يعود الاهتمام الروسي بآسيا تاريخياً كجزء من ثقافتها الإمبراطورية وبحكم موقعها الجغرافي والتنوع العرقي للأمة الروسية في الماضي والحاضر.
حيث يقع جزء من دول القارة على حدود روسيا، ولذلك تم التركيز على تطوير مناطق “سيبيريا والشرق الأقصى الروسي” تنموياً، ولتحقيق التوازن في علاقتها الخارجية مع الفاعلين حول العالم كافة، لا بد من أن تكون لروسيا حدود رسمية وأخرى غير رسمية لتحقيق مصالحها العليا.
والمصالح الصينية مع روسيا ليست مجرد استفادة تجارية، بل هي جبهة استراتيجية للردع الاستباقي ضد التوسع والهيمنة الأمريكية في جميع الجوانب، وتعاون حيوي على غرار توقيع اتفاق لتوفير الغاز الروسي للصين بقيمة 400 مليار دولار على مدار 30 عاماً.
كما استفادت بكين من الأزمة الأوكرانية من خلال وضع الصين في موقع المنتصف بين موسكو وواشنطن، وباتت العلاقات الصينية-الأمريكية أكثر تنافسية، وذلك بعد أن أصبح التوسع الصيني في الشرق صعباً، بينما أصبح الطريق إلى دول وسط آسيا محفزاً للصين لكي تحصل على الموارد والأسواق وتبسط نفوذها العابر للقارات، وهو ما تحقق بصفة رئيسية من خلال توطيد العلاقات مع روسيا، إلى جانب الفاعلين الآسيويين الآخرين في محيط روسيا المباشر، والاستفادة من توسع روسيا الأيديولوجي وتفعيلها لدور الكنيسة في السياسة.
أما عن علاقة روسيا والهند، فقد سعت روسيا إلى عدم تطوير العلاقات معها، وكذلك مع فيتنام، إلى مستوى نوعي جديد، وذلك بسبب عدم استجابة روسيا للتطلع الهندي للتنمية الاقتصادية، إضافةً لعدم تصدر الهند قائمة أولويات السياسة الخارجية الروسية، وبالنسبة لفيتنام، فإن أهميتها لروسيا كونها البوابة الرئيسية للانضمام لتجمع دول جنوب شرق آسيا “الآسيان”.
ومن جهة أخرى، تشكل الأزمة الأوكرانية والصعوبات الاقتصادية الروسية تغيرا في توجه العلاقات بين روسيا ودول وسط آسيا، وتحفّظ من بعض تلك الدول ومغازلة سياسية غير مباشرة من الأخرى، وقد نظرت الصين بارتياح لانتهاء الشراكة الروسية-الغربية بعد هذه الأزمة، وتلاقٍ روسي-صيني، خاصةً فيما يتعلق بالسياسة الأمريكية، التي تهدف إلى نشر الفوضى في الشرق الأوسط، وخلق عدم استقرار في المحيط الروسي والصيني، ونقل تحالف “الناتو” بالقرب من روسيا لإحباط خطط التكامل الروسية في أوراسيا، وستقوم الصين بدعم روسيا فيما يتعلق بالأزمة في أوكرانيا، حيث إنه ليس من مصالحها الأمنية والاقتصادية والجيواستراتيجية أن ترى موسكو مهزومة من قِبل واشنطن، أو أن تسود الفوضى، لأن ذلك يمثل خطراً على بكين، وعليه فقد اعتبرت الضغط الأمريكي على روسيا وعقابها بمثابة إنذار للقوى غير الغربية، خاصةً الصين.
والطريق إلى آسيا العظمى سيؤدي حتماً إلى تطور في مستويات التعاون الصيني-الروسي في عدد من القضايا الرئيسية، خاصةً في مجال الطاقة، من خلال تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين، لأن الصين سوف تصبح أكبر مستهلك للبترول الروسي، بعد أن يسمح لها بالوصول إلى المصادر الهيدروكربونية الروسية، كما سيحدث تطوير هائل في مجال البنية التحتية عن طريق استثمار الصين في تطوير البنية الروسية البرية والبحرية.
وفي مجال التمويل أعلنت بكين عن رغبتها في أن تتوسع في منح القروض لموسكو، كما سيؤدي التوسع الروسي في استخدام “اليوان” الصيني إلى فتح طريق للعملة الصينية لكي تحتل مكانة بارزة، وأن تصبح العملة الاحتياطية الإقليمية المحتملة في منطقة أوراسيا، وتحويل التكنولوجيا العسكرية الروسية المتقدمة إليها “الصواريخ الدفاعية والجوية”، وفيما يخصّ الشرق الأوسط فإن الصين وروسيا مرشحتان للتعاون في قضايا مثل البرنامج النووي الإيراني، والتوافق بشأن قضايا الإقليم المختلفة في مجلس الأمن، وإطلاق مبادرات واستراتيجيات حول قضايا محددة مثل الأوضاع في سوريا، ومن المتوقع كذلك أن تلجأ الصين وروسيا إلى تقوية المؤسسات الدولية غير الغربية.