الكاتب: أشرف العجرمي
العملية التي نفذها القائد في حركة حماس فادي أبو شخيدم في باب السلسلة بالبلدة القديمة في القدس المحتلة قبل ثلاثة أيام، والتي سقط فيها قتيل إسرائيلي وعدد من الجرحى بالإضافة إلى استشهاد المنفذ، تظهر مرة أخرى كما في كل المرات السابقة التي حدثت فيها مواجهات فلسطينية – إسرائيلية في العاصمة المحتلة أن القدس وحدها كفيلة بإشعال فتيل ثورة لا تنطفئ. وفي كل مرة يتحدث الإسرائيليون عن مركزية مسألة القدس لدى الشعب الفلسطيني ولكنهم يكررون سياساتهم العدوانية تجاه القدس ويفجرون الموقف تباعاً بحيث لا تكاد تمر سنة أو بضعة شهور إلا والقدس تعود من جديد إلى بؤرة المواجهة.
لا يهم كيف نفذ أبو شخيدم عمليته التي تقدر الجهات الأمنية الإسرائيلية أنها ارتجالية، فهي واحدة من سلسلة عمليات فلسطينية متكررة في القدس، التي يرى الفلسطينيون أن محاولات تهويدها تجري على قدم وساق. فالحكومة الحالية التي ينظر لها في إسرائيل على أنها «حكومة تغيير» في الواقع لم تغير شيئاً في سياستها تجاه عملية تهويد القدس والمضي قدماً في المشروع الاستيطاني وتشجيع عنف المستوطنين المتطرفين الذين بات حتى وزير الأمن (الدفاع) في الحكومة الإسرائيلية بيني غانتس يشكو منهم لأعضاء حزبه في جلسة مغلقة. بل إنها أقرت مشروع القدس الكبرى في برنامجها وهي ستعمل على تطويق القدس الشرقية بجدار استيطاني كبير فيما يسمى متروبوليتان القدس، لتتحول المدينة إلى يهودية بالكامل فيها بعض الجيوب الفلسطينية الصغيرة والمحاصرة والتي يتعرض أهلها للتهجير قسراً بمنعهم من البناء والتوسع العمراني. كما أنه يراد لها أن تقسم الضفة الغربية وتعيق تواصلها الإقليمي وتحول المدن الكبرى التي تحد القدس إلى مناطق ضيقة ومطوقة بالاستيطان اليهودي.
الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لم تر بالمطلق إمكانية قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين، ولم تتوقف لحظة عن العمل المكثف لتغيير معالم الأراضي الفلسطينية ومنع قيام دولة فلسطينية مترابطة وقابلة للحياة. حتى في عهد حكومة اسحق رابين التي وقعت اتفاق «أوسلو» مع منظمة التحرير، بل إنها ضاعفت عدد المستوطنين في الضفة بنحو 50% في سنواتها القليلة التي انتهت بعد فشل شمعون بيريس في الانتخابات مقابل بنيامين نتنياهو في العام 1996. ومنذ العام 2009 بعد فوز نتنياهو برئاسة الحكومة في فترة طويلة جديدة امتدت إلى 12 عاماً أصبح المشروع الاستيطاني هو المشروع الرئيس والأهم للحكومة إلى درجة أنها خضعت تماماً للتيار الديني – الصهيوني الاستيطاني المتشدد، والذي أضحى المصمم الأهم للخطاب السياسي الإسرائيلي داخلياً وخارجياً. ولا تزال إسرائيل تحت تأثير هذا الخطاب الذي يتبنى أيديولوجياً فكرة إسرائيل الكبرى ويرفض مبدأ حل الدولتين والسماح للفلسطينيين بأي موطئ قدم في الضفة الغربية على وجه الخصوص وفي القلب منها مدينة القدس.
ولم يفهم الإسرائيليون على ما يبدو أن القدس بالنسبة للشعب الفلسطيني هي جوهر الصراع وهي محور فكرة الدولة المستقلة، فلا دولة دون القدس والبلدة القديمة وخاصة الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية. وكل محاولة إسرائيلية للمساس بهذه الفكرة ستواجه برد فعل فلسطيني عنيف. وبالرغم من المواجهات التي حصلت حول القدس سواء قصة البوابات الإلكترونية أو منع الشباب من الجلوس في باب العمود أو إغلاق بعض البوابات أو ترحيل الموطنين من منازلهم أو الزيارات أو المسيرات الاستفزازية للمستوطنين والجماعات المتطرفة.
لا تزال السياسة الإسرائيلية حتى في ظل حكومة تشارك فيها أحزاب يسارية مثل «العمل» و»ميرتس» وحزب عربي – إسلامي» القائمة العربية الموحدة» تركز على رعاية المشروع الاستيطاني وتوفير كل الدعم له سواء بترخيص بناء آلاف الوحدات السكنية في الضفة الغربية أو بالمصادقة على خطة توسيع القدس، أو في تقديم الحماية للمستوطنين في اعتدائهم على المواطنين الفلسطينيين في القرى والتجمعات والأحياء القريبة من المستوطنات أو الواقعة في القدس المحتلة. وهذه السياسة دون شك ستقود إلى مزيد من ردود الفعل الفلسطينية التي قد تتبدى في عمليات على غرار عملية باب السلسلة، ومواجهات واسعة.
المشكلة الأخرى التي يعيشها الفلسطينيون في مواجهة التهويد والاستيطان هي غياب الوحدة الوطنية وغياب استراتيجية موحدة لمواجهة هذا المشروع الخطير، وما يجرب على الأرض هو ردود فعل وأعمال فردية لا يمكنها أن تكون بديلاً عن عمل واسع سياسي ودبلوماسي مبرمج مدعوم بنضال شعبي واسع ومكثف على الأرض. وهذا لا يتم في ظل الانقسام وغياب العمل القيادي الاستراتيجي الجامع والموحد. فإلى متى يبقى وضعنا على ما هو عليه والأرض من حولنا تتآكل وتهود كل يوم؟