وادي النار: من محمية طبيعية ومخزون تراثي إلى مكرهة هي الأكثر تلوثا بين وديان فلسطين

وادي النار

آفاق البيئة والتنمية / تقرير: جورج كرزم

تكرر في السنوات الأخيرة تعرض متنزهين فلسطينيين وأجانب في وادي النار لخطر الانجراف بسيول ضخمة من المياه العادمة المتدفقة في الوادي والتي أصبحت “مشهدا طبيعيا مألوفا” هناك.  إذ يتدفق في الوادي الذي يبدأ من القدس ويصل إلى البحر الميت، ويسيطر عليه الاحتلال الإسرائيلي سيطرة مطلقة- يتدفق فيه يوميا أكثر من 35 ألف متر مكعب (أو أكثر من 12 مليون م3 سنويا) من المياه العادمة غير المعالجة الآتية من الأحياء الاستيطانية اليهودية في القدس، إضافة لبعض أحياء القدس (الشرقية والغربية) المحتلة، ومن عدد من القرى الفلسطينية بالمنطقة.  ويعد وادي النار حاليا الأكثر تلوثا من بين جميع الوديان الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط؛ إذ سُجِّلَ على طول الوادي نحو 900 موقع تلقى فيها النفايات بأنواعها المختلفة.  وذلك رغم من أن الوادي يعد من محميات الطيور المميزة في فلسطين، فضلا عن احتوائه مواقع دينية وتاريخية كثيرة هامة، بما في ذلك الأديرة في منطقة مار سابا؛ حيث أمسى الوصول إلى تلك المواقع تجربة مقيتة غير سارة.

وعلى مسافة بضعة كيلومترات شرقي القدس، أنشأت ما يسمى “جمعية المياه لمستوطنات الغور” الإسرائيلية خزانا تتدفق إليه بعض المياه العادمة في وادي النار، قبل أن تصل إلى البحر الميت؛ فتعالج ومن ثم توزعها الجمعية الإسرائيلية على مزارعي المستعمرات في المنطقة، ليستخدمونها في عمليات ري بساتين التمور التابعة للمستعمرات.  ورغم وجود هذا الخزان، إلا أن كميات كبيرة من المياه العادمة غير المعالجة تواصل تدفقها نحو البحر الميت، كما أن التلوث الضخم لا يزال متفشيا في الجزء الغربي من الوادي.  وفي المحصلة، تحول الوادي من موقع طبيعي فريد وغني في تنوعه البيولوجي، إلى مكرهة بيئية وصحية.

مخطط إسرائيلي: منشأة تنقية قرب جبل المكبر

قبل بضع سنوات أعدت شركة المياه والصرف الصحي الإسرائيلية المسماة “هَغيحون” (المسؤولة عن القدس المحتلة)- أعدت مخططا لإقامة منشأة لتنقية المياه العادمة المتدفقة من القدس الشرقية نحو مدخل وادي النار، وذلك قرب حي جبل المكبر؛ إلا أن المخطط لم ينفذ، بسبب الضغوط السياسية التي مورست على الشركة الهولندية التي كان يفترض بها إقامة وتشغيل المنشأة، ما أدى إلى انسحابها في سياق حملات مقاطعة إسرائيل، وبخاصة أن موقع المنشأة في القدس الشرقية وبإدارة الاحتلال الإسرائيلي.  إلا أن الاحتلال عاد مؤخرا إلى مخططه السابق بإقامة منشأة التنقية قرب جبل المكبر.  كما قرر الاحتلال نقل جزء من المياه العادمة الناتجة من الأحياء اليهودية الاستيطانية في القدس الشرقية، بواسطة نفق، إلى محطة التنقية في منطقة النبي موسى، لمعالجتها واستعمالها لأغراض زراعية في مستعمرات الأغوار والبحر الميت، وبالتالي ترسيخ الاستيطان الصهيوني في المنطقة.  وبإلحاح من وزارتي الصحة والبيئة الإسرائيليتين، من المتوقع أن تخصص الحكومة الإسرائيلية دعماً مالياً لتنفيذ هذه المشاريع.

وبالرغم من أن مسألة معالجة المياه العادمة في مناطق السلطة الفلسطينية أثيرت مراراً وتكرارا، إلا أن إسرائيل تتجاهل تماما أنهار مياه المجاري المتدفقة بوضوح نحو الأراضي الزراعية الفلسطينية من المستعمرات والقواعد العسكرية التابعة لجيش الاحتلال؛ علما أن تدفق المياه العادمة غير المعالجة نحو الطبيعة وفي الأراضي المفتوحة والوديان تتسبب في أذى بيئي-صحي خطير، وبخاصة تلويث المياه الجوفية.

ومن المعروف أن الاحتلال الإسرائيلي أهمل طيلة عشرات السنين إقامة البنية التحتية اللازمة لمعالجة المياه العادمة، علما أن ما يسمى “الإدارة المدنية” الإسرائيلية لا تزال تضع العراقيل الكثيرة أمام تطوير شبكات المجاري ومحطات المعالجة، وتعيق إصدار التصاريح اللازمة لتطوير تلك الشبكات وإنشاء تلك المحطات.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن