بدأت ملامح تحالف إستراتيجي بين المملكة العربية السعودية والجمهورية التركية تظهر على السطح ليغير موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط إثر أعوام من القطيعة السياسية.
ويستبعد مراقبون أن يؤثر ذلك التحالف على الالتزامات السعودية تجاه مص، التي تمر علاقاتها مع تركيا بمرحلة شد وجذب، بسبب الموقف من تنظيم الإخوان المسلمين.
وقد حرصت السعودية على طمأنة مصر على أن علاقاتها مع تركيا تحكمها الرغبة المشتركة في غعادة بناء النظام الإقليمي بما يضمن التصدي للمد الإيراني في المنطقة.
ويبدو أن الملفات الساخنة في بلدان الربيع العربي، دفعت بأعداء الأمس، إلى اتخاذ مواقف أقل حدة، لإعادة رسم ملامح العلاقات، بما يضمن بقاء الأزمات المحيطة بالرياض وأنقرة تحت سيطرة الدولتَين المحوريتَين في المنطقة.
وتأتي الزيارة المفاجأة لولي ولي العهد السعودي، وزير الداخلية، محمد بن نايف بن عبد العزيز آل سعود، إلى العاصمة التركية أنقرة، اليوم الإثنين، ضمن تلك المساعي لتحديد الأطر العامة للتحالف، بعد شهور من التقارب والتنسيق، على مختلف الأصعدة؛ السياسية، والأمنية، والعسكرية، والاقتصادية.
الزيارة لم يتم الإعلان عنها، وإنما كان المهتمون بالشأنَين السعودي والتركي، يترقبون زيارة وزير الدفاع، نجل العاهل السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إلى أنقرة، في نيسان/إبريل الجاري، لرفع مستوى التنسيق العسكري مع أنقرة، بعد تواتر أنباء عن تكليف الملك سلمان بن عبد العزيز، لوزير الدفاع، بالاهتمام بشؤون العلاقات مع تركيا.
أهمية الدور التركي في “عاصفة الحزم”
يؤكد لقاء وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف، بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على أهمية الدور التركي في “عاصفة الحزم” التي تقودها الرياض، منذ يوم 26 آذار/مارس الماضي، لدعم الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، ضد جماعة “أنصار الله” (الحوثيين) المدعومة من إيران، في اليمن، الذين استولوا على السلطة في صنعاء، يوم 6 شباط/ فبراير الماضي.
ودفع تنامي الدور الإيراني في كل من اليمن، وسوريا، والعراق، أردوغان إلى التخفيف من حدة لهجته، والبحث عن دور تشاركي، لإدارة أزمات المنطقة، مع السعودية، ذات الثقل السياسي والاقتصادي، بعد أن كان -لأعوامٍ خلت- يحاول إدارة مصالحه في المنطقة بشكل أحادي.
الأزمة السورية حاضرة في جدول الزيارة
لا يُغفل الحلف الجديد بين الرياض وأنقرة ملف الأزمة السورية، إذ يناصب الحليفَان العداء للنظام السوري، ويسعيان لتدريب المعارضة السورية المعتدلة، بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية، وكان وزير الدفاع التركي، عصمت يلماز، أعلن يوم 31 آذار/مارس الماضي، عن توقعاته ببدء عملية تدريب وتأهيل المعارضة السورية المعتدلة، خلال شهر أيار/مايو القادم.
وكانت أنقرة وقعت اتفاقاً مع واشنطن، يوم 19 شباط/فبراير الماضي، بعد شهور من النقاشات الشاقة، لتدريب مجموعات من المعارضة السورية المعتدلة، في قاعدة تركية، وتزويدها بمعدات عسكرية، ليستفيد أكثر من 5 آلاف من المعارضين السوريين من البرنامج في عامه الأول، وبالإضافة إلى تركيا، وافقت كل من السعودية وقطر على استضافة مراكز التدريب، وعرضت توفير مدربين.
وسبق أن صرح وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، يوم 20 شباط/فبراير الماضي، أن الاتفاق التركي الأمريكي، يهدف إلى تهيئة المعارضين السوريين لمحاربة دمشق، بالإضافة إلى التصدي لتنظيم “الدولة الإسلامية” المتشدد (داعش) الذي يسيطر على مناطق واسعة من العراق وسوريا قرب الحدود التركية.
محاربة الإرهاب
كما تهدف زيارة ولي ولي العهد السعودي إلى أنقرة، إلى رفع مستوى التنسيق العسكري بين البلدَين، بما فيه محاصرة تركيا لتنظيم “الدولة الإسلامية” المتشدد (داعش) والجماعات المتطرفة، وقطع خطوط الإمداد، ومنع تسلل الجهاديين؛ وبشكلٍ خاص الأوروبيين، وهو ما بدأت تظهر نتائجه، حيث ظلت تركيا تعلن خلال الشهر المنصرم والحالي -بشكل شبه يومي- عن اعتقال عناصر جهادية تحاول التسلل إلى سوريا.
بداية جديدة للعلاقات السعودية التركية
منذ وصول الملك سلمان إلى سدة الحكم في المملكة، يوم 23 كانون الثاني/يناير الماضي، نشطت الدبلوماسية التركية لإعادة فتح العلاقات بين البلدين، وكان الملك سلمان رسم ملامح العلاقات مع تركيا؛ وعلى رأسها التنسيق العسكري، الذي وقّع عليه حين كان ولياً للعهد، ووزيراً للدفاع، خلال زيارته لأنقرة في أيار/مايو 2013.
وأنهت زيارة أردوغان إلى العاصمة السعودية الرياض، يوم 23 كانون الثاني/يناير الماضي، أعواماً من القطيعة السياسية بين البلدين، على خلفية دعم أنقرة لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، ما أثار حفيظة السُّلطات المصرية، وحلفائها؛ حكام السعودية، وأدى إلى تعليق الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية بين البلدين.
وسبق أن عقد الملك سلمان، قمة ثنائية جمعته بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يوم 2 آذار/مارس الماضي، في الرياض، لبحث آخر التطورات الإقليمية؛ في كل من اليمن، وسوريا، والعراق، وليبيا، ومصر، لمواجهة الاضطرابات التي تعصف بالمنطقة.
الزيارة تعطي زخماً للعلاقات العسكرية
للزيارة أهميتها في بلورة ووضع الخطوات الأخيرة للتنسيق العسكري، وسبق أن بحث الملك سلمان، يوم 27 آذار/مارس الماضي، خلال اتصال هاتفي مع أردوغان، آخر المستجدات المتعلقة بعملة “عاصفة الحزم”.
ويشارك في عاصفة الحزم إلى جانب المملكة؛ كل من الإمارات العربية المتحدة، والبحرين، وقطر، والكويت، إلى جانب مصر، والمغرب، والسودان، والأردن، فيما أعلنت باكستان عن استعدادها للمشاركة.
وكان أردوغان أعلن يوم 27 آذار/مارس الماضي، عن تأييده ودعم بلاده لعاصفة الحزم؛ قائلاً “ندعم تدخل السعودية، ويمكننا أن نفكر بتقديم دعم لوجستي اعتماداً على مجريات الوضع، إذا تطلب الأمر أن نلعب دوراً في هذه العملية”.
وأضاف إن “الهدف من هجمات الحوثيين هو الإضرار بوحدة التراب اليمني، وتمهيد الطريق لصراع مذهبي” معتبراً أن صلة هذه الجماعة بطهران تثبت طموحات الإيرانيين.
وفي 19 شباط/فبراير الماضي؛ زار رئيس هيئة أركان الجيش التركي، الجنرال نجدت أوزال، العاصمة السعودية؛ الرياض، في ظل التنسيق للتصدي لتنظيم “داعش” وحضور اجتماع قوات التحالف المشترك ضد التنظيم، الذي حضره أيضاً رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، مارتن ديمبسي، والقائد الأعلى لقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فيليب بريدلاف، ومسؤولون عسكريون من 20 دولة، بالإضافة إلى التنسيق لتدريب عناصر من المعارضة السورية المعتدلة.
كما استقبل ميناء جدة السعودي، أواخر كانون الثاني/يناير الماضي، سفينة حربية تركية، ضمن مناورات عسكرية مع دول البحر الأحمر.
غضب إيراني من التقارب السعودي التركي
أثار التقارب السعودي التركي حفيظة السُّلطات الإيرانية، وكان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أبدى يوم 27 آذار/مارس الماضي، امتعاضه ورفضه لاتهامات أردوغان، لبلاده، بمحاولة الهيمنة على الشرق الأوسط؛ قائلاً “إنه يغذي الصراعات في المنطقة”.
كما لم يخفِ برلمانيون إيرانيون اعتراضهم على زيارة أردوغان المقررة اليوم الثلاثاء إلى العاصمة الإيرانية، طهران.
وعلى الرغم من الفجوة في العلاقات السياسية، بين أنقرة وطهران، جراء اختلاف وجهات النظر حول الأزمتين اليمنية والسورية، إلا أن العلاقات الاقتصادية طالما قربت الدولتَين المحوريتَين، ليجمع الاقتصاد ما فرقته السياسة.