يرى كثيرون في الاحتلال “الإسرائيلي” أن سياسة حكوماتهم، خاصة تلك التي ترأسها بنيامين نتنياهو، تجاه إيران مُنيت بفشل ذريع، وأن الهجمات “الإسرائيلية” ضد أهداف إيرانية، التي توصف بـ”المعركة بين حربين”، لم تحقق هدفها المعلن، وأنها قد تقود إلى حرب، بحجم لم تستعد له “إسرائيل”، كما وُصفت تهديدات رئيس الحكومة نفتالي بينيت، لإيران بأنها “جوفاء” لأن “إسرائيل” لم تمنع وصول إيران إلى مكانة “دولة عتبة نووية”.
واستهل محلل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة (هآرتس) العبرية، تسفي برئيل، في بداية مقاله اليوم الأربعاء، عمليات الاغتيال العديدة التي نفذها الموساد ضد علماء نوويين إيرانيين، منذ مطلع العام 2010، والهجمات الإسرائيلية ضد مواقع في إيران وآلاف الغارات ضد أهداف إيرانية وأخرى في سورية ودول أخرى تنشط فيها إيران أو جماعات موالية لها.
وأشار برئيل إلى أنه “باستثناء ردود فعل معدودة، خاضت إيران حربها ضد إسرائيل بواسطة أذرعها، وحزب الله هو الذراع الأهم بينها. والهجمات التي نفذتها إيران ضد سفينة بملكية إسرائيلية في نيسان/أبريل الماضي، والهجوم في بداية تموز/يوليو الفائت، والهجوم يوم الخميس الماضي ضد السفينة ’ميرسير ستريت’ في خليج عُمان، شكلت تغيرا إستراتيجيا جوهريا. فهي قتال مباشر مقابل أهداف إسرائيلية”.
ورأى برئيل أن “هذا ليس تغييرا مفاجئا. فقد جاء بعد سلسلة طويلة من الهجمات المنسوبة لإسرائيل، التي نُفذت منذ نيسان/أبريل الماضي، وبينها استهداف سفينة استخبارات إيرانية في البحر الأحمر، التخريب في منشأة نطنز… التفجير في مصنع بتروكيماوي في جنوب إيران، التخريب في محطة توليد كهرباء تابعة للمفاعل في بوشهر، الاستهداف الشديد في منشأة المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية، والحريق الكبير في منشأة قرب مدينة كرج، الذي تصنع في أجهزة طرد مركزية حسب الادعاءات”.
وتطرق برئيل إلى تهديد وزير الحرب “الإسرائيلي” بيني غانتس، بأن “إسرائيل” ستحاسب من استهدفها، وكتب “كأن الحسابات العنيفة بدأت مع الاستهداف الأخير (لناقلة النفط “ميرسير ستريت”)، من دون علاقة مع عمليات نفذتها إسرائيل ضد إيران”.
وأضاف أن “إسرائيل تتعامل مع إيران بالشكل نفسه الذي تتعامل فيه مع سورية ولبنان أو مع الضفة وغزة. وبنظرها هذه مناطق مستباحة، مسموح لها فيها بالعمل كمشيئتها وعلى الجانب الآخر أن يتلقى ضربات ويسكت”.
وتابع برئيل إن “هذا الكذب، بأن الحوار العنيف الذي تجريه إسرائيل مقابل إيران هو معركة بين حربين، والذي فيه ’أنت تحاول عمليا إرجاء الحرب نفسها بقدر الإمكان’، كما وصف ذلك قائد شعبة العمليات الخاصة السابق في الجيش الإسرائيلي. لكن ماذا إذا كانت هذه المعركة بين حربين هي نفسها حرب، أو قد تقود إسرائيل إلى حرب؟ وماذا إذا كانت ستؤدي إلى تراجع أو تحطم علاقات إسرائيل مع دول أخرى، صديقة؟”.
واعتبر برئيل أنه “عندما تنتقل إيران إلى هجمات مباشرة ضد أهداف إسرائيلية ردا على عمليات قتالية إسرائيلية، فهذه ليست معركة أخرى بين حربين، وإنما هذه بداية حرب، لأن شكل إدارة إسرائيل كفاحها مقابل إيران، في الحلبة النووية وكذلك مقابل اذرعها في لبنان وسورية، يشعل احتمالات الحرب، ويزيد من استعداد إيران للرد ويحدث تهديدا على إسرائيل بدلا من إنهائه. وذلك في الوقت الذي ليس مؤكدا فيه أن الجيش الإسرائيلي ومواطني إسرائيل مستعدون لمواجهة حرب كهذه”.
ولفت برئيل إلى أن “تلك المعركة بين حربين، المضللة وكأنها قصة نجاح، لم تنجح حتى الآن في إحباط التهديد النووي الإيراني. ولم تقضِ ولن تستطيع القضاء على الخبرة الهائلة التي جمعتها إيران، واليورانيوم المخصب والحافز لتطوير سلاح نووي. والإمكانية الوحيدة الموجودة الآن من أجل ردّ التهديد النووي الإيراني هو استئناف الاتفاق النووي الأصلي، الذي تسعى إليه الولايات المتحدة والدول الموقعة عليه”.
وتابع أن تنديد الولايات المتحدة وبريطانيا باستهداف السفينة “ميرسير ستريت” لا ينبغي أن يضلل. “فإسرائيل لم تحصل على تصريح لمواصلة هذه الحرب. لأن أولئك الزعماء الذين ينددون الآن بإيران، ليس بالضرورة سيقفون إلى جانب إسرائيل إذا كانت برد فعلها ستضر باحتمالات الاتفاق النووي”. إيران “دولة عتبة نووية” من جانبه، أشار الدبلوماسي الإسرائيلي، ألون بينكاس، في الصحيفة نفسها، إلى أن “السياسة الإسرائيلية حيال سعي إيران إلى حيازة قدرات نووية عسكرية تتلخص بمقولة واحدة، تقول كل شيء ولا تقول شيئا تقريبا: “إسرائيل لن تسمح لإيران بالحصول على قدرة نووية عسكرية”. وأحيانا تتعالى مقول أخرى – ’إسرائيل لا يمكنها العيش مع إيران نووية’”.
وأضاف بينكاس أنه “فعليا، إيران أصبحت الآن بمثابة دولة نووية. ووفقا لتعريفات معينة يمكن اعتبارها دولة عتبة نووية. إلا أنه لا توجد لدى إيران قدرة نووية عسكرية، وهنا يكمن الفرق الكبير وارتباك المصطلحات.
وعندما يصرح مسؤولون إسرائيليون بأنهم لن يوافقوا أبدا على سيناريو إيران نووية، فإنهم يعبرون عن مصلحة حقيقية، جدية وسياسة واضحة.
وعندما يعلن بايدن أن ’إيران لن تكون نووية في عهدي’، فإنه يقصد ما يقول. لكن في كلتا الحالتين، التصريحات ليست متناقضة بالضرورة، وحتى أنها تتلاءم مع حقيقة أن إيران، أصبحت الآن، وفقا لتقديرات معينة دولة عتبة نووية.
ورغم ذلك، يتضح، أن إسرائيل والولايات تعرفان العيش (مع إيران). ليس بسلام – لكنهما تعيشان، مع أو بدون اتفاق نووي متجدد”. “سياسة نتنياهو منيت بفشل إستراتيجي” رأى رئيس “المعهد للسياسة والإستراتيجية” في الكلية المتعددة المجالات في هرتسيليا، عاموس غلعاد، الذي تولى في الماضي منصب رئيس الدائرة السياسية – الأمنية في وزارة الأمن الإسرائيلية، أنه “بالإمكان التأكيد على أن الحكومة السابقة منيت بفشل إستراتيجي في لجم إيران في السباق لحيازة خيار نووي عسكري.
وموجز الفشل يكمن بأن إسرائيل، بوسائل متنوعة ساهمت في إقناع الرئيس السابق ترامب بالانسحاب من جانب واحد من الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران”.
وأضاف غلعاد، في مقال نشرته صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبرية، اليوم، أنه “بنظرة إلى الوراء، الاتفاق، مهما كان سيئا، هو أفضل من الأوهام التي تحطمت والتي بموجبها فرض عقوبات اقتصادية وعزل إيران سيكسرها ويوقف عملية تطوير قدرة نووية عسكرية. ورغم العمليات العسكرية الممجدة والعقوبات الشديدة، فإن إيران تتقدم نحو الغاية، أي جمع خبرات وقدرات كأساس لحسم سياسي – متى وفي اي وضع الاختراق بحيازة سلاح نووي”.
وأشار غلعاد إلى أنه إذا استأنفت الولايات المتحدة الاتفاق النووي، “ستجد إسرائيل نفسها معزولة ولن تتمكن من الناحية الإستراتيجية – السياسية مهاجمة المشروع النووي الشامل الإيراني عسكريا. وإذا لم يوقع اتفاق، ستطالب إسرائيل بتنفيذ عملية بناء قوة غير مألوفة بحجمها وتكاليفها، ويستوجب هذا السيناريو أيضا تنسيقا وتعاونا مع الولايات المتحدة. لذا فإن البديل الإستراتيجي أمام إسرائيل هو إنشاء منظومة تنسيق شاملة، واسعة ونوعية مع الولايات المتحدة وشريكات أخريات مقابل إيران.
ويضاف إلى ذلك البعد الإقليمي الذي في مركزه إصرار إيران على تطويق إسرائيل بقدرات صاروخية، قذائف صاروخية، طائرات مسلحة بدون طيار، بواسطة قوات موالية لها في دول تنشط فيها، وهي لبنان وسورية والعراق واليمن وغيرها”.
وتابع غلعاد أنه “من أجل تحقيق الغاية الإستراتيجية مقابل إيران، مطالب رئيس الحكومة (بينيت) بخطوات أخرى من أجل تعزيز الثقة والتفاهم مع الولايات المتحدة: وفي البداية ينبغي تحسين العلاقات السياسية – الإستراتيجية مع الأردن. وإدارة بايدن تقدر إسهام الأردن باستقرار الشرق الأوسط”.
وأضاف غلعاد أنه “في الحلبة الفلسطينية – يتضح أن الوهم الذي بموجبه بالإمكان صنع سلام مقابل سلام من دون الفلسطينيين توشك أن تتحطم على صخرة الواقع. وثمة أهمية لاستعراض أمام الولايات المتحدة خطة سياسية إيجابية مقابل الفلسطينيين بحيث تركز على تحسين الوضع الاقتصادي للسلطة الفلسطينية إلى جانب الامتناع عن خطوات أحادية الجانب من شأنها إحباط حل سياسي متفق عليه. ويفضل أن يتحدث رئيس الحكومة مع أبو مازن قبل سفره للقاء بايدن قريبا، إذ أن قطيعة شديدة في مستوى القيادة غير معقولة، خاصة مع أخذ أهمية التعاون الأمني بالحسبان”.