بدل الرئيس التركي، رجب طيّب إردوغان، لهجته تجاه ألمانيا، من هجوم مطلق قبل عام، مع طلبه من الألمان من أصل تركي ألا يصوتوا للمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، واصفًا إياها وتحالفها الحاكم بأنهم “أعداء تركيا”، إلى الدعوة للعودة إلى “البيئة الدافئة بين البلدين”.
واليوم، الخميس، يصل إردوغان إلى برلين في زيارة رسمية تتّبع البروتوكول الألماني، تشمل استعراضات عسكرية، على أن تصل ذروتها في مأدبة رسمية ووجبة غداء مع المستشارة ميركل.
لكن التقارب الملفت للنظر بين تركيا وألمانيا ليس مصادفة، فمع معاناة تركيا من توابع أسوأ أزماتها الاقتصادية منذ 15 عامًا، وجد أردوغان نفسه بحاجة إلى أوروبا، فعمد إلى إجراء تعديل جذري في خطابه تجاهها، وقلل من لهجته التي وصفت سابقًا بأنها “معادية للغرب”.
وقال في وقت سابق من هذا الأسبوع “نريد أن نترك وراءنا كل المشاكل وأن نهيّئ بيئة دافئة بين تركيا وألمانيا، مثلما كانت عليه من قبل”.
بالنسبة لألمانيا، فإن الهدف من الزيارة الرسمية، كما يقول المسؤولون، هو تطبيع العلاقات الشائكة مع شريك مهم في الناتو في منطقة جنوب شرق أوروبا، أمّا بالنسبة لتركيا، بشكل غير مباشر، فالهدف واحد، هو إصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة، التي فرضت عقوبات هذا الصيف على تركيا، احتجاجًا استمرار احتجاز قسٍّ أميركي، وفقًا لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركيّة.
لكن الزيارة أكّدت، أيضًا، سواء أحبت تركيا إردوغان أم كرهته، فإنه يتعيّن عليها التعامل مع واقع سلطته القويّة على حدودها، إذ استقرار تركيا – اقتصاديا وجيوسياسيًا – أولوية إستراتيجية لألمانيا وأوروبا.
داخليًا، تختلف أوضاع إردوغان وميركل السياسية الداخليّة، فإردوغان الذي مضى على وصوله إلى السلطة 15 عامًا، يبدو بعد تمرير التعديلات الدستورية الأخيرة التي أعطته صلاحيّات واسعة والانتخابات الرئاسية التي تبعتها في مأمن، غير أن ميركل، الذي مضى على وجودها في السلطة 13 عامًا، في حالة ضعف متزايد في الداخل والخارج، أو كـ”بطّة عرجاء”، بتعبير “نيويورك تايمز”.
ما الذي يحتاجه إردوغان وميركل من بعضهما البعض؟
أبرز ما يحتاجه إردوغان هو الدعم الاقتصادي، في حين ما تحتاجه ميركل هو بقاء تركيا مستقرة اقتصاديًا، وأن يستمر الرئيس التركي في وقف تدفق المهاجرين واللاجئين، الذين يمرون عبر بلاده من دول مزقتها الحروب، وهي القضية التي أصبحت “كعب أخيل” (نقطة ضعف) ليس للمستشارة الألمانيّة فحسب، إنما لكافة دول أوروبا، كذلك.
الواقع الاقتصادي في تركيا كالتالي: الاقتصاد يتأرجح، وتعرضت الليرة التركية لضغوط شديدة، أدّت إلى خسارتها ما يقرب من 40 في المئة من قيمتها هذا العام، وسط ارتفاع في نسبة التضخم، والديون الخارجية، إذ تبلغ ديون القطاع الخاص التركي أكثر من 200 مليار دولار، ومع انخفاض قيمة الليرة، وجدت الشركات التركية نفسها تناضل من أجل تلبية المدفوعات، وهو ما حدا بإردوغان إلى طمأنة الأسواق المالية، وتحسين العلاقات التجارية والبحث عن دعمٍ سياسي.
وتعد زيارة إردوغان لتركيا تحولا كبيرًا في العلاقات الألمانية التركية، بعدما وصلت العلاقات إلى الحضيض، في العام الماضي، مع استمرار الاحتراب الكلامي بين البلدين لأسابيع، إذ وجّه مسؤولون كبار من الجانبين اتهامات تراوحت بين الابتزاز وحتى استخدام التكتيكات النازية والتحريض ضدّ الإرهاب، بل إن صحفًا تركية وصفت المؤسسات والصحافيين الألمان العاملين في تركيا بأنهم “جواسيس”!
ويعزو مسؤولون أتراك تحسّن العلاقات إلى انتهاء الانتخابات في ألمانيا وتركيا.