الوطن اليوم / رام الله
تشير المعطيات والوقائع إلى أن الأزمة المتفاقمة بين رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، والإدارة الأميركية، المتواصلة منذ سنوات، تدفع الولايات المتحدة، وهو ما تنفيه رسميا، إلى التدخل غير الصريح في الانتخابات الإسرائيلية، في غير صالح نتنياهو.
ومع تصاعد حدة الأزمة بين نتنياهو والإدارة الأميركية، برئاسة باراك أوباما، التي تعود إلى أكثر من 6 سنوات، وتفاقمت وباتت جلية في السنتين الأخيرتين، منذ أن أبدى نتنياهو دعمه الصريح للمرشح الجمهوري ميت رومني، فإنها تركزت أساسا في ملف القضية الفلسطينية، والمشروع النووي الإيراني، ومؤخرا حول الخطاب المرتقب لنتنياهو أمام الكونغرس.
وبالنتيجة، فإن انتخابات الكنيست القريبة تبدو كفرصة أمام الإدارة الأميركية لتحجيم نتنياهو، دون إغفال مواصلة إطلاق التصريحات التي تؤكد على الموقف الإستراتيجي للولايات المتحدة تجاه إسرائيل وتمسكها بأمنها.
وسائل الإعلام الأميركية
وتتصاعد مؤخرا الانتقادات التي توجه لنتنياهو في الصحافة الأميركية، وخاصة في أعقاب الإعلان عن دعوة رئيس مجلس النواب الأميركي، جون باينر، له لإلقاء خطاب في الكونغرس، قبل أسبوعين من الانتخابات الإسرائيلية. وفي الوقت نفسه، فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية تتناقل هذه الانتقادات، ويتم استغلالها بشكل جيد من قبل خصوم نتنياهو السياسيين.
وفي مطلع الشهر الجاري، وجهت صحيفة “يو أس إيه تودي” (المحسوبة على الجمهوريين ومالكها هو روبرت موردوخ) انتقادات حادة لنتنياهو، واعتبرت أن سياسته مدمرة، وأنه يغامر باستبدال العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة بعلاقات بين الليكود والحزب الجمهوري.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن أهم وسائل الإعلام الأميركية تطلق على السفير الإسرائيلي في واشنطن، رون درمر، لقب “سفير إسرائيل لدى الحزب الجمهوري”. كما يتعرض السفير لانتقادات شديدة، ويواجه تقليصا كبيرا في تعامل البيت الأبيض معه، لدرجة التصريح بأنه لم يعد مرغوبا به في واشنطن.
وكانت قد نشرت انتقادات مماثلة في الأسابيع الأخيرة في وسائل إعلام أميركية، بينها “فوكس نيوز” و”وول ستريت جورنال”.
وكتبت “نيويورك تايمز” قبل أقل من أسبوع، أنه تكاد لا تبذل أية جهود لحل الأزمة الحالية بين الطرفين. وبحسب الصحيفة فإن الأزمة الحالية تشير إلى الفجوة العميقة بين موقفي الطرفين، إذ أن أوباما معني بتقارب تاريخي مع إيران على شكل اتفاق نووي، في حين يواصل نتنياهو إثارة الفزع مما يسميه “عدو مع سلاح نووي”، ويدعي أن “أوباما يحاول بيع إسرائيل، للتوصل إلى اتفاق سيء، وبذلك يؤثر على انتخابات الكنيست”.
كما انتقدت قناة “فوكس نيوز” الأميركية الطريقة التي تم ترتيب الزيارة بها، ووصفت سلوك نتنياهو بـ”الأهوج” وأنه يحاول أن يتسلل إلى الكونغرس متجاهلا الرئيس.
وسائل الإعلام الإسرائيلية
وفي حمى التنافس الانتخابي في إسرائيل، تتسابق الأحزاب الصهيونية على إبراز الدور المسيء لنتنياهو في علاقات إسرائيل الدولية، وخاصة مع الولايات المتحدة. كما تتعتمد وسائل الإعلام الإسرائيلية نقل ما ينشر عنه في وسائل الإعلام الأميركية.
وضمن غيض من فيض الاتهامات التي توجه لنتنياهو، اتهم الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، عاموس يدلين، قبل أيام، نتنياهو بأنه دهور العلاقات مع الولايات المتحدة إلى الدرك الأسفل.
وكتب مراسل صحيفة “هآرتس” في واشنطن، أن تسلل نتنياهو بالقوة إلى واشنطن أوصل العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة إلى حضيض لم يسبق له مثيل. وأشار إلى أنه يوجه نقد كبير لنتنياهو في الولايات وتجدد إلصاق لقب جبان قذر ‘chickenshit’ به ، وهو يعتبر مديحا نسبة لما قيل. كما يشير إلى أن عددا من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين وقادة منظمات يهودية استصعبوا إخفاء دهشتهم من خطوة نتنياهو.
وكتب بن كسبيت في صحيفة “معاريف”، الشهر الماضي، إن نتنياهو حقق نجاحا في نيل فرصة إلقاء الخطاب، ولكنه وجه إهانة قاسية للإدارة الأميركية التي أصيبت بالصدمة لسماعها عن الدعوة في وسائل الإعلام، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة، وأن نتنياهو برِهانه على العلاقة مع الجمهوريين أوقع أضرارا بالعلاقة مع البيت الأبيض.
وكتب الدبلوماسي الإسرائيلي ألون بينكاس، في “يديعوت أحرونوت”، في منتصف كانون الأول (ديسمبر) إنه للمرة الأولى تظهر الولايات المتحدة ترددا في استخدام حق النقض على مشروع قرار في الأمم المتحدة، وذلك في إشارة إلى المطالبة الإسرائيلية باستخدامه ضد مشروع القرار الفلسطيني في مجلس الأمن. ويخلص إلى نتيجة أنه “حتى لو فرض الفيتو، ينبغي أن تشتعل الأضواء الحمراء بقوة في إسرائيل: فإنها بداية نهايةعهد الفيتو الأمريكي الأوتوماتيكي”.
توقيت النشر عن دور “سي آي إيه” في اغتيال مغنية
في توقيت مثير للتساؤل تناولت “واشنطن بوست”، نهاية الشهر الماضي، دور وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، في التخطيط لعملية اغتيال القيادي في حزب الله، عماد مغنية، مع الإشارة إلى أن “نيوزويك” اعتبرت الدور الأميركي رئيسيا في العملية، خاصة وأن النشر يتزامن مع تصاعد حدة الانتقادات الحادة لنتنياهو لدوره في الأزمة الحاصلة مع الولايات المتحدة باعتبار أن الأخيرة حليف إستراتيجي لإسرائيل.
وفي سياق تناوله للخبر، كتب رونين بيرغمان، في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، مطلع الشهر الجاري، أن التعاون بين CIA والموساد في تلك الفترة عكس مدى قوة العلاقة والتعاون الوثيق بين أجهزة الأمن الأميركية والإسرائيلية، وهي نتيجة عمق العلاقة بين الرئيس الأميركي آنذاك، جورج بوش، ورئيسي الحكومة الإسرائيلية آنذاك، أريئيل شارون وايهود أولمرت. الأمر الذي يتيح للإسرائيلي إجراء مقارنة مع ما وصلت إليه العلاقات اليوم في عهد نتنياهو.
كما لفت بيرغمان إلى دور السفارة الأميركية في دمشق في عملية الاغتيال، مبرزا أهمية التعاون الوثيق بين أجهزة الأمن لدى الطرفين، ودعم الرئيس الأميركي في حينه، جورج بوش للعملية.
وكانت “واشنطن بوست” قد نشرت تفاصيل العملية وتنفيذها، والتي كان للولايات المتحدة فيها دور التحكم بتوقيت وتنفيذ العملية، كما بين التقرير أنه أجريت تجارب على القنبلة التي استخدمت في العملية، في ولاية كارولينا أكثر من 25 مرة للتأكد من عدم وقوع أضرار جانبية.
تصريحات مسؤولين أميركيين
أدلى كبار المسؤولين الأميركيين بسيل من التصريحات على فترات متقاربة، مؤخرا، توجه انتقادات حادة لنتنياهو، وخاصة بعد الإعلان عن خطابه المرتقب في الكونغرس، دون علم الإدارة الأميركية. كما أكدت الإدارة على أن أوباما لن يجتمع مع نتنياهو في زيارته إلى واشنطن بحجة عدم التدخل في الانتخابات.
وقالت زعيمة الديمقراطيين في مجلس النواب، نانسي بيلوسي، قبل نحو أسبوع، إن الخطاب المزمع لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أمام الكونغرس الأميركي في آذار(مارس) قد يضر بمساعي إدارة أوباما للتوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي.
وأكد الرئيس الأميركي باراك أوباما، في مقابلة مع “سي أن أن”، في نهاية كانون الثاني (يناير) الماضي، أنه لن يجتمع مع نتيناهو خلال زيارة الأخير للولايات المتحدة نظرا لقرب الموعد من الانتخابات الإسرائيلية.
وكان قد سبق وأن طلب أوباما، قبل أكثر من أسبوعين، من نتنياهو، التوقف عن محاولاته حث أعضاء كونغرس من الديمقراطيين والجمهوريين على الدفع باقتراح قوانين لفرض المزيد من العقوبات على إيران، مؤكدا على أن الولايات المتحدة معنية بالتوصل إلى اتفاق نووي معها.
وفيما اعتبر على أنه ضربة قاسية لنتنياهو، أعلن المسؤول الديمقراطي في لجنة الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي، بوب ميننديز، قبل أسبوع، عن تراجعه عن اقتراح قانون كان قد بادر إليه يقضي بفرض عقوبات على إيران، علما أن نتنياهو اعتمد على اقتراح القانون في خطابه المرتقب، متوقعا أن يلقى الاقتراح تأييدا جارفا من قبل الديمقراطيين والجمهوريين.
كما أكد الناطق باسم البيت الأبيض، في بيان قبل أسبوعين، امتعاض الإدارة الأميركية من زيارة نتنياهو، مشيرا إلى أن الزيارة وإلقاء خطاب سيكون لهما تأثير على نتائج الانتخابات في إسرائيل، وأنه لهذا السبب لن يقابله أوباما.
وسبق وأن أبدى وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، أسفه لعدم علمه المسبق بخطاب نتنياهو.
وردا على زيارة نتنياهو، دعا السفير الأميركي السابق في تل أبيب، مارتن إندك، في الثاني والعشرين من الشهر الماضي، الحزب الديمقراطي إلى توجيه الدعوة إلى رئيس “المعسكر الصهيوني”، يتسحاك هرتسوغ، لإلقاء خطاب أمام الكونغرس.
(عرب 48)