الكاتب: تمارا حداد
بدأت التغيرات الإقليمية والدولية تظهر بشكل واضح بعد الحرب الأوكرانية – الروسية والتي تُجبر جميع الأطراف الدولية المتصارعة على إعادة تقسيم النفوذ إما عن طريق الحوار والتوافق أو عبر حرب إقليمية شاملة واذا لم تُجدي نفعاً ستتحول إلى حرب دولية.
وفي هذا الاطار، تتصارع كل من روسيا والصين وأميركا على ترسيخ مشاريعهم الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط وافريقيا وغرب آسيا والمتمثلة بالمشروع الأُوراسي لروسيا والمشروع الإمبريالي لأميركا وقوى الغرب والمشروع الاقتصادي لجمهورية الصين، وهي مشاريع تتنافس لملأ الوجود في كل بقعة جيوسياسية ذات بُعد اقتصادي.
بعد “الحرب الخلاقة” في منطقة الشرق الأوسط باتت أميركا تُعيد النظر في سياساتها الخارجية وبدأت بالانسحاب من المنطقة تدريجياً بسبب الخسائر الكُبرى على المستوى المادي والعسكري والبشري مقابل ابقاء وكلائها في المنطقة أكبرها “القاعدة العسكرية الصهيونية” الذين باتوا بمشروعهم الديني يدمرون مشروع اميركا في المنطقة مُقابل تقوية المشروع الأُوراسي والصيني في المنطقة.
تسعى روسيا إلى إعادة الامبراطورية الروسية في المنطقة والتي كانت قوية عام 1700 وكان أكبر المنافسين لها الامبراطورية العثمانية لكن بعد الحرب العالمية الأولى تم إضعاف الامبراطوريتين من قبل فرنسا وبريطانيا مما أدى إلى تقسيم المنطقة كما الواقع الحالي، لكن باتت المتغيرات في الوقت الحالي لصالح روسيا لإعادة مجدها القديم وبمساعدة تركيا وبالتحديد أن بوتين مع إعادة اردوغان إلى الحكم لتعزيز أكثر من هدف وهو الانتقام من الغرب التي قسمت الامبراطورية العثمانية والروسية ناهيك عن المصالح الاقتصادية والتجارية وأهمها الطاقة وتصديرها الى أوروبا.
استطاعت روسيا إعادة تموضعها بعد الفوضى التي أشعلتها أميركا إلى سوريا والعراق وبدأت تُنسج علاقات قوية مع دول الخليج إضافة الى علاقتها مع ايران القوية والتي تعززت بعد الحرب الاوكرانية_الروسية لتفرض معادلة جديدة وهي إعادة حضارتها القديمة ضمن النظام الدولي الجديد الذي سيُعزز رؤيتها الأوراسية.
فيما علاقة روسيا بإسرائيل أصبحت الآن جدلية بعد وقوفها على الحياد من الحرب الاوكرانية _الروسية وان صح التعبير قُربها لاوكرانيا الحليف للولايات المتحدة الامريكية، لذلك تسعى روسيا عبر ايران تقديم الدعم المالي والعسكري لحلف التيار المُناهض لاسرائيل، مما يخلق حالة من التصادم لتقرير من الحلف الاقوى والذي يستطيع ان يسيطر على المنطقة او البقاء كما الوضع الحالي واعادة التقسيم بكل هدوء والوصول الى التكافؤ الجيوسياسي في المنطقة، نظراً ان منطقة الشرق الاوسط هي السوق المركزي للاستثمارات التقنية والنفط والغاز والحبوب والغذاء وهذه دوافع للحفاظ على نفوذ روسيا في المنطقة.
وفيما يخص الصين فعلاقتها مع العرب تاريخية صحيح انخفضت بعد الحرب العالمية الأولى لكن استطاعت الصين أن تدخل السوق العربية بمنظار آخر وهو الوضع الاقتصادي إلى أن تحولت الاستراتيجية الخارجية الصينية الى منحى سياسي أمني بمساعدة الروس وايران في المنطقة، اما علاقتها مع دول الخليج فهي اقتصادية بدأت تتبلور الى سياسية وامنية ناهيك عن قدرة الصين الانخراط في افريقيا بكل قوة عبر بوابة البحر الاحمر والتي اصبح لديها قواعد عسكرية فيها.
تسعى الصين إلى تعزيز الأبعاد الجيوسياسية في العالم العربي والمُتمثلة في تأسيس امبراطورية الصين العظمى والبدء في فرض هيمنتها الكاملة على منطقة جنوب شرق آسيا وآسيا الصغرى وتتخذ منهما منطلقاً لفرض هيمنتها الكبرى على العالم.
قد يكون أبرز الأسباب في تعزيز البُعد الجيوسياسي هو البُعد الاقتصادي الذي يُشكل حجر الزاوية في مشروع الصين الامبراطوري بعد إعلانها إحياء طرق التجارة القديمة وإنشاء طريق الحرير وهو ما ستنفق عليه مليارات الدولارات، وحتى تستثمر في هذا الطريق بشكل آمن تعمل على ضمان الاستقرار الأمني والسياسي في المنطقة كضمانة أساسية لنجاح مشروعها الاقتصادي.
وفي إطار سعي الصين لتوطيد هيمنتها على المناطق ذات البُعد الاقتصادي استطاعت الصين أن تُحدد مناطق التوتر “الأمريكي – العربي” وعملت على إقامة تحالفات “صينية_ عربية” يجمعها الرؤى المشتركة لنهضة الدول ذات البرنامج المشترك بينها وبين الصين، لذا عملت الصين على تقوية الدول المتحالفة معها ضد الدول التي تتحالف مع أميركا نظرا للعداء والتنافس بين الصين وأميركا.
من هذا المنطلق تحاول تعزيز وجودها في العالم من خلال الاقتصاد وتعزيز التحالفات الأمنية والسياسية بين الدول ذات العداء الظاهر أو الخفي مع اميركا بالتحديد بعد صحوة الدول العربية بأن مُفجر الفوضى في منطقة الشرق الأوسط وخلق التوترات المستمرة هي اميركا لإبقائها دول فاشلة وضعيفة.
باتت الصين اليوم مرشحة للقيادة العالمية، فتُعد من أكبر القوى الاقتصادية في العالم، كما تشهد الدبلوماسية الصينية تفاعلاً إيجابياً على المستويين الإقليمي والعالمي، مما يُعزز من دورها السياسي لا سيما في العالم العربي، مما يفتح لها آفاقاً واسعة نتيجة اعتمادها على ثنائية: الاحترام المتبادل لسيادة الدولة الوطنية ووحدة أراضيها، والتعامل على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة، والصين تملك المؤهلات اللازمة كي تصبح المُنافس الوحيد للولايات المتحدة الأمريكية بحلول عام 2025، عدا عن أنها مرشحة للتمتع بمركز يفوق الاتحاد الأوروبي خلال الخمسين سنة القادمة. لذلك تسعى الصين احتواء أي حالة تسبب الارق السياسي وتُعزز علاقتها مع مناطق الدول العربية في الشرق الأوسط لأجل الاستمرار في البعد الاقتصادي بالتحديد في منطقة الشرق الأوسط ومنطقة البحر الأحمر وافريقيا نظراً لتنافس العديد من الدول عليها ووجود الصراعات الدولية والإقليمية. ناهيك عن قدرة الصين على الغزو الثقافي والعسكري والتكنولوجي من خلال التطورات الالكترونية والرقمية التي تقدمها الصين للدول العربية لذا هي باتت اليوم مرشحة للقيادة العالمية.
أما علاقة الصين بإسرائيل حيث تطورت منذ العام 1992 وبالتحديد بالموضوع التقني السيبراني والتجسس ضمن علاقة المصالح فالصين تريد تعزيز قوتها في المنطقة وهذا يعني ترسيخ مصالحها مع أي طرف في المنطقة طالما موجود كيانياً حتى تمنع أي قوة أحادية من السيطرة على المنطقة.
صحيح روسيا والصين تسعيان لملأ الفراغ بدل اميركا لكن هذه الرؤية لم تصل حتى اللحظة الحاسمة لإنهاء النظام الدولي ذو القطب الواحد ما زالت التغيرات تخوض مخاض عسير لإنهاء هذه المرحلة وأن انهاؤها بحاجة لوحدة الصين وروسيا معاً، فالصين عبر البوابة الاقتصادية لا تستطيع وحدها دخول معترك منطقة الشرق الاوسط والمعروفة بانها نفوذ لأميركا بالتحديد ان الاخيرة ربطت نفط دول الخليج بالدولار، ولا تستطيع روسيا لوحدها التغيير عبر البوابة السياسية والأمنية لاحداث اختراق لتغيير النظام الدولي.
إن تثبيت الوجود في منطقة الشرق الأوسط لا يأتي إلا باتحاد روسيا والصين لانهاء النظام الدولي أحادي القطب والمتمثل بامريكا عن المنطقة، ناهيك أن أوروبا ما زالت حتى اللحظة تحت الوصي الأميركي رغم محاولات الصين المستمرة لاستمالة اوروبا الى صفها عن طريق محاولة الصين حل الأزمة الروسية _الاوكرانية وتحييد قضية تايوان القضية الخلافية بين أوروبا والصين إلا أن بكين تسعى لانهاء التوتر بين أوروبا وبينها من خلال محاولة الصين حل الأزمة الأوكرانية_ الروسية.