بقلم/ علي هويدي
إحترام وقبول الإنسان بغض النظر عن العمر واللون والجنس والمعتقد من المبادئ التي دأبت أوروبا على التغني بها لا بل وتعتبرها نموذجاً يحتذى به، وما على على دول العالم الثالث بشكل خاص إلا اتخاذها مرجعاً، وتعتبرها المرتكزات التي تقوم عليها مؤسساتها الحكومية وغير الحكومية المختلفة، لكن أن تعلن بعض دولها مثل بلجيكا وسلوفاكيا ممارسة التمييز وتصنيف إستقبال اللاجئين الفارين من ويلات الحروب والأوضاع الإقتصادية الصعبة سواءً من سوريا أو غيرها من الدول على أساس طائفي وبأنها لن تسمح للمسلمين من اللاجئين بدخول أراضيها ورحبت كل منها باستقبال اللاجئين المسيحيين، وأن يقف رئيس الوزراء المجري ليتحدث بنفس المعنى، وأن توضع الأسلاك الشائكة بين الدول لمنع دخول اللاجئين، وما يدور الحديث عن استغلال للعمال اللاجئين في المانيا من خلال العمالة الرخيصة.. وبقاء حوالي خمسين لاجئاً فلسطينياً من العراق معتصمين أمام مكتب الهجرة في مدينة مالمو لأكثر من أربعة اسابيع دون موافقة السلطات السويدية على قبول طلبات لجوئهم، وبقاء أكثر من 80 لاجئاً فلسطينياً من سوريا رهن الإعتقال في سجون السلطات السلوفاكية من شهر تموز/يوليو الماضي حتى الأن بحجة الهجرة غير الشرعية.. فهذا يعتبر تجاوزاً للخطوط الحمر في العلاقة مع الإنسان وانتهاكا صارخا للمعاهدات والمواثيق الدولية التي وقَّعت عليها تلك الدول، لا سيما المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على أن “لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه” والفقرة الأولى من المادة 14 التي تنص على أن “لكل فرد الحق في أن يلجأ إلى بلاد أخرى أو يحاول الإلتجاء إليها هرباً من الاضطهاد”، وخرقاً لإتفاقية جنيف الرابعة للاجئين التي تنص على “تقديم المساعدة لكل من هو بحاجة اليها” ..!
قالت صحيفة “التايمز” البريطانية، في مقال إفتتاحي الإثنين 7/9/2015، إن اللاجئين السوريين يمثلون اختباراً مهماً لقدرة الإتحاد الأوروبي على التحرك لمواجهة الأزمات، وطالبت بريطانيا بأن تنتهز الفرصة وتأخذ بزمام المبادرة، وقالت الصحيفة إنه خلال 48 ساعة تجلت أزمة هوية تهدد أسس الإتحاد الأوروبي على قضبان السكك الحديدية قرب العاصمة المجرية بودابست، ورأت الصحيفة أن رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان مخطئ في اعتقاده بأنه إذا “سُمح للجميع بالدخول، فإن أوروبا ستنتهي”، وأكدت على أن هذه الأزمة ستنتهي عندما تتراجع وتيرة القتال في سوريا. وقالت التايمز إن أوروبا برهنت على عجزها عن مساعدت اللاجئين؛ لأنه لا يوجد إجماع أوروبي بشأن تحديد الطرف المسؤول عن مأساتهم، ولا على كيفية التعامل مع هذه الأزمة”..!
ومع فشل الإتحاد الأوروبي كإتحاد للتوصل إلى صيغة مشتركة للتعاطي مع اللاجئين الجدد، وخلاف الدول الأعضاء، وتراشق الإتهامات لا سيما بين ألمانيا والمجر..، وعملياً فشل معاهدة دبلن لبصمة اليد، وتصريحات بعض الدول لضرورة إعادة النظر بإتفاقية الشينغن بين دول الإتحاد..، تكون أوروبا قد كشفت عن الوجه الآخر لمعتقداتها أمام أول إختبار إستراتيجي، وفشلت في ترجمة مبادئها النظرية على أرض الواقع، بخلاف شعوبها التي استنهضت وحرَّكت حكومات تلك الدول وبرلماناتها..!
لا شك بأن حالة الإرباك التي تعيشها دول الإتحاد الأوروبي بتعاطيها مع توافد اللاجئين، لن تمر بسهولة وفي المدى المنظور، سواءً لدى الأحزاب المتنافسة في البرلمانات والحكومات، أو على المستوى المنظمات غير الحكومية وشعوب تلك الدول، فصورة الطفل السوري الغريق “آلان كردي” على شواطئ تركيا، وغيرها من الصور المؤلمة للاجئين، والإنتهاكات اليومية لكرامة اللاجئ ستلاحق صانع القرار الأممي، و حتماً سيكون لها تأثير على مصداقية تلك الدول، وكيفية تعاطيها مع حقوق الإنسان في الحاضر وفي المستقبل..!