شهدت الحدود اللبنانية الإسرائيلية توترات شديدة في ظل تبادل إطلاق الصواريخ بين “حزب الله” والجيش الإسرائيلي، ولكن القيود المحلية والدولية ستضغط على الطرفين لضمان ألا يتوسع التوتر إلى حرب أخرى.
ومع ذلك، فإن الحاجة إلى استرضاء الناخبين الأكثر تشددًا في إسرائيل، يمكن أن يدفع حكومة “نفتالي بينيت” لتأكيد هيمنتها العسكرية، مما يزيد من احتمال تصعيد عسكري على المدى القريب.
المحتويات
شرارة التوتر
في 6 أغسطس / آب، أطلق “حزب الله” اللبناني نحو 20 صاروخا على إسرائيل وتم اعتراض بعضها من قبل القبة الحديدية في إسرائيل.
ولم تتسبب الصواريخ في أي ضرر، بينما زعم “حزب الله” أنه ضرب عمدا “مناطق مفتوحة”، في إشارة إلى محاولته منع تحول الأمور إلى حرب كبيرة.
وردا على ذلك، شنت إسرائيل غارات جوية على جنوب لبنان، بينما حذر وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس بأنه سيكون هناك المزيد من الضربات إذا استمر “حزب الله” في إطلاق الصواريخ.
وبدأت الهجمات الصاروخية من جنوب لبنان في يوليو/تموز وأغسطس/آب، وتم إلقاء اللوم فيها على المقاتلين الفلسطينيين، وفي 4 أغسطس/آب انتقمت إسرائيل بضرب مواقع في جنوب لبنان بالغارات الجوية والمدفعية.
ويبدو أن هذه الضربات قد حفزت “حزب الله”، الذي يقدم نفسه على أنه مدافع عن السيادة اللبنانية، لينفذ هجماته الخاصة على الحدود الشمالية الإسرائيلية.
ضغوط على الطرفين
يواجه “حزب الله” ضغطًا محليًا كبيرًا لتجنب حرب واسعة على غرار عام 2006، مما يفسر عدم حماسة الحزب للانتقام على الفور من الغارات الجوية والمدفعية الإسرائيلية.
وفي علامة على معارضة محلية ملحوظة، أوقف القرويون في بلدة شويا في جنوب لبنان منصة صاروخية لـ”حزب الله” وسيطروا عليها، وسلّموها إلى الجيش اللبناني، احتجاجا على قيام “حزب الله” باستخدام مواقع بالقرب من مدينتهم لمهاجمة إسرائيل.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن شرعية “حزب الله” السياسية أصبحت مهددة نتيجة تأزم الاقتصاد اللبناني واستمرار انتشار قواته في سوريا كجزء من الحرب الأهلية هناك، مما يضعف دوافع الحزب للانخراط في حرب أوسع مع إسرائيل من شأنها أن تجلب المزيد من الضرر الاقتصادي للبنان وتقوض قدرته على العمل في سوريا.
أما بالنسبة لإسرائيل، فستؤدي حرب أخرى مع “حزب الله” إلى تفاقم الأزمات التي أحدثتها “كورونا” كما ستضيف المزيد من الضغط على علاقتها بالولايات المتحدة.
وإذا نشبت حرب مع “حزب الله” فسوف يتطلب ذلك استدعاء الاحتياط، مما يعطل انتعاش الاقتصاد الإسرائيلي بعد إغلاقات “كورونا” في 2020 و2021، وسيتعين على الإسرائيليين أيضا تحويل القبة الحديدية من الحدود الجنوبية في البلاد مع غزة إلى الحدود الشمالية مع لبنان.
بالإضافة إلى ذلك، حذرت إسرائيل من أنها قد تفرض إغلاقًا آخر مع تصاعد الإصابات بمتحور “دلتا”، خاصة في المناطق التي ترفض اللقاح، وإذا حدثت حرب مع “حزب الله”، فسيجد العديد من الإسرائيليين أنفسهم مزدحمين في الملاجئ تحت وابل من صواريخ “حزب الله”، مما يزيد من المخاطر الصحية.
وأخيرا، تريد الولايات المتحدة أيضا تجنب صراع كبير آخر في المنطقة. وقد اتخذت خطوات بالفعل لتعزيز الاستقرار الإقليمي واللبناني، حيث قدمت 100 مليون دولار إلى بيروت على شكل مساعدات إنسانية في 4 أغسطس/آب.
وبالتالي فإن دوافع خفض التصعيد موجودة لدى الجانبين، مما قد يمكّن إسرائيل و”حزب الله” من التراجع عن شفا نزاع كبير.
وإذا تراجع “حزب الله” عن استئناف الهجمات الصاروخية وقيد المقاتلين الفلسطينيين الذين كانوا يهاجمون شمال إسرائيل، فستقل احتمالية تنفيذ إسرائيل لعمليات سرية يمكن أن تشعل حربا كبرى.
وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تقرر الحكومة الإسرائيلية تنفيذ هجمات مضادة في سوريا، حيث قصفت إسرائيل “حزب الله” هناك من قبل دون إشعال حرب، كما أن هناك احتمالًا أقل بأن تقرر إسرائيل أن الجولة الحالية من الغارات الجوية والمدفعية تكفي لردع “حزب الله”.
التصعيد لا يزال ممكنًا
لكن حكومة “بينيت” الجديدة في إسرائيل تواجه أيضا ضغوطا سياسية لضمان أمن الحدود الشمالية في البلاد، والتي قد تجبرها على إجراء عمليات عسكرية أو سرية أكثر توسعًا لردع “حزب الله” وإرضاء المنتقدين المحليين.
ويهاجم السياسيون اليمينيون الأكثر تشددًا “بينيت”، ويشاركهم أيضًا عضو من حزبه، حيث يتهمونه بعدم القيام بما يكفي لإيقاف هجمات “حزب الله” في الشمال.
يشار إلى أنه لم تكن هناك شعبية كبيرة في إسرائيل لاتفاق وقف إطلاق النار الذي أنهى حرب غزة في شهر مايو/أيار، حيث شعر الكثيرون أنه لم يكن كافيًا لردع “حماس”.
وبالنظر إلى هذه الآراء، فمن المحتمل أن يرغب الكثير من الإسرائيليين في رؤية إسرائيل توقف الهجمات الصاروخية من لبنان أيضا.
وإذا لم يتجاوب “بينيت” مع هذه المطالب الشعبية لتحقيق المزيد من الأمن، فقد تتفكك الأغلبية المحدودة التي تتمتع بها حكومته. ويزيد ذلك من احتمالية أن تقوم إسرائيل بتنفيذ عمليات تدفع “حزب الله” لتنفيذ هجمات مضادة مما يؤدي إلى مزيد من التصعيد العسكري.