الكاتب: د. ناصر زيدان
يعد البحر الأحمر من أهم الممرات البحرية الدولية على الإطلاق، وقد شكَّل معبراً رئيسياً يُوصل وسط العالم وغربه مع الشرق، خصوصاً بعد حفر قناة السويس وتدشين العمل بها في عام 1869، والقناة تربط بين البحر الأبيض المتوسط – الذي يُشاطِئ سواحل أوروبا وشمال إفريقيا وغرب آسيا ويتواصل مع المحيط الأطلسي – وبين البحر الأحمر المفتوح من خلال خليج عدن وبحر العرب على المحيطين الهندي والهادي؛ حيث موانئ الشرق وشواطئه.
وقد لعب البحر الأحمر دوراً محورياً في التجارة العالمية بسبب تراجع أهمية الطرقات البرية المحفوفة بمخاطر النزاعات وبالصعوبات الجغرافية، ووفَّرت قناة السويس على العالم مشقات الاستدارة الطويلة حول إفريقيا إلى ما بعد رأس الرجاء الصالح للوصول إلى الشرق من الغرب أو العكس.
تعد المرحلة الراهنة من أكثر الأوقات صعوبة في بعض مساحات البحر الأحمر، لاسيما في الناحية الجنوبية الشرقية منه، وبالقرب من مضيق باب المندب، لأن الميليشيات الحوثية المتمردة في مناطق من اليمن؛ اختارت توتير الأجواء في المنطقة. وهذه الميليشيات تجاوزت في أعمالها ما كانت تقوم به عصابات من الصومال، وهي أقدمت على زرع ألغام بحرية عشوائية في عدد من الأماكن بالبحر، كما أنها استخدمت طائرات مسيّرة وزوارق صغيرة لخطف سفن تجارية، لكن رفع الإدارة الأمريكية اسم ميليشيات الحوثي عن لائحة المنظمات الإرهابية شجَّع هؤلاء على زيادة اعتداءاتهم في المدة الأخيرة.
المناورات البحرية المشتركة التي جرت بين قوات مصرية وأخرى سعودية في النصف الثاني من شهر يناير/ كانون الثاني الماضي؛ شكلت حدثاً مهماً يحمل أبعاداً أمنية وسياسية استراتيجية واسعة، وقد انتهت التدريبات في مطلع فبراير/شباط بإعلان مدير العمليات العميد علي الشهري الوصول إلى اتفاق على تطبيق برامج وتعليمات فنية وعملانية متطورة، تحاكي المخاطر المحتملة بسرعة فائقة، وقال: إن المناورات شملت إعطاء دروس تطبيقية لأطقم السفن المدنية التي تعبر البحر الأحمر، تُمكنها من تلافي التهديدات، وإطلاق نظام إنذار مبكر يرصد أي اشتباهات أمنية محتملة.
وفي المجال السياسي؛ للمناورات السعودية – المصرية تأثيرات كبيرة في الأوضاع في المنطقة برمتها، وفيها رسالة واضحة للذين يبالغون في الاستثمار بالفوضى، وللذين يشجعون الميليشيات اليمنية المتمردة ويمدونها بالسلاح، ومضمون هذه الرسالة يؤكد رفض التجاوزات الحاصلة من أي طرفٍ كان، وبأن الفريقين لن يسمحا بتهديد الأمن القومي العربي، ولا بفرض حالة من التفلُّت في البحر الأحمر، نظراً لأهمية البحر لاقتصاد البلدين، ولما يُشكل هذا التهديد من خطر على الاستقرار السياسي للدول العربية المجاورة.
وقد شكلت زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الإمارات في أعقاب الاعتداءات التي استهدفت الإمارات؛ رسالة استكمالية للرسالة الأولى التي حملتها المناورات، وهي تؤكد وقوف مصر إلى جانب دول مجلس التعاون الخليجي في مواجهة التهديدات، ولمنع أي استباحة خارجية للمنطقة. والتعاون الاستراتيجي بين مصر ودول الخليج العربي كفيل بتوفير توازن يحمي الاستقرار.
والإنجازات المصرية الأخيرة في مجالات مختلفة؛ أعادت للبلاد مكانتها المتقدمة، وكفلت للشعب المصري خروجاً آمناً من الضائقة التي عاشها في السنوات الماضية. ومصر التي دشنت قناةً إضافية موازية في السويس تؤمن عبوراً آمناً وسهلاً لكبريات السفن العملاقة في العالم؛ لن تسمح بأي تهديد للملاحة الدولية عبر البحر الأحمر، لأن هذا التهديد يشكل مقتلاً للاقتصاد المصري المتنامي.
من الواضح أن أطماعاً خارجية اندفعت في المرحلة الأخيرة وهدفت لزعزعة الاستقرار في المنطقة العربية، ولاسيما في دول الخليج، لكن مقومات الصمود والمناعة عند هذه الدول؛ كبيرة، وعلى غير ما يعتقد المصطادون في المياه العكِرة.
الدفاع عن الأمن القومي العربي أصبح قضية رأي عام لا يمكن إغفالها أو القفز فوقها.