجلس الشيوخ الإسباني بالأغلبية المطلقة وهو ما جرى مؤخراً.

محاذير

وفي حال حدوث تدخل عسكري، سيكون الأول منذ العام 1936، عندما أسقط ديكتاتور إسبانيا الراحل الجنرال فرانشيسكو فرانكو، الجمهورية الكتالونية، خلال الحرب الأهلية الإسبانية التي أودت بحياة أكثر من نصف مليون شخص.

وخوفاً من احتمالية لجوء مدريد لهذا الخيار الدامي، وفر سكان “المنطقة الفرنسية” من كتالونيا فيلا بها حوض سباحة، ومنازل آمنة أخرى، لتكون مستعدة لاستقبال كارليس بوجديمونت زعيم إقليم كتالونيا، وغيره من زعماء الإقليم، إذا أرادوا الاحتماء من مدريد.

وعلى رغم أن فكرة فرار زعماء كتالونيا من إسبانيا وتشكيل شبكة عمل وطني في الخارج، ما زالت تبدو بعيدة، إلا أن الداعمين الفرنسيين لاستقلال كتالونيا لا يتركون أي مجال للمخاطرة، ويقولون إن هناك 52 منزلاً وشقة جاهزة بالقرب من الحدود الإسبانية، بحسب ما ذكرت وسائل إعلام فرنسية، السبت 28 أكتوبر.

وفي هذا السياق قال روبرت كازانوفا، الناشط ورئيس لجنة الحكم الذاتي بشمال كتالونيا، وهي المنطقة الفرنسية من الإقليم: “كل شيء جاهز لدينا لوجيستيات قادرة على إيواء نحو 200 شخص في الوقت الراهن والمزيد إذا اقتضى الأمر”.

وأضاف: “هدفنا هو أن نكون مستعدين إذا صدرت أوامر اعتقال لأعضاء الحكومة الكتالونية، لا سيما رئيسها”.

لكن حتى الآن يبدو أن قادة الحكومة المركزية في مدريد متفقون على حل أزمة كتالونيا بعيداً عن الجيش، ويظهر ذلك من خلال عدم تلويح رئيس الوزراء الإسباني، ماريانو راخوي، حتى اللحظة بذلك، ليكتفي بالوسائل السلمية والدستورية لإجهاض الحراك الانفصالي، علماً أنه أعلن تفعيل المادة 155 من الدستور وصادق على ذلك مجلس الشيوخ الجمعة 27 من أكتوبر الجاري، ولربما كان ذلك بسبب خشيته من عودة الجيش للتدخل في الحياة السياسية، أو خوفاً من إدخال إسبانيا بمصير مجهول.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن