وجه محللون إسرائيليون، اليوم الجمعة، أسئلة محرجة إلى رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، والقيادة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، في أعقاب جولة تبادل الضربات بين إسرائيل وحزب الله، التي بدأت بالغارة في القنيطرة وانتهت بالعملية في مزارع شبعا، وخرجوا باستنتاجات أن نتنياهو يقول الشيء، ويهدد ويزبد، لكنه في الممارسة، على أرض الواقع، يفعل نقيضه. كذلك يؤكد المحللون على أنه لا وجود لشيء اسمه الردع الإسرائيلي، وإنما يوجد، في أفضل الأحوال، ردع متبادل.
واقتبس كبير المحللين في صحيفة ‘يديعوت أحرونوت’، ناحوم برنياع، من أقوال نتنياهو في أعقاب عملية شبعا التي نفذها حزب الله، أول من أمس الأربعاء، وقتل جنديين إسرائيليين وأصاب سبعة آخرين. قال نتنياهو إن ‘من يقف وراء الهجوم سيدفع الثمن كاملا’.
لكن برنياع أشار إلى أنه ‘من الناحية الفعلية كل ما بوسعها من أجل احتواء الحدث’ وأن ‘كل من شارك في المداولات في مكتب رئيس الحكومة اعتبر أن من وراء تهديد نتنياهو تختفي كلمات (جوفاء) وحسب. فهو لا يريد التورط حقا في حرب في الشمال الآن. لا أحد يريد الحرب، ولا حتى بينيت الذي صمت فجأة – لا صوت ولا واتساب – ولا ليبرمان أيضا، الذي دعا إلى شن عملية عسكرية كبيرة في لبنان لكنه كان يعلم أن لا أحد سيأخذ دعوته على محمل الجد’.
وتطرق برنياع إلى الردع، الذي يتفاخر به الإسرائيليون، لكنه أشار في هذا السياق إلى أنه خلال العدوان على غزة في الصيف الماضي، لم تكن إسرائيل ولا حماس تريدان الدخول في حرب، ‘ورغم ذلك تدحرجنا إلى هناك، فقط لأن كلا الجانبين خافا أنهما لا يردعان كفاية الجانب الآخر. الحراك الإسرائيلي مقابل حزب الله لا يختلف كثيرا’.
وطرح برنياع تساؤلات أبرزت وجود تناقض لدي الإسرائيليين. من جهة، الرسالة التي بعثها نتنياهو للجمهور وتبناها سياسيون ومحللون، هي أن إيران أصدرت تعليمات لحزب الله بالسيطرة على منطقة تمتد على طول خط وقف إطلاق النار في مرتفعات الجولان، من مزارع شبعا وحتى القنيطرة، وأنه يحظر على إسرائيل السماح بحدوث أمر كهذا، وأنها ستنفذ كافة العمليات العسكرية المطلوبة من أجل منع ذلك.
إلا أن برنياع علق على ذلك بأن ‘لا أحد يعرف تفسير كيف تتساوى هذه الرسالة الحربجية مع الدعوة الإسرائيلية، التي نُقلت إلى حزب الله بقنوات علنية وسرية، من أجل التهدئة. ما الذي يريده الجيش الإسرائيلي، وما الذي تريده الحكومة، طرد حزب الله من حدود الجولان أن الهدوء؟ يصعب رؤية كيف بالإمكان تحقيق كلا الأمرين’.
وسؤال آخر طرحه برنياع هو ‘ليس واضحا كيف تحول وجود حزب الله في شمال الجولان إلى مسألة وجودية. هل تفضل إسرائيل أن تجلس في مرتفعات الجولان مقابل قوات داعش أو جبهة النصرة؟ إذ أننا نقف اليوم مقابل تنظيمات كهذه، من القنيطرة جنوبا، ولم أسمع أن إسرائيل فتحت حربا ضدهما. لماذا نحن قادرون على العيش مقابل حزب الله في حنيتا والمطلة ومسغاف عام ودوفيف وكريات شمونيه وشلومي (بلدات في منطقة اصبع الجليل والجليل الأعلى)، ولا يمكننا العيش مقابله في (مستوطنة) ماروم جولان؟’.
وتطرق في سؤال آخر إلى قتل إسرائيل للجنرال الإيراني في الغارة في القنيطرة. ‘لماذا تمت تصفية الجنرال الإيراني؟ لماذا صُفّي بعملية تكاد تكون علنية؟ ما الذي منعه من قرر تنفيذ هذه الغارة، ومن أراد أن يردع ومن أخاف باستثناء مئات آلاف المواطنين الإسرائيليين الذين يسكنون بالقرب من الحدود الشمالية؟
وخلص برنياع في هذا السياق إلى التحذير من أن ‘كل من يعتقد أن إطلاق النار في الشمال أول من أمس أرضى غريزة الانتقام لدى الإيرانيين، هو واهم. فالحذاء الأول سقط (بمعنى ألقي) أول من أمس. ولم يتبق لنا سوى انتظار الحذاء الثاني’.
انعطاف إستراتيجي لم يقرره أحد
لفت المحلل العسكري في الصحيفة نفسها، ألكس فيشمان، أن جولة القتال خلال الأسبوعين الماضيين ‘بدأت بسبب انعطاف إستراتيجي لدولة إسرائيل، لم يقرر أحد بشأنه رسميا. وعلى مدار السنوات الأربع الماضية، منذ اندلاع الربيع العربي، حرصت إسرائيل على ألا تسقط داخل هذا الثقب الأسود وألا تُمتص إلى داخل الصدامات في العالم العربي. لم نتدخل في سوريا ومصر، وبالتأكيد لم نفعل ذلك علنا’.
وأضاف ‘إذا طردت حزب الله من منطقة الشريط الحدودي فإنه ستحل مكانه جبهة النصرة أو داعش. هذا ما هو موجود’.
وفيما يتعلق بالردع، شدد فيشمان على أنه ‘عندما تغتال جنرالا إيرانيا ونجل مغنية في ضوء النهار، فإنك ببساطة ترغم الجانب الآخر على تنفيذ خطوات، وتهدم بيديك الردع الذي بنيته’.
وأشار إلى أنه منذ الغارة في القنيطرة، أصرت الاستخبارات الإسرائيلية على أن حزب الله يخطط لتنفيذ عملية، وشددت على أن الهدف كان واضحا وهو: عسكريون. ‘وبحسب رؤية الاستخبارات الإسرائيلية، فإن حزب الله قدر أنه إذا عمل ضد عسكريين وليس ضد مدنيين فإن إسرائيل سترد بصورة محدودة’.
وحذر فيشمان، مثلما فعل برنياع، من أنه ‘ليس واضحا ما إذا أغلقت إيران حسابها مع إسرائيل. وهنا يتعين على إسرائيل النظر إلى ما يحدث في خارج البلاد’.