بعد 4 أشهر من الغزو الروسي لأوكرانيا، دون أن تستخدم الأولى “الخيار النووي” الذي كانت تهدد به أو تجري محادثات مباشرة مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (الشرط الأوكراني لوقف إطلاق النار)، تضررت بشدة المكانة الاستراتيجية العالمية لروسيا التي كان ينظر إليها قبل الحرب باعتبارها مركزا بديلا للقوة عالميا.
وعانت روسيا من خسائر فادحة ولم يستطع جيشها سحق أوكرانيا “الضعيفة” في حرب شاملة أرادت موسكو أن يعتبرها العالم مجرد “عملية خاصة”.
وهناك مستويات متعددة لخسارة روسيا مكانتها الاستراتيجية العالمية لفهم حجم الضرر الذي تسبب فيه الرئيس فلاديمير بوتين نتيجة سوء التقدير والتخطيط.
من الناحية الجيوسياسية، فقد تراجع تصور العالم عن نفوذ روسيا في يونيو/حزيران 2022، ولم يعد يُنظر إليها على أنها مركز بديل للقوة أمام الولايات المتحدة.
وتقف روسيا اليوم معزولة دبلوماسيا، ويقع دعمها المشكوك فيه على كاهل الصين وكوريا الشمالية وباكستان.
وخسرت روسيا شراكتها الاستراتيجية الطويلة مع الهند. وربما أحجمت الهند عن إدانات صريحة لروسيا في الأمم المتحدة، واشترت النفط الروسي الرخيص، لكن داخل الهند هناك إدانة واسعة للمغامرة العسكرية الروسية.
وترى الهند أن هناك أوجه تشابه مع المغامرة العسكرية الصينية المماثلة ضد الهند على حدود الهيمالايا مع التبت المحتلة من قبل الصين.
وبعد غزو أوكرانيا، أيضا، دُفعت روسيا بشدة إلى أحضان الصين استراتيجيا واقتصاديا. ووفق المؤشرات الحالية، فقد تقلصت مساحة المناورة الروسية للهروب من الطوق الصيني سواء كان ذلك جغرافيا أو استراتيجيا أو اقتصاديا. ويُقلل ذلك من النفوذ الروسي عالميا.
المحتويات
استنزاف القوة الروسية
أصبحت الولايات المتحدة والناتو في حالة حرب غير معلنة ضد روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا، وما يتكشف حاليا هو أن الغرب يستخدم أوكرانيا لـ “استنزاف القوة الروسية”؛ مما يضعف روسيا بشكل استراتيجي.
ومن الناحية الاستراتيجية، أصبحت صورة روسيا كثقل مُوازِن للقوى الغربية مقصورة فقط على التحالف الصيني الروسي، وهذه خسارة مهينة للمكانة الاستراتيجية العالمية لروسيا باعتبارها قوة عظمى تنافس الولايات المتحدة سابقا.
وفضلا عن ذلك، تكبدت روسيا خسائر هائلة في القوات والعتاد العسكري، وسيستغرق الأمر عقودا لتعافي الاقتصاد الروسي المنهك.
وكان المحلل في الشؤون الاستراتيجية والعلاقات الدولية كابيلا سوبهاش قد توقع في تحليله الأول بشأن أوكرانيا في مارس/آذار 2022 أن الحرب ستتحول في نهاية المطاف إلى نسخة ثانية من حرب أفغانستان ضد الاتحاد السوفييتي.
ويبدو أن الواقع يؤيد هذه النظرة، فقد أدت المقاومة الأوكرانية غير المسبوقة (مدعومة بالأسلحة المتقدمة التي توفرها الولايات المتحدة والناتو) إلى نزيف روسي قد يطول.
شكوك في جيش روسيا
ويمكن رصد التصورات التي تشير إلى تدهور القوة الاستراتيجية الروسية من تغطية وسائل الإعلام؛ حيث يظهر بشكل يومي الخسائر الروسية في الدبابات ومدرعات الجنود والمروحيات الهجومية، فضلا عن إغراق السفن الحربية الروسية في البحر الأسود.
وإضافة إلى ذلك، تعرض الجيش الروسي إلى خسائر كبيرة في الأفراد تقدر بالآلاف، ويبقى الأهم خسارة عدد من الجنرالات ذوي المهارة والخبرة الطويلة.
وعانت أوكرانيا بشدة من القصف العشوائي الروسي للمراكز الحضرية المدنية والبنية التحتية، لكن ما تبين بعد 4 أشهر من الحرب هو أن روسيا فشلت فشلا ذريعا في كسر الإرادة الوطنية للشعب الأوكراني الذي يرفض حتى الآن الرضوخ للقوة العسكرية الروسية.
وفضحت الحرب المعدات العسكرية الروسية التي اتضح أنها غير فعالة، وأصبحت الشكوك تحيط بقوة الجيش الروسي.
اقتصاد تنهكه العقوبات
ومن الناحية الاقتصادية، تعرضت القوة الاقتصادية الروسية للإنهاك بفعل العقوبات الأمريكية والغربية، وسيتعرض الاقتصاد الروسي للخنق أكثر إذا استمر بوتين فيما يزعم أنه “تحويل الهزيمة إلى نصر”.
كما أن موارد الطاقة الروسية التي ساهمت في استقرار الاقتصاد الروسي ودعمت الأعمال العسكرية، أصبحت مهددة الآن مع تحول العالم الغربي إلى مصادر بديلة عن الطاقة الروسية.
ومن المحتمل أن يؤدي الاضطراب الاقتصادي إلى تداعيات سياسية محلية تؤثر على استقرار الدولة الروسية، وهناك مؤشرات أولية على ذلك.
باختصار، لا تهدد حرب أوكرانيا بقاء بوتين في السلطة فقط، وإنما تهدد أيضا بإعادة روسيا للوراء عقودا من الزمن فيما يتعلق بسعيها لاستعادة مكانتها العالمية كمركز بديل للقوة.