بقلم : د. محمود أبو عين
يتميز صراعنا مع الاحتلال الاسرائيلي بأنه صراع معقد ويطغى عليه شريعة القوة والعدوان ويتسارع مع قوة الحق والقانون. ولا ينبغي علينا ان نغفل صراع الماضي او نحيده عن صراعنا الحالي والمستقبلي. فها هو وعد بلفور الذي اصدره وزير خارجية بريطانيا آرثر جيمس بلفور يدخل مئويته الاولى والذي جاء في 2- تشرين ثاني عام 1917 يأتي هذا العام ليجسد كافة التناقضات، فهو صادر من دولة بريطانيا الانتدابية في حينه لإقامة وطن قومي لليهود على ارضنا التاريخية فلسطين متجاهلين جميعهم الشعب الفلسطيني والحقائق التاريخية والشواهد الدينية والإرث الثقافي التي تؤكد ان الشعب الفلسطيني شعب اصيل يملك على الارض مقومات الشعوب والدولة المستقلة ذات السيادة، في حين ان اليهود وحسب كل الشواهد التاريخية هم اقلية دينية كما هو حالهم في كل بقاع الارض.
اليوم، وبعد مرور مئة عام على الوعد المشؤوم ينبغي علينا وعلى الهيئات الدولية والاممية ان تعيد قراءة هذا الوعد خاصة بعد ان حصلت دولة فلسطين على عضوية عضو مراقب في هيئة الامم المتحدة.
سيدي الرئيس محمود عباس: اننا نؤيد ونثني على ما جاء في خطابك ودعوتك للحكومة البريطانية ان مسؤوليتها التاريخية والقانونية والسياسية والمادية والمعنوية لنتائج وعد بلفور، والاعتذار للشعب الفلسطيني لما حل به من نكبات وظلم، وتصحيح هذه الكارثة التاريخية ومعالجة نتائجها بالاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
سيدي الرئيس: ان وعد بلفور لم يأت محض صدفة بل سبقه الكثير من الوعود التي منحت من لا يملك ما لا يستحق، فقد سبق وعد بلفور وتلاه وعود كثيرة. هناك وعد نابليون لليهود بأن يقيم لهم دولتهم الموعودة في فلسطين إن ساعدوه في حملته العسكرية على الشرق عام 1798، وفي عام 1907 وفي مسعى محموم من بريطانيا الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس لتثبيت نفوذها العالمي صدر تقرير كامبل بنرمان وهو رئيس وزراء بريطانيا آنذاك، حيث أوصى بتقسيم العالم العربي إلى مشرق ومغرب وإسكان اليهود في الجسر الرابط بينهما، هذا التقرير جاء بعد عشرة أعوام من المؤتمر الصهيوني الأول في بال بسويسرا وقبل عشرة أعوام من وعد بلفور.
ان عبء وعد بلفور عبء ثقيل أسهم في تمريره العالم الغربي آنذاك ولا ننسى التقاعس العربي والاسلامي الامر الذي جعل الجماعات الصهيونية تستمر وتستقوي على شعبنا الفلسطيني الاعزل. وان من يتحمل مسؤولية تمرير وعد بلفور وتنفيذه ليس بريطانيا وحسب بل عصبة الامم المتحدة التي اسندت الى بريطانيا مهمة الانتداب على فلسطين في الوقت الذي لم يكن لإسرائيل وجود.
سيدي الرئيس: لا ينكر التاريخ ولا الكتب السماوية ومنها التوراة ان الشعب الفلسطيني شعب عريق ومن أقدم شعوب المنطقة، وان فلسطين مر عليها اقوام متعددة بعضها اختلط في الشعب الفلسطيني الأصلي وأصبح جزءا منه وآخرون كانوا مجرد محتلين أو فاتحين، عمروا لفترات قد تطول أو تقصر: الرومانيون والصليبيون والأتراك والإنجليز، ولكنهم في النهاية تركوا البلاد لأهلها.ان وعد بلفور المشئوم كان ولا يزال أكبر جريمة سياسية شهدها التاريخ المعاصر و”جريمة ضد الانسانية” وظلم تاريخي اوقعته قوة استعمارية انتدبت على فلسطين ما شكل مأساة ونكبة وطرد وتهجير وهدم مدن وبلدات وقرى لشعب استشهد منه عشرات الاف ولا زال يقدم التضحيات الجسام حتى يزول الظلم ويزول اطول واكبر احتلال عرفته البشرية .
سيدي الرئيس، لا زالت الاجيال الفلسطينية تحتفظ بمفاتيح العودة جيلا عن جيل، لم يخب ظنهم بقيادتكم وحكمتكم ، والأجيال لا زالت في انتظار العودة وتحقيق الحلم الفلسطيني بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف وتقديم من تسبب بمأساتهم عشرات السنين للعدالة، لان حق الشعب الفلسطيني لا يسقط بالتقادم ولن ينساه الصغار بعد موت الكبار كما زعم القادة الإسرائيليون.
سيدي الرئيس، مع اقتراب الذكرى يحيي الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات هذه الذكرى الأليمة ولكن بأسلوب مختلف بعيدا عن البكائيات والمهرجانات اليوم نحيي الذكرى من نقطة ارتكاز قوتنا بعدالة قضيتنا.
ان ما وصلت اليه المصالحة بتوجيهاتكم الرشيدة تضيف الى دبلوماسيتكم نجاحا جديدا اذ بالوحدة الفلسطينية يتدفق الدم الفلسطيني الواحد في شرايين الضفة والقدس وقطاع غزة الامر الذي سيخلق افقا جديدا واحدا مبنيا على اساس موحد ومشترك سيعمل على دفع مشروعنا التحرري الى الامام وفي كل المحافل الدولية والاممية وبالوحدة الشاملة ستنضوي كل فصائل العمل الوطني والاسلامي في برنامج سياسي واحد وعمل مقاوم مشترك وموحد تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني لأن في الاتحاد قوة. اليوم وفي ظل اجواء المصالحة الامل يملأ كل نفس فلسطينية بإعادة الحق الى اهله لأننا الفلسطينيون عرب اقحاح ونحن من نملك الارض والتاريخ ونحن من نؤمن بكل مقولة عربية وقد قالت العرب (ما بضيع حق وراه مطالب ).. حقوقنا جلية وواضحة ..ورغم وعد بلفور ونتائجه الكارثية فإن حقنا في الحياة والعيش على أرضنا ثابت لن يتزحزح ولن يتغير مهما طال الزمن ورغم سياسات الاحتلال ومخططاته التهويدية والاستيطانية في القدس والضفة الغربية وحصاره لقطاع غزة.
سيدي الرئيس نحن معك وخلفك في كل خطوة تخطوها حتى تعتذر بريطانيا وتعترف بدولتنا الفلسطينية وحتى يستيقظ المجتمع الدولي وكافة القوى المحبة للسلام وتصحى ضمائرهم ويعملوا جادين بالضغط الحقيقي على الاحتلال لإجباره على الانسحاب من ارضنا المحتلة والاعتراف بحقوقنا المشروعة وحقنا فى العيش الآمن وقيام دولتنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف ، وحق اللاجئين بالعودة وفق قرارات الشرعية الدولية.
هذا العام هو المتمم للمئة عام على هذا الوعد المشئوم فنحن بانتظار الوعد الذي حلمت به سيدي الرئيس بأنه سيكون عام 2017 عام التحرر والاستقلال.