مع ارتفاع التوقعات بمزيد من تراجع الطلب العالمي على النفط خلال السنوات العشر المقبلة، تتزايد الأخطار التي تواجه دول النفط التي ظلت تتربع على عرش قائمة الدول الأعلى دخلا على مستوى العالم لعدة عقود.
وتشير توقعات صادرة مؤخرا عن “أوبك” إلى وصول الطلب العالمي على النفط إلى ذروته في غضون 10 سنوات من الآن، ما يفتح الباب أمام تساؤلات عديدة حول مصير الدول المنتجة للنفط والتي كانت عائدات بيع النفط هي الممول الرئيسي والوحيد للدخل العام لهذه الدول.
وعند محاولة إعداد قائمة لهذه الدول يتبادر إلى الذهن السعودية والعراق وفنزويلا وقطر والإمارات وليبيا ونيجيريا والتي تشكل عائدات النفط الجزء الأكبر من مواردها المالية، وهي أيضا الدول التي تعاني اضطرابات اقتصادية منذ بداية أزمة أسعار النفط قبل عامين، ليشهد عدد منها حالة من عدم الاستقرار السياسي فضلا عن الحروب الأهلية وحوادث الإرهاب الداخلية.
عصر ما بعد النفط
وإذا صحت توقعات “أوبك” حول وصوله إلى ذروته في غضون 10 سنوات قبل أن يتجه إلى التراجع، فإن الدول التي لم تخطط لعصر ما بعد النفط ستواجه حتما انهيارا سياسيا واجتماعيا قد يأخذها ناحية الهاوية، ومن المتوقع أن يرفع كبار منتجي الخام إنتاجهم إلى مستويات قياسية بغية تحقيق الاستفادة بأكبر قدر ممكن قبل أن يصبح النفط جزءا من الماضي.
وتعتبر الدول المذكورة سابقا جنبا إلى جنب مع الجزائر هي أكثر الدول عرضة للخطر في مرحلة ما بعد النفط، وحتى المكسيك التي دعت القطاعين العام والخاص إلى القيام بالتحوط ضد انخفاض أسعار النفط في العام القادم، من المتوقع أن يتعثر اقتصادها حين لا يبقى سوق لما تتحوط منه.
الأخطار قائمة
ورغم الإجراءات التي أعلنتها دول الخليج سواء على صعيد السعودية أو قطر والإمارات، لكن مازالت الأخطار قائمة، حيث أنه حتى الآن لم تنجح إحدى هذه الدول في فك ارتباط عائداتها بالنفط، باستثناء دولة الإمارات التي ابتعدت قليلا واتجهت منذ سنوات نحو تنويع اقتصادها، لكن تبقي الأزمة قائمة في السعودية وقطر.
وقامت دول الخليج بتوجيه مئات المليارات من الدولارات من الإيرادات التي جمعتها على مدار العقود الماضية والقيام باستثمارها في البنى التحتية وصناديق الثروة السيادية التي تستثمر دوليا، وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع الوضع في فنزويلا ونيجيريا وهي الدول التي تقود حاليا جهودا للبحث عن مليارات الدولارت من عوائدها النفطية.
وعلى الجانب الآخر، يتمتع المنتجون في الولايات المتحدة وكندا وكذلك والنرويج وفرنسا باقتصادات متنوعة يشكل الوقود الأحفوري جزءا منها، إلا أن الحكومات لا تلعب دورا مباشرا في استخراجه أو توزيعه، تاركة ذلك الدور بشكل كبير إلى الشركات الخاصة التي من المتوقع تحملها الجزء الأكبر من الخسائر مع تراجع السوق.
خطط مالية
ولكن لا تزال تلك الحكومات مطالبة بتوفير إعانات البطالة للموظفين والعاملين المتوقع الاستغناء عنهم خلال فترة الركود، وكذلك يجب على المختصين إعداد خطط مالية انتقالية مع انخفاض عوائد الضرائب من شركات النفط المحلية في تلك الفترة، ولكن بوجه عام تبقى القطاعات الرئيسية لاقتصادات هذه الدول بمأمن عن التقلبات المتوقعة في النشاط النفطي مقارنة مع الدول المؤممة لعدد من شركات النفط العملاقة.
وهذه ليست سوى الآثار المحلية لانتهاء عصر النفط، أما على المستوى الخارجي وخاصة الدول العظمى في العالم، فإن سياسة تلك الدول الخارجية ظلت تدور منذ فترة طويلة حول احتياجاتها من الطاقة.
النفط وعلاقات الدول
وسيطرت الحاجة إلى النفط على العلاقات بين الولايات المتحدة من جهة وروسيا والعالم العربي من جهة أخرى، فبعد قيام دول “أوبك” بفرض حظر على تصدير النفط إلى الولايات المتحدة احتجاجا على بيع الأسلحة إلى الكيان الصهيوني من جانب الدول الغربية، تسبب ذلك في نقص هائل في الوقود في الولايات المتحدة، قام الكونجرس الأمريكي في ذلك الوقت بفرض حظر على صادرات النفط المنتجة محليا لم ينته إلا العام الماضي فقط.
ومع ذلك اختارت الولايات المتحدة استيراد النفط من السعودية بدلا من اللجوء إلى عدوها الأزلي روسيا، ولكن مع اختيار “ترامب” رئيسا يمكن أن تشهد علاقات البلدين تطورا، خصوصا مع إشادة الرئيس الأمريكي المنتخب أكثر من مرة أثناء حملته الانتخابية بالرئيس الروسي.
الغاز الطبيعي
وبالنسبة لكثير من الدول تعتبر الخطوة البيئية الكبيرة القادمة هي الغاز الطبيعي، وعند مقارنة قائمة البلدان التي لديها أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة مع نفس القائمة لاحتياطيات الغاز، تحتفظ دول قليلة بمركز متقدم في القائمتين.
فعلى سبيل المثال فنزويلا التي تفتخر بامتلاكها لأكبر احتياطي نفطي في العالم تأتي في المركز الثامن على قائمة الغاز الطبيعي، بينما تتخذ كل من السعودية وروسيا وإيران والإمارت وإيران ونيجيريا مراكز متقدمة في قائمة العشرة الأكبر في السلعتين على حد سواء.
ومع اجتماع 103 دول من الدول الموقعة على اتفاق الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ ضمن أعمال الدورة الثانية والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية للأمم المتحدة الإطارية حول المناخ التي انعقدت بمراكش الأسبوع الماضي، تتجه الأنظار نحو إمكانية جعل العالم خاليا من انبعاثات الكربون، وهو ما يعني تقليل الاعتماد على النفط والسعي لتطوير البنى التحتية للطاقة المتجددة، وهو ما يستدعي قيام الدول التي تعتمد بشكل رئيسي على النفط بالانتباه إلى التغيرات الجيوسياسية التي تلوح في الأفق.