هل قرر الرئيس عباس الانفصال عن قطاع غزة بشكل كامل؟

محمود عباس

كتب المحلل الإسرائيلي عيدو زالكوفيتش رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط في كلية عيميك يزري الأكاديمية أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس قرر الانفصال بشكل كامل عن قطاع غزة.

وأشار زالكوفيتش أن الانقسام الفلسطيني الداخلي يمثل عقبة رئيسية أمام أي تسوية مستقبلية بين إسرائيل والفلسطينيين، من خلال العداء المتبادل وجولات العنف بين حماس وإسرائيل والتي أنتجت تحدٍ إقليمي معقد، منوها إلى أن هناك حاجة إلى حل استراتيجي لمشاكل قطاع غزة كشرط ضروري للتسوية السياسية والتنظيم الإقليمي.

وقال الكاتب والمحلل الإسرائيلي “قد أظهر الخطاب الذي ألقاه رئيس منظمة التحرير الفلسطينية أبو مازن في 19 مارس / آذار 2018 أن نهج السلطة الفلسطينية ليس التصالح مع حماس، بل المواجهة الداخلية، لذلك بدأ البحث عن صيغة سحرية تحقق الوحدة، وتحيي النظام البرلماني، وتعيد الثقة بين الأطراف المتصارعة، لكنها تبدو مستحيلة”.

وتطرق إلى أن عباس موجود في نهاية فترة حياته، ولم يزر خلالها غزة، كما أعلن مؤخراً عن نيته تكثيف التدابير والعقوبات على حماس بشكل واسع النطاق، وهو ما يدلل على أنه تخلى عن المصالحة وربما عن السيادة على قطاع غزة.

وأضاف زالكوفيتش:”إن الأزمة في قطاع غزة، إلى جانب خيبة أمل سكانها من ظل الحصار المفروض حماس، أوضحت لقيادة السلطة الفلسطينية أن الوقت قد حان لمحاولة تشكيل الوضع وفقا لما هو عليه على الأرض، وعلى هذه الخلفية، تبنت السلطة الفلسطينية خطة انفصال أحادية الجانب في منتصف عام 2017، وكان الهدف من هذه الخطة هو التوضيح لحماس أنها لا تستطيع السيطرة على قطاع غزة بشكل مستقل وأن مؤسسات السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية هي العنوان القانوني الوحيد للشعب الفلسطيني بأكمله”.

وهذا نص البيان بالتفصيل

“أبو مازن قرر الانفصال عن غزة”

عيدو زالكوفيتش زميل سياسة في معهد المنهجيات ورئيس قسم دراسات الشرق الأوسط في كلية عيميك يزري الأكاديمية.

يشكل الانقسام الفلسطيني الداخلي عقبة رئيسية أمام أي تسوية مستقبلية بين إسرائيل والفلسطينيين. ما وراء ذلك أن غزة والضفة الغربية لا يُداران ككيان سياسي واحد، العداء المتبادل القائم بين الفصائل، وكذلك جولات العنف بين حماس وإسرائيل، انتجت تحدي اقليمي معقد. ولذلك، هناك حاجة إلى حل استراتيجي لمشاكل قطاع غزة كشرط ضروري للتسوية السياسية والتنظيم الإقليمي.

الظروف الصعبة في غزة والسيطرة الفعلية من حماس المعادية لإسرائيل، فضلا عن تحديدها كمنظمة إرهابية من قبل معظم دول العالم، خلق تحدياً معقداً. ما وراء القطع الطبيعي لأي علاقة مع إسرائيل، إسرائيل بالمقابل ليست على استعداد لإجراء حوار مع تنظيم حماس من اجل التسهيل على المدنيين في غزة، إضافة ان هناك مشكلة اتصال أكثر جوهرية بين حماس وفتح.

وقد أظهر الخطاب الذي ألقاه رئيس منظمة التحرير الفلسطينية أبو مازن في 19 مارس / آذار 2018 أن نهج السلطة الفلسطينية ليس التصالح مع حماس، بل المواجهة الداخلية.

لذلك، بدأ البحث عن صيغة سحرية تحقق الوحدة، وتحيي النظام البرلماني، وتعيد الثقة بين الأطراف المتصارعة، لكنها تبدو مستحيلة.

عباس موجود الان في نهاية فترة حياته، التي لم يزر خلالها غزة، وأعلن مؤخراً عن نيته تكثيف التدابير والعقوبات على حماس بشكل واسع النطاق. يبدو أنه تخلى عن المصالحة وربما عن السيادة على قطاع غزة.

خطة أبو مازن لفك الارتباط من قطاع غزة ”

كان عام 2017 سنة حسم في السلطة الفلسطينية. مقابل إسرائيل والمجتمع الدولي، عملت السلطة على تعزيز مكانتها السيادية ككيان رسمي للدولة بعد أن أعلن أبو مازن استقلاله في نوفمبر 2013، لكنه لم ينجح في تغيير الوضع السياسي للسلطة الفلسطينية وموقفها من إسرائيل.

أحد الدروس المهمة التي استخلصتها قيادة السلطة الفلسطينية منذ الأيام الأولى للانشقاق هو أنه من المستحيل تغيير وضعها القانوني إلى دولة مستقلة دون إعادة قطاع غزة إلى إدارة السلطة الفلسطينية.

مسألة السيادة على غزة هو في الواقع موضوع الخلاف بين فتح وحماس، ولكن أيضا جميع المفاوضات السياسية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.

إن الأزمة في قطاع غزة، إلى جانب خيبة أمل سكانها من ظل الحصار المفروض حماس، أوضحت لقيادة السلطة الفلسطينية أن الوقت قد حان لمحاولة تشكيل الوضع وفقا لما هو عليه على الأرض. على هذه الخلفية، تبنت السلطة الفلسطينية خطة انفصال أحادية الجانب في منتصف عام 2017. وكان الهدف من هذه الخطة هو التوضيح لحماس أنها لا تستطيع السيطرة على قطاع غزة بشكل مستقل وأن مؤسسات السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية هي العنوان القانوني الوحيد للشعب الفلسطيني بأكمله.

كان الهدف من “فك الارتباط” هو الضغط على حماس من أجل إخضاعها، وجعلها تعترف بفشلها وإعادة إدارة قطاع غزة دون شروط وحتى قبل إجراء الانتخابات. وفقا للخطة، سيتم قطع العلاقات الاقتصادية مع قطاع غزة، وسيتم تخفيض الرواتب المدفوعة للمسؤولين الحكوميين وسيتم قطع الوقود لمحطة الطاقة الرئيسية. أبو مازن نقل رسالة واضحة: إذا أردتم أن احكم، يجب أن اتحمل عبء السيادة بالكامل. لقد أدى الضغط وظيفته، مما أثر على الأجندة المدنية والاقتصادية لقطاع غزة. وأيضا هز حماس.

“تغيير الأدوار في قيادة حماس”

في عام 2017 أجريت انتخابات لمؤسسات قيادة حماس، مع نتائج الانتخابات تعزيز مكانة القيادة السياسية لحماس في غزة على حساب حماس في الخارج.

الزعيم الجديد في غزة يحيى السنوار، ورئيس الحركة الجديد إسماعيل هنية (يحل محل خالد مشعل)، ويعيش بين شعبه ويعرف عن قرب حالة الضيق التي خلقتها الأزمة إنسانية.

وهذا يجعل قادة حماس الجدد أكثر استجابة لاحتياجات الجمهور ويبعدهم عن التحول إلى مواجهة عسكرية مع إسرائيل

استراتيجياً عسكرياً، تمكنت حماس من إعادة بناء مخزونها من الصواريخ والعودة الى الحالة التي كانت عليها قبل جولة القتال مع اسرائيل في صيف عام 2014. وتواصل القوات البرية من حماس التحضير للمواجهة المقبلة، بما في ذلك عن طريق إنشاء مسار القتال الجديدة تحت الأرض وتوسيع القدرات القتالية عن طريق البحر. تطوير القدرات القتالية البحرية جرت بسبب نجاح اسرائيل في احباط جهود المنظمة من القتال تحت الأرض.

إلى جانب الجانب العسكري، تعاني حماس من أزمة اقتصادية وسياسية تنبع من عملية إفشال ادارتها لأنظمة الحكومة. تسببت جولات القتال مع إسرائيل التي وقعت منذ عام 2009 في دمار كبير في قطاع غزة، والجمهور يرى ان القيادة الحمساوية هي المسؤولة عن الأزمة الإنسانية. يظهر التاريخ أنه في أوقات الشدة السياسية، تميل حماس إلى اختيار التصعيد. وهذا يمكّنها من كسب التعاطف من خلال التضامن مع الجناح العسكري. ومع ذلك، في الوضع الحالي، لا تهتم القيادة بخيار عسكري. الأزمة الإنسانية والرغبة في تسهيل فتح معبر رفح الجنوبي، دفع حركة حماس لتفضيل سبل أخرى للعمل. أبرزها محاولة الضغط المدني على دولة اسرائيل عبر مسيرة العودة وخلق نقاط احتكاك على الحدود.

“الاتجاه الى الجنوب”

أدركت قيادة حماس وقطاع غزة أنه يجب تعزيز العلاقات مع مصر بأي ثمن. كجزء من الدروس المستفادة من ازمة “الربيع العربي”. لقد أدركت أنها ومصر لديهما مصالح مشتركة، يمكن أن تساعد في تخفيف الأزمة وتعزيز الدعم السياسي لها.

في هذه الحالة، وجدت حماس نفسها في مفارقة. بينما يتعاون الجناح العسكري مع رجال القبائل الذين يساعدون في تهريب الأسلحة، بينما مصر تعتبرهم أعداء رئيسيين، لأن العديد منهم انضموا إلى المنظمات الإرهابية. لذا، فهي مهتمة بإحداث إسفين بين المنظمات الإرهابية وقطاع غزة.

وهذا خلق تضارب مصالح بين احتياجات الاجنحة العسكرية والسياسية للحركة، والتي يجب أن تقوي العلاقات مع مصر من أجل الاستمرار في تولي زمام السلطة. ومع ذلك، فإن قيادة السنوار، الذي هو رجل الجناح العسكري المتشدد، مما ساعده على تحقيق التوازن بين عناصر القوة، الذي يسمح بالتقرب من مصر رغم كل شيء.

“مصر بين فتح وحماس”

التقارب مع مصر نبعت أيضا بسبب الانقسامات الداخلية داخل حركة فتح، ومن رفض قبول جهود الوساطة المصرية بين عباس ومحمد دحلان.

في هذه الأثناء، فإن الاضطرابات في غزة تهدد الأمن المصري. وبسبب بغضها لحماس وعدم الثقة بها، بدأت مصر للبحث عن حل مؤقت في شكل تعزيز دحلان، ووضعه كالرجل القوي في قطاع غزة. كان ينظر إلى دحلان على أنه شخص يمكنه جمع الأموال من دول الخليج وتشجيع التوصل إلى حل للأزمة الإنسانية الخطيرة. ومع ذلك، فإن دخوله قد يخلق أزمة بين مصر والسلطة الفلسطينية.

ويمكن لهذا الائتلاف أن يشمل قوى إقليمية أخرى -ولا سيما الإمارات العربية المتحدة -في عملية إعادة اعمار قطاع غزة. كما يمكن أن تؤدي المشاركة الاقتصادية لدول الخليج في هذه العملية إلى نشوب صراعات فيما بينهما، الأمر الذي سيؤدي إلى تنافس سياسي لتعزيز وضع مختلف البلدان من خلال تدفق الموارد إلى قطاع غزة.

من وجهة نظر فلسطينية، ما دام أبو مازن يقود منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، فإن إقامة ائتلاف بين دحلان وحماس سيكون آخر مسمار في نعش التجزئة، لأنه يشكل تحديا لشرعية السلطة الفلسطينية.

بالنسبة لدحلان أيضاً، هذه ليست مقامرة بسيطة. إن الانضمام إلى حكومة وحدة وطنية بديلة مع حماس سوف يثير معارضة كبيرة بين أعضاء فتح، وهذا سيضر بجهوده ليصبح الزعيم التالي للحركة في فترة ما بعد أبو مازن. لقد صوروه كزعيم الفساد في فتح، وكشخص يفسد قيم الإسلام.

إن التغير في النهج بين الجانبين كان ممكناً بفضل الوساطة المصرية، وقدرة دحلان على جلب الميزانيات لاستخدامها في التنمية المدنية في قطاع غزة، ولكن بشكل أساسي تبديل الشخصيات في قيادة حماس. صعود السنوار فتحت افقاً لتجديد الثقة بينه وبين دحلان، الذين ينحدران من نفس البيئة المحلية. غير ان هذا غير ممكن ايضاً في عهد ابو مازن.

إن قضية قطاع غزة هي فرصة ومخاطرة على حد سواء. إلى جانب القلق من أن تؤدي الأزمة الإنسانية إلى تقويض الاستقرار الأمني ، يصبح من الواضح بشكل متزايد أن الحل سيأتي من مسار إقليمي.

المزيد من العناصر الدولية، بما في ذلك مصر ودول الخليج، ستشارك في إعادة إعمار قطاع غزة، وسيتم إنشاء غلاف للهدوء الأمني. وهذا تطور ضروري لعملية إعادة تأهيل طويلة الأجل، كجزء من تحقيق رؤية عملية سلام إقليمية تقوم على صيغة دولتين لشعبين.

إن النهج الإقليمي ضروري على خلفية الصراع المتزايد بين فتح وحماس، الذي اشتد مؤخراً في أعقاب محاولة اغتيال رئيس الوزراء الفلسطيني رامي حمد الله واللواء ماجد فرج أثناء زيارتهما إلى غزة. وبما ان التوتر يتصاعد على خلفية اجتماع اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية في رام الله في نهاية أبريل. المؤتمر سيعقد في غياب الفصائل الإسلامية التي لم تتم دعوتها على الإطلاق. خطاب أبو مازن في 19 مارس 2018 يعزز فقط التقييم القائل بأن الانقسام هو أمر واقع.

في هذا الوقت، عندما تعيق الأزمة في غزة المصالحة وتصعب المفاوضات مع إسرائيل، يجب على دول المنطقة أن تساعد في استقرار الوضع وتحول قطاع غزة من تهديد أمني إلى فرصة سياسية. وسيكون الهدف من القناة متعددة الأقاليم الوصول إلى سلسلة من التفاهمات والاتفاقات المؤقتة مع القيادة الفلسطينية التي ستسهم في وقف إطلاق النار لفترة طويلة. ويجب الترويج لهذا بسرعة، لأن استمرار الوضع الراهن يعمل ضد الجميع.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن