د. عودة ابو ردينة، ترجمة ابتسام الحلبي
أكدت كوريا الجنوبية الثلاثاء رصدها مؤشرات إلى أنشطة غير معتادة في كوريا الشمالية، في إثر تقارير أشارت إلى أن بيونغ يانغ ربما تكون تحضّر لتجربة صاروخ بالستي جديد، مستمرة في إقلاق الأسرة الدولية ببرنامجيها البالستي والنووي.
تحركات شمالية
نسبت وكالة الأنباء الكورية الجنوبية (يونهاب) إلى مصدر حكومي قوله: “تم تشغيل رادار لتتبع مسارات الصواريخ الاثنين في قاعدة كورية شمالية غير محددة، بينما رصد تكثيف لأنشطة الاتصالات، وتحركات ناشطة في قاعدة صواريخ كورية شمالية”. وبما أن اشارات كهذه تُرصد باستمرار، شدد المصدر على ضرورة مراقبة الوضع فترة أطول، لمعرفة إذا كانت كوريا الشمالية تستعد لتجربة صاروخية، او للتدريبات الشتوية التي تبدأ الجمعة”.
إلى ذلك، من المتوقع ارتفاع حدة التوتر مجددًا في شبه الجزيرة الكورية مع إطلاق الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية تدريبات جوية واسعة النطاق الاثنين، في عرض قوة جديد بمواجهة بيونغ يانغ. تستمر هذه التدريبات 5 أيام، ويشارك فيها 12 ألف جندي أميركي وعدد غير محدد من أفراد الجيش الكوري الجنوبي، وأكثر من 230 طائرة بينها مقاتلات أف-22 وأسلحة متطورة في قواعد عسكرية أميركية وكورية جنوبية.
وعلى الرغم من فترة هدوء مرت بعد تصاعد كبير للتوتر بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، إلا أن الأجواء بين البلدين عادت إلى التلبد بغيوم الحرب، خصوصًا مع ارتفاع منسوب الخوف من هجوم تقليدي تشنّه كوريا الشمالية على شقيقتها الجنوبية. وفي زمن التوتر، كما في زمن الهدوء، تعمل قاعدة كوماند بوست تانغو السرية، المقر المشترك لقيادة الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الجنوبية، بنشاط تحت الارض، واضعة سيناريوهات ممكنة وخططا ملائمة.
هجوم بيونغ يانغ
ما الذي يمكن أن يثير كوريا الشمالية لبدء مثل هذا الصراع؟ قد يعتقد كيم جونغ أون أنه لا يملك خيارًا، نظرًا للأزمة الإنسانية المزمنة فى بلاده، ولعقوبات إضافية تهدد بإعادة المجاعات، فيحسب أن هجومًا مفاجئًا على جارته سيذكر العالم بقوة الشمال. وبينما تساهم البروبغندا الكورية الشمالية بإقناع قادة الشمال بأنّهم سيفوزون، تريهم القسوة غير المبالية للبيت الأبيض بأن الولايات المتحدة على وشك أن تشنّ هجومًا، في أي حال.
بمجرد اتخاذ القرار بالهجوم، ستتحرك كوريا الشمالية بسرعة لإنجاز أهدافها. لكنّ القدرات اللوجستية لجيشها، إذا تلقّى في أحسن الأحوال مساعدة محدودة من الصين في زمن الحرب، لن تستمر إلا أيامًا، خصوصًا مع صعوبة الحفاظ على خطوط الإمداد عبر التضاريس الجبلية.
من المرجح أن يفقد الشمال البنية التحتية الرئيسة للقيادة والتحكم في الساعات القليلة الأولى، ما يعيق تقدمه على ساحة المعركة. فستستهدف القوة الجوية الاميركية مقرّات مهمة، أملًا بعزل القوات الكورية الشمالية. وسيسعى الشمال إلى معركة حاسمة ستهزم الولايات المتحدة ضعيفة الإرادة. وهذا يعني وابلًا هائلًا في الساعات القليلة الأولى من الصراع، يستهدف أكبر الحاميات العسكرية الأميركية على طول المنطقة المنزوعة السلاح وعلى العاصمة سيوول.
يمكن أن تشمل الأهداف الأخرى قواعد جوية وبحرية في الجنوب، وربما في اليابان، لمنع الهجوم المضاد المتحالف وتخفيف الدفاعات من أجل دخول محتمل لكوريا الشمالية على طول المنطقة المنزوعة السلاح أو من طريق الهبوط البرمائي. وسوف تطلق بيونغ يانغ صواريخ باليستية قصيرة المدى وقاذفات صواريخ متعددة لتدمير عشرات البنى التحتية الدفاعية القيّمة.
بيولوجية وكيميائية
لن تستمر الهجمات الصاروخية الشمالية طويلًا، فالقوة العسكرية لكوريا الجنوبية والولايات المتحدة ستلتقط أنفاسها بسرعة، لكنّ قدرة المدفعية الشمالية على الانسحاب بسرعة إلى مجمعات تحت الأرض وفي الكهوف ستجعل من الصعب جدًا تدميرها على الفور.
وتشتمل ترسانة الشمال الفتاكة أيضًا أسلحة بيولوجية وكيميائية. وفي حال نشوب حرب، لن تتردد كوريا الشمالية في اطلاقها. ويمكن أن تحدث أيضًا هجمات لامركزية لأن كوريا الشمالية جندت مئات الجواسيس في جميع أنحاء العالم للقيام بمهمات مختلفة، كتنفيذ هجمات مرجحة باستخدام أسلحة الدمار الشامل في الجنوب.
أما البرنامج السيبراني فقد يكون مخيفًا أكثر، حيث يمكن كوريا الشمالية أن تغلق البنوك الكورية والبريطانية الرئيسة، معطلة ملايين الصفقات. ربما يتوقف الاقتصاد برمته، وربما يؤدي هجوم آخر إلى إغلاق شبكة الطاقة في منطقة سيوول. وستضطر الخدمات العسكرية والطارئة التابعة لكوريا الجنوبية وواشنطن إلى تحويل الموارد لإدارة الفوضى، ما يسمح للشمال بالتوغل أكثر في شبه الجزيرة الكورية.
ستعمل واشنطن سريعًا على تفعيل خطة لإجلاء المدنيين الأميركيين، وسيضيع الكثير منهم في الفوضى. وسيحاول الملايين من سكان سيوول الفرار من ديارهم على الرغم من صعوبة ذلك.
لكن، لدى سكان سيوول خيارات أخرى كمحطات مترو وانفاق وملاجئ مجهزة تحميهم من القنابل ووابل المدفعية. وستحاول حكومة كوريا الجنوبية إقامة معسكرات موقتة بعيدًا من القتال العنيف لتوفير الضروريات.
الهجوم الأميركي المضاد
بعد اليوم الأول، سيكون عدد الخسائر كبيرًا في صفوف الأميركيين المتمركزين في شبه الجزيرة، وسيشكل الباقي جوهر الهجوم المضاد لضرب الشمال. وبينما يستعد نظراؤهم فى سيول للهجوم على البر الشمالي، ستبدأ القوات الاميركية والحليفة في الاندفاع. وستبدأ التعزيزات والإمدادات من اليابان واستراليا وبر الصين الرئيس في إجراءات ما قبل النشر للوصول إلى شبه الجزيرة فى غضون أيام قليلة.
كما ستعمل آلة الحرب الأميركية بكامل قوتها، وستدمر طائراتها القواعد الكورية الشمالية على طول المنطقة المجردة من السلاح، وستتجه المئات من صواريخ توماهوك إلى أهداف عميقة في كوريا الشمالية. وستقضي الغواصات الاميركية على أسطول كوريا الشمالية (800 سفينة تقريبًا).
دبلوماسيًا، ستعمل واشنطن مع الصين وروسيا لمنع كوريا الشمالية من شن المزيد من الهجمات وتجنب استخدام الأسلحة النووية. وستدين جميع بلدان العالم تقريبًا الهجوم التقليدي. ومن المحتمل أن يبدأ الناتو بحشد قواته ومعداته لدعم الولايات المتحدة.
وستدعو الأمم المتحدة إلى وقف إطلاق النار بين الأطراف المتحاربة. وبحسب صحيفة “غلوبال تايمز” الصادرة عن الحزب الشيوعي الصيني، فالصين لن تساعد كوريا الشمالية إذا اطلقت صواريخ تهدد الولايات المتحدة، ما سيكفل ضغوطًا كبيرة على كوريا الشمالية لوقف العمليات الهجومية. وسيكون الهدف الدبلوماسي الرئيس هو تجنب كارثة رد نووي. وستكون المفاوضات صعبة، فالشمال يستثمر بقوة في برنامجه النووي لحماية البلاد، ويبدو أن قدرات الصواريخ الشمالية معقّدة جدًا ما يجعل إمكانية شن ضربة نووية على اليابان أو الساحل الغربي معقولة.
ردة فعل انتحارية
ربما يمنع ذلك واشنطن من اعتداء كامل على الشمال نفسه، حذرًا من إثارة ردة فعل انتحارية من نظام يكاد يسقط. وربما تكون بكين غير معجبة ببيونغ يانغ، لكن القوات الأميركية التي تعبر المنطقة المجردة من السلاح ستعيد إلى الأذهان ذكريات أليمة عن الحرب الكورية، وتثير مخاوف الصين من “التطويق”. غير أن واشنطن ستحرّك العالم بأسره لحظر التجارة والمساعدات لكوريا الشمالية فورًا، لإجبار النظام على التعاون وربما قبول الاستسلام غير المشروط.
لكن، مع تركيز قوات كوريا الجنوبية والولايات المتحدة على القضاء على الأصول المدفعية والبحرية والجوية، من المحتمل أن تبدأ فرقة مشاة كوريا الشمالية في البحث عن هجمات على طول المنطقة المجردة من السلاح والسواحل الشرقية والغربية لكوريا الجنوبية لاختبار استعدادها والولايات المتحدة، وستقوم بخدع لتحويل التركيز بعيدًا عن الجهد العسكري الرئيس لتلك البلدان.
وبينما تعمّ الفوضى سيوول، يمكن كوريا الشمالية استخدام الغواصات للتسلل إلى القوات الخاصة بكوريا الجنوبية القادرة على القيام بعمليات حرب العصابات، وتعطيل خطط حرب أميركا وكوريا الجنوبية.
كما يمكن القوات الخاصة والنظامية الكورية الشمالية دخول الجنوب من خلال أنفاق تحت الأرض في المنطقة المجردة من السلاح، وستكون للولايات المتحدة خيارات عدة لمواجهة تحركات كوريا الشمالية تحت الأرض نظرًا إلى سنوات عدة من تجارب القتال في أفغانستان.
نصر باهظ الثمن
ستشمل تكتيكات حرب العصابات التي تبنتها كوريا الشمالية اغتيال قادة كوريا الجنوبية الرئيسيين، وتخريب الجهود العسكرية وشبه العسكرية، وترهيب المواطنين، واستهداف جنود الاحتياط غير الحصينين في كوريا الجنوبية.
أما التراث العرقي واللغوي الشبيه بتراث جيرانهم الجنوبيين، فسيسهّل على القوات الكورية الشمالية الاندماج بقوات الاحتياط وزرع القناصين والمواد المتفجرة.
لكنّ وقت هجوم الشمال سينفد. وسيُعتبر هجومًا غادرًا وساديًا. وسيؤدي موت آلاف من القوات الاميركية إلى سعي واشنطن إلى الانتقام. وبعد كل الضربات الكورية الشمالية والهجوم المضاد، ستتم إطاحة نظام كيم، ويصبح الكوريون الشماليون في وضع أصعب من المجاعة في التسعينيات. وستواجه الصين أزمة إنسانية على حدودها، حيث سيهاجر الكوريون الشماليون. وستتعرض الولايات المتحدة واليابان وغيرهما من الدول المتقدمة لضغوط كبيرة لاستقبال عشرات الآلاف من اللاجئين.
كفة كوريا راجحة!
في هذا السياق، وبعد عرض السيناريوهات المذكورة، لا بدّ من التنبّه إلى تحذير اللفتنانت جنرال جان مارك جواس، النائب السابق لقائد القوات الأميركية في كوريا الجنوبية، من أن ميزان الحرب على كوريا الشمالية لن يكون في كفة أميركا، “وإذا اندلع صراع مفاجئ بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، فإن القوات الأميركية في كوريا الجنوبية ستواجه نقصًا عدديًا، وستعاني عجزًا في الإمداد”.
أضاف جواس لمجلة نيوزويك الأميركية في 10 نوفمبر أن القوات المسلحة الأميركية في كوريا الجنوبية التي يبلغ عددها 28.500 جندي، يقل كثيرًا عن عدد القوات الكورية الشمالية، وحتى عن عدد قوات كوريا الجنوبية التي ستتولى القتال، “وعلى عكس كل نزاع منذ الحرب الكورية الأخيرة، لن نتمكن من تدعيم قواتنا قبل بدء الأعمال العدائية، علمًا أن لكوريا الشمالية نحو 2.1 مليون جندي”.
وبحسب جواس، سيستغرق الأمر أشهراً لتعزيز الإمدادات الأميركية الضرورية للوصول إلى شبه الجزيرة الكورية، “وبمجرد وصول القوات، قد تجد أن قواعدها معرضة للهجوم بالأسلحة التقليدية أو الكيماوية، الأمر الذي سيزيد من تأخير دخولهم الحرب، ولا ننسى الخطر الذي قد يشكله الصراع على المدنيين من الكوريين والأميركيين، علمًا أن التخلص من المدفعية والصواريخ الكورية الشمالية التي تهدد سيول التي تضم 25 مليون نسمة، يستغرق وقتًا، كما ستتطور أزمة هائلة من الضحايا وسيكون هناك إجلاء لأكثر من 100 ألف من غير المقاتلين الأميركيين، وكثير منهم سيلجأ إلى القوات الأميركية لإخراجهم من شبه الجزيرة الكورية”.