حذّر الكاتب البريطاني باتريك كوبيرن بمقال له فيصحيفة “اندبندنت” البريطانية، من مغبّة التهاون مع الاحتجاجات المشتعلة في البصرة بجنوب العراق، معتبراً أن تلك الاحتجاجات هي الأكثر خطراً في العراق منذ سنوات، وأنها يمكن أن تمتدّ إلى المنطقة.
وقال كوبيرن إن هذه الاحتجاجات لو أنها وقعت قبل الربيع العربي لكانت تصدّرت نشرات الأخبار في جميع أنحاء العالم، غير أنها إلى الآن لا تحظى بتغطية في وسائل الإعلام الدولية التي تركّز على مستقبل إدلب في سوريا.
الاحتجاجات المستمرّة في البصرة منذ عدة أيام، كما يرى الكاتب، تأتي في لحظة تغرق بها البلاد في أزمة سياسية؛ بسبب الصراع بين كتل شيعية لتشكيل الكتلة الكبرى التي تسمح لها بتشكيل الحكومة.
واعتبر كوبيرن أن عدم الاهتمام من قبل الحكومات الغربية ووسائل إعلامها بما يجري في البصرة يشبه تماماً ما جرى قبل 5 أعوام؛ عندما تم تجاهل مطالب أهالي المناطق الغربية والشمالية، لتتقدم “داعش”وتستولي على الموصل.
ويرى الكاتب أن أسباب الاحتجاجات في البصرة واضحة؛ فالعراق تحكمه طبقة سياسية مهلهلة تُدير جهاز الدولة العراقية بوصفه آلة للنهب والسرقة. وقال: “صحيح أن الفساد منتشر في الدول النفطية، ولكن على الأقل هناك ما تقدّمه تلك الحكومات لمواطنيها، أما في العراق فإن ذلك لا يحدث بحدّه الأدنى، فبعد 15 عاماً من السرقة تحوّلت البصرة التي كانت تُعرف بفينيسيا الخليج إلى مجارٍ مفتوحة، وصار ماؤها ملوّثاً وسامّاً”.
ويتابع الكاتب، أن الحكومات العراقية لا تتعامل بشكل جيد مع الأزمات المماثلة، خاصة أن أزمة البصرة تأتي متزامنة مع الأزمة السياسية لتشكيل الحكومة الجديدة، ولكن حتى لو شُكّلت حكومة جديدة وتم اختيار رئيس وزراء جديد، أو بقي حيدر العبادي، فإن ذلك لن يؤدّي إلى تغيير أو إحداث فرق كبير، فحتى تيار مقتدى الصدر الذي فاز ائتلافه بالمركز الأول في الانتخابات التي جرت في 12 أيار، يواجه أعضاؤه تهم فساد مثلهم مثل بقية الأحزاب الأخرى.
ولكن لماذا يتظاهر العراقيون الآن؟ يجيب الكاتب عن التساؤل قائلاً، إنه بعد أن نجح العراق -بدعم أميركي وإيراني- في القضاء على تهديد “داعش”، لم يعد الكثير من العراقيين مشغولين بالتهديد الأمني، وبدأ التركيز على الخدمات والحالة المتداعية للبلاد، فلا جسور ولا طرق ولا مستشفيات ولا مدارس، فضلاً عن نقص الكهرباء والماء في بلد تصل فيه درجة الحرارة صيفاً إلى أكثر من 50 درجة مئوية.
ويفضّل العراقيون تغييراً جذرياً أو حتى ثورياً، ولكن الحقيقة أن الوضع الحالي في العراق من الصعب اقتلاعه؛ فليست النخبة السياسية هي الوحيدة المستفيدة من عائدات النفط، وإنما هناك نحو 4.5 مليون موظّف عراقي يحصلون على رواتب من الدولة، ومن ثم فإن لديهم الحافز للحفاظ على هذا الوضع مهما كان سيئاً.
ويختتم الكاتب مقاله بالقول: “الأزمة السياسية المزمنة في العراق ينبغي أن تدقّ ناقوس الخطر في العالم، فمند 2003، عقب الاحتلال الأميركي، كانت الأزمات التي تعصف بالعراق مقدّمة لأزمات تصيب المنطقة والعالم، في ظل حكومات متعاقبة تخدم في كثير من الأحيان مصالح رعاة أجانب، فضلاً عن أن العراق تحوّل إلى ساحة للصراع الأميركي الإيراني”.