هل يتخلى أردوغان عن أوروبا؟.. الرئيس التركي يتوجه لروسيا في ظل توتر العلاقة مع الغرب

بوتين وادوغان
بوتين وادوغان

في ظل توتر علاقات تركيا مع أوروبا والولايات المتحدة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة منتصف يوليو/تموز الماضي يتوجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى روسيا يوم الثلاثاء للقاء نظيره فلاديمير بوتين في زيارة يأمل أن تمنح الغرب فرصة للتفكير.

ويصر مسؤولون أتراك على أن زيارة أردوغان إلى سان بطرسبرج لا تعني أن تركيا العضو بحلف شمال الأطلسي والمرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي قد أدارت ظهرها للغرب. ويرى هؤلاء أن الزيارة على العكس تمثل خطوة أخرى على طريق التقارب مع روسيا الذي بدأ قبل أسابيع من وقوع المحاولة الانقلابية.

لكن دفء العلاقات مع موسكو يأتي في وقت تشهد فيه العلاقات بين أنقرة والغرب تراجعاً. وفرضت روسيا عقوبات تجارية قبل تسعة شهور بعدما أسقطت تركيا طائرة مقاتلة روسية بالقرب من الحدود مع سوريا.

غضب تركي

وغضب أردوغان وكثير من الأتراك مما اعتبروه قلقاً من جانب الغرب بشأن الحملة التي أعقبت محاولة الانقلاب الفاشلة مقابل عدم الاهتمام بالأحداث الدامية ذاتها التي قتل خلالها أكثر من 230 شخصاً عندما قصف جنود متمردون مبنى البرلمان وسيطروا على جسور باستخدام الدبابات وطائرات الهليكوبتر.

وألقت الحكومة التركية باللوم في هذا الانقلاب على أتباع فتح الله غولن رجل الدين الذي يعيش في منفاه الاختياري بالولايات المتحدة وأبعدت عشرات الآلاف ممن يشتبه أنهم أتباعه عن مواقعهم ومنهم معلمون ورجال شرطة وقضاة وجنود. وتقول الدول الغربية إن التطهير كان سريعاً للغاية وعشوائياً.

وتضررت علاقات تركيا مع الغرب بشدة لدرجة أن وزير خارجية ألمانيا قال قبل أيام إنه لم يعد هناك أساس تقوم عليه المناقشات و”إننا نتحدث مع بعضنا مثل طرفين قادمين من كوكبين مختلفين”. كما أن المستشار النمساوي اقترح وقف المحادثات بشأن عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي.

فرصة

وقال سنان أولجن وهو دبلوماسي تركي سابق ومحلّل في مركز أبحاث كارنيجي أوروبا “بالنسبة لأردوغان يمثل هذا الاجتماع مع بوتين فرصة لأن يظهر لشركاء تركيا في الغرب أنه ربما يكون أمام بلاده خيارات استراتيجية أخرى.”

وأضاف أولجن “تركيا يمكن أن تتقارب استراتيجياً مع روسيا إذا صار إصلاح علاقاتها مع الغرب غير ممكن. في الوقت نفسه هناك أيضاً حافز لدى روسيا يدفعها لاستخدام الأزمة بين تركيا والغرب لإضعاف تماسك حلف شمال الأطلسي.”

وسيكون اجتماع أردوغان مع بوتين ثاني اجتماع لأردوغان مع رئيس دولة أجنبية بعد الانقلاب. وكان رئيس كازاخستان زار أنقرة يوم الجمعة. ويتساءل مسؤولون أتراك عن السبب وراء عدم زيارة أي زعيم غربي إلى تركيا بعد محاولة الانقلاب لإظهار التضامن مع أنقرة.

“دولتان منبوذتان”

وقال أندري كورتونوف مدير عام المجلس الروسي للشؤون الدولية وهي مؤسسة أبحاث مقربة من الخارجية الروسية ومعنية بالسياسة الخارجية “بالنسبة للغرب تعد روسيا وتركيا دولتين منبوذتين.”

وأضاف “ظاهرياً جذبت المحاولة الانقلابية الفاشلة تركيا إلى روسيا لكن مازالت بين الدولتين خلافات خطيرة.”

ومازالت الخلافات بين البلدين مستمرة حول سوريا حيث تدعم موسكو رئيس النظام بشار الأسد في حين ترغب أنقرة في الإطاحة به إضافة إلى الوضع في جنوب القوقاز حيث تدعم تركيا أذربيجان في صراعها مع أرمينيا التي هي حليف لروسيا في إقليم ناجورنو-قرة باغ.

وقال كورتونوف “الاجتماع بين بوتين وأردوغان.. سيظهر إلى أي مدى يرغب الطرفان في الوصول إلى حلول وسط. والسؤال هو: هل يمكن ترجمة هذا التحرك التكتيكي بوقف التصعيد إلى شراكة استراتيجية أعمق؟”.

واشنطن تراقب

ويبدو أن واشنطن ستراقب هذه الزيارة عن كثب. فعلاقاتها متوترة مع أنقرة بسبب استمرار وجود فتح الله غولن على أراضيها وهو الذي يتهمه أردوغان بأنه العقل المدبر لمحاولة الانقلاب.
وينفي غولن الذي يقيم في بنسلفانيا منذ عام 1999 ضلوعه في الانقلاب الفاشل في حين تقول واشنطن أنها ستسلمه إذا قدمت تركيا دليلاً على تورّطه الأمر الذي زاد من شعور الحكومة التركية بخيبة الأمل.

وقال مسؤولون إن من المتوقع أن يزور وزير الخارجية الأميركي جون كيري تركيا في أواخر شهر أغسطس/آب. ويبدو أن قضية غولن ستكون ضمن أهم الموضوعات التي سيناقشها خلال الزيارة.

وقال فاروق لوج أوغلو الذي كان سفيراً لتركيا لدى واشنطن وحتى وقت قريب مشرعاً بارزاً ينتمي للحزب المعارض الرئيسي “في وقت كهذا يتوقع الرأي العام التركي مواقف تعبر عن التضامن والوحدة وهي أمور لا يبدو أنها ستأتي قريباً من الغرب.”

ورغم أن توقيت زيارة أردوغان لروسيا ربما يفسر على أنه إشارة للغرب إلا أن لوج أوغلو شكك في أن ذلك يعني تقارباً شاملاً بين تركيا وروسيا أو إحداث ضرر دائم بالعلاقات مع الولايات المتحدة.

زواج كاثوليكي

وقال السفير السابق “العلاقة التركية الأميركية علاقة زواج كاثوليكي: لا يوجد فيها طلاق. كل طرف يحتاج للآخر.. هذه العلاقة تعرضت لاختبارات قاسية في أوقات سابقة وأعتقد أنها ستصمد هذه المرة أيضاً.”

لكن تقارب العلاقات بين أنقرة وموسكو ربما يكون أكثر إزعاجاً لأوروبا التي ترى أن خطة إنشاء خط أنابيب غاز من روسيا إلى تركيا -وهو المشروع المعروف باسم تيرك ستريم- سيعقد جهود أوروبا بشأن الحد من اعتمادها على الطاقة الروسية.

وقال أكين أونفير أستاذ العلاقات الدولية المساعد في جامعة قدير هاس في إسطنبول “إن التعاون في مجال الغاز بين روسيا وتركيا ربما يكون مخيفاً بالنسبة للاتحاد الأوروبي.”

وأضاف “الاتحاد الأوروبي يريد أن ينوّع مورديه ويربط الغاز في شرق المتوسط بأوروبا على المدى البعيد.. إذا تمكنت روسيا من الالتفاف على كل هذا من خلال تيرك ستريم فإن ذلك لن يكون عاملاً مساعداً. لكن الاتحاد الأوروبي ليس في وضع يؤهله للتفاوض. سياسياً هو ضعيف للغاية.”

مجالات التعاون

وقال يوري يوشاكوف مساعد بوتين لشؤون السياسة الخارجية إن الملف السوري سيكون الموضوع الرئيسي للاجتماع مع أردوغان. وأضاف أن أجندة الاجتماع ستتضمن كذلك موضوعات مثل مشروع تيرك ستريم ومشروعات الطاقة النووية واستئناف رحلات الطيران العارض (الشارتر) إلى تركيا والتي توقفت بعد إسقاط طائرة مقاتلة روسية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وتراجعت عوائد السياحة التي تمثّل عماد الاقتصاد التركي بسبب الانخفاض في عدد الزوار الروس الذي تراجع بنسبة 87 في المئة خلال الشهور الستة الأولى من العام الجاري. كما تضرر القطاع السياحي بفعل سلسة من الهجمات الانتحارية في البلد.

وأوضح يوشاكوف في إيجاز صحفي في موسكو الجمعة “إن الجانب التركي أعطى ضماناً مكتوباً مفاده أن تركيا ستلتزم بتوصيات روسيا بشأن زيادة الإجراءات الأمنية للسياح الروس في المنتجعات التركية” مضيفا أن تركيا أعطت للخبراء الروس تصريحاً بالتحقق من الإجراءات على الأرض.

وبالنسبة للشأن السوري قال كورتونوف ربما تكون هناك فرصة أمام الجانبين للتقارب بشأن خيارات الانتقال السياسي لإنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من خمسة أعوام وشكل الدستور الجديد في سوريا.

اضطراب قصير المدى

وقال إبراهيم كالين المتحدث باسم أردوغان في مقابلة مع وكالة تاس الروسية للأنباء إنه “فيما يتعلق بالتعاون مع روسيا نريد أن نيسّر انتقالاً سياسياً في سوريا في أسرع وقتٍ ممكن”. لكنه أكد اقتناع تركيا الراسخ بأن مثل هذه الخطوة لن تنجح إلا في حال رحيل الأسد.

ووصف كالين التوترات الأخيرة مع روسيا بأنها “اضطراب قصير المدى” في صداقة تعود لقرون. وربما يتمنّى قادة الغرب أن يكون الأمر مماثلاً بالنسبة لعلاقاتهم مع أنقرة.

وقال الدبلوماسي السابق أولجن “الساحة السياسية تمهّد لوجود تقارب ونقاط التقاء بين تركيا وروسيا.. ومع ذلك من غير الواقعي النظر إلى روسيا كبديل استراتيجي للغرب (بالنسبة لأنقرة). تركيا ستظل حليفاً للغرب.”

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن