غادر الوفد الأمني المصري قطاع غزة، بعد سلسلة لقاءات مُكثفة أجراها مع قادة الفصائل الفلسطينية وعلى رأسهم حركتي «حماس والجهاد الإسلامي»، وترك خلفه الكثير من التساؤلات التي تبحث عن إجابة حول فشل أو نجاح هذه الزيارة المفاجئة، ومصير غزة الذي بات معلقًا وتتحكم فيه تطورات الساعات المقبلة الحاسمة.
المؤشرات في قطاع غزة لا تُبشر بالخير، فجميع الدلائل والتصريحات والتلميحات التي تصدر من القاهرة وتل أبيب وحتى غزة، لا تؤكد بان الهدوء الحاصل الآن سيدوم طويلا، خاصة في ظل استفزازات إسرائيل المتكررة، وتعمدها إفشال دور الوسيط المصري، من خلال تصعيد إجراءاته القمعية والتعسفية في الضفة والقدس، واستمرار خنق سكان غزة.
الجميع أجمع على أن مهمة الوفد الأمني المصري في غزة لم تكن سهلة وبسيطة أو حتى وردية، فما يتم الحديث خلال اللقاءات مع الفصائل والقوى الفلسطينية، ملفات حساسة للغاية متعلقة جميعها بمصير غزة، وتفاهمات رفع الحصار، والفشل يعني فعليًا الدخول بجولة تصعيد عسكري جديدة لا أحد يتوقع نتائجها أو إلي أين ستقود، وأن المهلة التي مُنحت قد تكون الأخيرة.
الغموض لم يكن فقط في البحث عن إجابة واضحة لفشل أو نجاح زيارة الوفد الأمني المصري لغزة، بل زاد كثيرًا حين رافقه تهديد علني صدر من الفصائل الفلسطينية، ورسائل «تحذير ساخنة» سُلمت بيد رئيس الوفد المصري، بان صبر غزة بدأ ينفذ، وأن الجميع مُقبل على جولة تصعيد جديدة.
• رسائل تهديد ساخنة من غزة لـ «إسرائيل» عبر مصر
وبحسب ما تتناقله وسائل إعلام محلية وعربية عن قادة فصائل المقاومة، بأن استمرار الاحتلال في حربه الضروس ضد الأسرى الفلسطينيين في السجون وخاصة منهم الأسيرات، وانتهاكاته المتكررة والمستفزة للقدس والمسجد الأقصى، واستباحته للدم الفلسطيني وجرائم القتل التي ينفذها بدم بارد، والهروب من التزام تخفيف الحصار، والتماطل في فتح صفقة تبادل الأسرى والتهدئة، سيقود إلى «حرب مفتوحة».
وتقول الفصائل إنها «أبلغت الوفد المصري برفض كل الاشتراطات الإسرائيلية، وإن صبرها آخذ بالنفاد لأنه لا يوجد تقدم، ورفضت أي حديث حول الضفة الغربية طالما لا تلتزم إسرائيل بوقف تصعيدها هناك ولا تلتزم بإدخال تسهيلات في قطاع».
وأشارت إلى أن الوفد المصري حمل تحذيراً إسرائيلياً بأن استمرار التصعيد في الضفة قد يتم الرد عليه في غزة، في إشارة إلى استئناف عمليات اغتيال لقادة، وحذرت من أن ذلك سيقود إلى مواجهة جديدة.
فيما تحدت وسائل إعلامية أخرى أن الساعات القليلة الماضية شهدت سلسلة من الاتصالات والمشاورات بين مختلف الفصائل، التي أكدت رفضها القاطع لمحاولة الاحتلال الاستفراد بالأسرى، وأن الأسيرات خط أحمر، ولا يمكن للمقاومة الصمت على الاعتداء عليهن.
• صحيفة: اتصالات ومشاورات بين الفصائل بخصوص الأسيرات وهل ستكون القنبلة التي تفجر الأوضاع؟
ونقلت صحيفة (الأيام) المحلية عن مصادر في المقاومة، قولها: «فصائل المقاومة رفعت من درجة التنسيق بينها، ومختلف الأذرع العسكرية للفصائل تواصل رفع درجة جهوزيتها، دون استبعاد حدوث تصعيد على جبهة غزة، قد يبادر الاحتلال إليه، خاصة مع رصد تحركات على الأرض، وتحليق مكثف لطائرات التجسس في الأجواء.
ووجهت الفصائل في غزة أكثر من تحذير للوسطاء، كان آخرها مساء الأحد وصف بـ«الناري»، بأن صبرها بدأ ينفد على اعتداءات الاحتلال وتضييقه على قطاع غزة، وأن المساس بالأسيرات سيفجر الوضع، وينسف كل التفاهمات السابقة، التي لم يلتزم بها الاحتلال.
ووفقا لأكثر من مصدر فصائلي فقد بدا واضحا أن الاحتلال يتعمد منذ مدة استفزاز الفلسطينيين من خلال سلسلة من الإجراءات والاعتداءات، وهذا يؤدي إلى تأجيج الوضع، وقد يقود إلى جولة مواجهة قد تكون قريبة.
وبالتوازي مع ذلك، تواصل فصائل المقاومة في قطاع غزة استعداداتها لإجراء مناورات عسكرية خلال الأيام المقبلة، تحت اسم «الركن الشديد 2».
• صحيفة: مهمة الوفد المصري كانت شائكة والفصائل ترد أن صبرها بدأ بالنفاذ والتصعيد قادم لا محال
واجتمع الوفد الأمني المصري بقيادات من حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، من أجل تجنب تصعيد محتمل، وكان وفد أمني مصري وصل إلى قطاع غزة، في وقت تشهد فيه الضفة توترات متصاعدة أثارت مخاوف من انتقال التوتر إلى القطاع والداخل.
وفي الجهة المقابلة، خرجت خلال الساعات الماضية دعوات إسرائيلية لـ«رد قوي» على غزة بزعم إطلاق الصواريخ، وكشفت تقارير عبرية أن قيادة جيش الاحتلال رفعت من حالة التأهب على طول الحدود مع غزة خلال الساعات الأخيرة، وذكرت أن حالة التأهب جاءت أيضاً بعد قيام الجيش «برصد تهديدات» من قطاع غزة.
ووفق تقديرات الجيش الإسرائيلي، فإن الأيام القادمة ستشهد رداً على أي تصعيد من غزة، خاصة في ظل التطورات الأخيرة المشحونة.
لكن في الوقت نفسه، تدرك المؤسسة العسكرية في تل أبيب، أنه في حال كان هجومها ضد غزة قويا، فإن ذلك سيؤدي ذلك إلى رد آخر من حركة حماس.
وظلت سلطات الاحتلال ترفض طوال الفترة الماضية مطالب الفصائل بتسهيل الحياة على سكان غزة، بعدما ارتفعت معدلات الفقر والبطالة بسبب تشديد إجراءات الحصار منذ انتهاء الحرب الأخيرة، والتي اشتملت على منع إدخال العديد من السلع والمواد الخام، وهو ما أوقف عمل العديد من الورش والمصانع، وسرح عمالها.
وكان الاحتلال الإسرائيلي شنّ لمدة 11 يوما عدوانا على قطاع غزة، انتهى بوقف لإطلاق النار في 21 مايو/أيار الماضي؛ وتسبب الهجوم في تدمير 1335 منشأة سكنية بشكل كامل أو بليغ، في حين لحق الضرر المتوسط والجزئي بنحو 12 ألفا و886 منزلا، حسب المكتب الإعلامي الحكومي بغزة.