بقلم: أنطوان شلحت
لعلّه من نافل القول إن ما سعت الحكومة الإسرائيلية الجديدة (حكومة بينيت – لبيد) لإثباته، منذ بدء تسلمها مهمات منصبها يوم 13 من حزيران الماضي، أنها يمينية بامتياز، ولا سيما حيال الفلسطينيين وقضية فلسطين، كما يمكن الاستدلال على ذلك مثلًا من سياستها المُطبقة حيال قطاع غزة.
وهي لم تفعل هذا في تصريحاتها العلنية، وفي ممارساتها الميدانية فحسب، بل أيضًا في سياق الحوارات التي استؤنفت بينها وبين جهات عدّة في العالم، بعد أن كانت منقطعةً إبّان عهد رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو.
وتمثّل أبرز تلك الحوارات، خلال الفترة القليلة الماضية، في ما بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي، على خلفية أن العلاقات بين الطرفين قد انكفأت من جرّاء تركيز نتنياهو على العلاقات مع الدول التي لا تبهظها سياسته في هذه القارّة، وبالأساس مع هنغاريا واليونان وقبرص وبولندا ورومانيا. وتجسّد هذا الحوار في اللقاء الذي عقد في شهر تموز الحالي بين وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي ووزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد في بروكسل.
ويبدو أنه من أجل أن يقطع لبيد قول كل خطيب، ولا سيما في ما يخصّ قضية فلسطين أو استئناف ما تسمى “التسوية السياسية”، أعلن خلال مشاركته في اللقاء أنه في الوقت الحالي لا توجد إمكانية لـ”حل الدولتين”، على الرغم من أنه مؤيدٌ له.
ولم يدع مجالًا للتأويل بأن سبب انعدام مثل هذه الإمكانية يعود إلى الجانب الفلسطيني، حين قال: “ثمّة أمر يجب أن نتذكره كلنا، في حال قيام دولة فلسطينية يجب أن تكون دولة ديمقراطية ومناصرة للسلام. لا يمكن أن نبني بأيدينا تهديدًا إضافيًا لحياتنا”. كما لمّح إلى أن إسرائيل ينبغي ألا تكون في عجلةٍ من أمرها لتسوية هذه القضية، نظرًا إلى أنه على الرغم من أي شيء “ثمّة أمر جيّد يحدث بيننا وبين المعتدلين في العالم العربي (اتفاقيات التطبيع)، ونريد توسيع دائرة السلام مع دول إضافية، وأن تشمل هذه الدائرة في نهاية الأمر الفلسطينيين”. بكلماتٍ أخرى، نقل لبيد الفلسطينيين “إلى نهاية الأمر” تحت غطاء ما يحدث مع “المعتدلين العرب”، على غرار ما فعله نتنياهو قبله منذ أعوام كثيرة.
للعلم، يذكر كثيرون أن لبيد هو رئيس حزب “يوجد مستقبل”، الذي يُعرّف نفسه بأنه من أحزاب الوسط، وهو يكرّر، في أدبياته وبرامجه السياسية، أنه ليس شريكًا في ما يسميها “حملة الاتهام الذاتي لإسرائيل التي يشنها جزء من الجمهور اليهودي في ما يتعلق بمسألة السلام”، وأنه يؤمن بأن الفلسطينيين، كما قال عنهم وزير الخارجية الإسرائيلي السابق آبا إيبان، “لم يضيّعوا أبدًا أي فرصة لتضييع الفرص”.
وردّوا، المرة تلو الأخرى، يد إسرائيل الممدودة إلى السلام، حسبما كان، مثلًا، في الانتفاضتين الأولى (1987)، والثانية (2000)، وبعد خطة الانفصال عن قطاع غزة (2005)، حيث أنهم، بدلًا من بناء المستشفيات والمدارس في مناطق مستوطنات “غوش قطيف”، فضّلوا إطلاق آلاف صواريخ القسّام والقذائف على السكان المدنيين! بناء على ذلك، لا يمكن القول إن لبيد يتماشى أو ينجرّ وراء سياسة رئيس حكومته، بينيت.
حتى عهد نتنياهو الذي استمر بين الأعوام 2009-2021، أمكن أن نلاحظ أنه سادت في إسرائيل ثلاث مقاربات رئيسية مختلفة في كل ما هو متعلق بحل الصراع بينها وبين الفلسطينيين، كما يشير إلى ذلك أيضًا باحثون إسرائيليون: مقاربة “أرض إسرائيل الكبرى”، ومقاربة “التسويات السلمية” التي أنتجت إلى الآن اهتمامًا بأن تكون هناك “عملية سلام” أكثر أضعافًا مضاعفة من السعي الجاد لتحقيق اتفاق سلام، تتخللها محاولة تسويد وجه الطرف الفلسطيني، بغية تحميله المسؤولية الكاملة عن فشل أي جولة مفاوضات، ومقاربة “الانسحاب الأحادي الجانب”.
وخلال ذلك العهد، وعلى ما يبدو بعد انتهائه، بتنا أمام مقاربةٍ أخرى: السلام مع المعتدلين في العالم العربي، وفي نهاية الأمر مع الفلسطينيين!