بقلم: مصطفى إبراهيم
الغزيون غير متحمسين للانتخابات المحلية، وهي ليست على جدول أعمالهم اليومي، هم متحمسون لفكفكة أزماتهم والبحث عن فرصة عمل وإحترام وصيانة آدميتهم من التسول والفقر.
صور الحشود من الشباب بالطوابير هي تعبير حقيقي عن ما يفكرون به، العمل ولقمة العيش، عل وعسى أن يكونوا من المحظوظين، في وسط تعميق وتعزيز الإنقسام وبحث المسؤولين في السلطات الحاكمة عن تسهيلات وحلول ترقيعية، ووعد الآخرة لتمكنهم من البقاء في الحكم كأداة من أدوات السيطرة.
هذه الطوابير هي التعبير الحقيقي عن ما يبحث عنه الناس في غزة، العمل من أجل لقمة العيش، التي أصبحت أسمى أمانيهم، في ظل حصار إحتلالي فاشي، ونقسام بغيض أذلهم وأهان كرامتهم
الطوابير المحتشدة أمام الغرف التجارية في مدن قطاع غزة، غير مفاجئة، وليست مدهشة، هي حلم الحصول على فرصة عمل في دولة الاحتلال، والتي توقفت عن تشغيل العمالة الفلسطينية منذ بداية تسعينيات القرن الماضي والذي وصل عددهم في حينه ما يقارب الـ 150 ألف عامل.
وهي المرحلة الاولي، والبداية الفعلية من قبل دولة الاحتلال لفضل قطاع غزة عن الضفة الغربية وحصار القطاع، والقضاء على الوحدة الجغرافية لاقليم سلطة الحكم الذاتي حتى قبل التوقيع على اتفاق اوسلو، ونهاية حلم الدولة الفلسطينية التي سعى إليها الراحل ياسر عرفات.
وكانت المرحلة الثانية وخطوات فصل القطاع وتقليص أعداد العمال الذين يعملون في إسرائيل مع بداية انتفاضة الأقصى في العام 2000، إلى أن أصبحت معدومة مع بدء المرحلة الثالثة من تشديد الحصار في النصف الثاني من العام 2006، على إثر قيام المقاومة الفلسطينية بإختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، وما تلا ذلك من أحداث الانقسام في منتصف 2007.
جاء زحف هذه الحشود على ضوء ما تسمى بالتسهيلات التي أعلنت عنها دولة الإحتلال وزيادة تصاريح التجار والعمال الذين سيسمح لهم يجب عليهم التسجيل بعد الحصول على تسجيل سجل تجاري في الغرفة التجارية، وسعيد الحظ من يحصل على تصريح تاجر وليس عامل، بدون أي حقوق أو ضمانات اجتماعية.
وعلى إثر الإعلان من قبل هيئة الشؤون المدنية في السلطة الفلسطينية، في إطار تقديم نفسها على أنها من إتفقت مع دولة الاحتلال على تقديم هذه التسهيلات، كما جاء على لسان ويرها. كما تأتي هذه الصور ووفد حركة حماس المتواجد في القاهرة لبحث التهدئة وعملية إعادة الاعمار، وما تسمى بالتسهيلات ووعود دولة الاحتلال التي تشدد القيود على القطاع، ولا يوجد بصيص أمل للناس بتحسين شروط حياتهم.
من حق هؤلاء البحث عن عمل وغياب فرص العمل وموراد وخطط وسياسات وإجراءات حكومية لحمياتهم، ومحرومون من جميع سبل العيش الكريم، وأكثر من مليون يتلقون مساعدات إنسانية موسمية، و 115 ألف أسرة فلسطينية، معظمها من قطاع غزة، وتعيل أكثر من نصف مليون فلسطيني من الفقراء والفئات المهمشة.
ومنذ العام 2018، لم تلتزم الحكومة ووزارة التنمية الإجتماعية بصرف أربع دفعات سنوياً لمساعدات النقدية للأسر الفقيرة “مخصصات الشؤون الاجتماعية” واقتصارها على ثلاث دفعات فقط.
في حين تلقت الأسر الفقيرة ومنذ مطلع العام الجاري 2021 والذي شارف على الانتهاء دفعة واحدة فقط وغير مكتملة (تم صرف 750 شيكل لجميع الأسر).
الحقيقة أن مشهد الحشود ليس مدهشاً، فهو متوقع، والمحزن أن العمل في إسرائيل حلم وأمل يراود عشرات الالاف من العاطلين عن العمل، فهؤلاء وغيرهم من اللذين عملوا في السابق في المشاغل الإسرائيلية، وغيرهم من الجيل الشاب العاطلين عن العمل منذ العام 2000، ولم يحصلوا على أي فرصة للعمل والسلطة أوقفت التوظيف في القطاع، وحكومة حماس تستوعب اكثر من 40 ألف موظف ويتلقون انصاف الراتب.
حتى أن عدد كبير من موظفي السلطة الفلسطينية يتمنون العودة للعمل في إسرائيل في ظل أوضاعهم الاقتصادية الصعيية، وأصبحوا يصنفوا تحت خط الفقر.
السؤال ليس من المسؤول عن بث أمل كاذب في صفوف ربع مليون فلسطيني من غزة عاطل عن العمل، والأمال في إيجاد فرصة عمل لدى الاحتلال، والمطلوب فقط 2500 تصريح.
السؤال ما هو المعيار للتسجيل في ظل غياب المعايير، والحق في العمل لمنطقة جغرافية وصلت نسبة عدد الفقراء فيها إلى 53.0%، في حين أن الافراد الذين يقل دخلهم الشهري عن خط الفقر الوطني بلغ 67.6%..
حالة غريبة وعجيبة وغياب أي معيار للحق في العمل، وادعاء السلطات الحاكمة حماية مواطنيها من الفقر والعوز، وصور طوابير الحشود تعبر عن حال الناس البائس والتلاعب بمشاعر الفقراء الذين يبحثون عن أي مكان للرزق حتى لدى دولة الاحتلال.
أنه الفشل الذريع وسوريالية المشهد الفلسطيني ووهم السلطة تحت الاحتلال، وما تبقى من حركة تحرر وطني تسعى للحرية ولا تزال مرتهنة لمحتلها في لقمة عيشها.
على ما يبدو أن الفقر والجوع هما العدو الوحيد، وليس دولة الإحتلال التي تفرض حصاراً خانقاً، ويعتبر جريمة حرب، وتمارس القتل وانتهاكات حقوق الانسان، وبعد 14 عامًا من الحصار المشدد، ودورات العدوان والقتل اليومي، وتدمير القطاع وما تبقى من حياة آدمية، وشعارات المقاومة والتحرير ووعد الآخرة.
وينطبق على الفلسطينيين في قطاع غزة المثل الذي يقول “حلم الجعان عيش”، حتى لدى من يحتل أرضهم ويتنكر لحقوقهم وحصارهم، وحرمانهم من حرية التنقل والسفر والحق في العلاج. ولا يرى ولا يسمع هؤلاء المحتشدين من دولة الاحتلال الذي هو عدوهم الأول، إلا هدير الطائرات الحربية والدبابات وأصوات القنابل، والطائرات المسيرة التي تقض مصاحفهم، والتجسس على تفاصيل حياتهم واختراق خصوصياتهم.
فجوة كبيرة وأحلام صغيرة واختبار أخلاقي، ما بين وعد الأخرة وآليات توزيع مقدرات البلاد عند التحرير، ووعد عدالة التوزيع للفقراء، وهو أعظم اختبار أخلاقي في ظل تسونامي المعاناة اليومية منذ عقد ونصف.
وطريق معبدة بالظلم والقهر والدم والفساد، وسوء الإدارة والجباية، وغياب أي مقومات لتعزيز الصمود وسياسات حكومية تقشفية وعدالة التوزيع تقنع الفئات الكبيرة من الغزيين هم الأكثر ضعفا، أولئك هم الذين تخلفوا عن الركب منذ سنوات طويلة، والان تخلفوا عنه بشكل أكبر في ظل انتظار عدالة حكومية بشرية قبل الوصول لموعد وعد الاخرة.