سلّم نحو ألفي شخص، غالبيتهم من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، أنفسهم الثلاثاء إلى القوات الكردية في بلدة الباغوز في شرق سوريا، قبل أن تستأنف هذه القوات بدعم من التحالف الدولي قصفها على الجيب المحاصر مساء.
وتشن قوات سوريا الديمقراطية المشكلة بغالبيتها من المقاتلين الأكراد منذ ليل الأحد هجومها الأخير على البقعة المحاصرة في الباغوز، تمهيداً للقضاء على من تبقى من مقاتلي التنظيم.
وقال المتحدث باسم حملة قوات سوريا الديمقراطية في منطقة دير الزور عدنان عفرين لوكالة فرانس برس في الباغوز الثلاثاء “هناك عدد كبير من المقاتلين وعائلاتهم سلموا أنفسهم اليوم، عددهم نحو ألفين وغالبيتهم من المقاتلين”.
وقال مدير المركز الإعلامي في قوات سوريا الديموقراطية مصطفى بالي في تغريدة على تويتر ليل الثلاثاء “مع مواصلة قوات سوريا الديموقراطية هجومها الأخير على ما تبقى مما يسمى الخلافة، يستسلم الجهاديون بشكل جماعي” منذ الإثنين.
وبعدما كان القصف على جيب الباغوز شبه متوقف منذ ساعات الصباح افساحاً في المجال أمام خروج المحاصرين، استأنفت قوات سوريا الديمقراطية وفق صحافية في وكالة فرانس برس قصفها المدفعي الكثيف بدءاً من الساعة 18،00 بالتوقيت المحلي (16,00 ت غ) تزامناً مع توجيه التحالف الدولي ضربات جوية.
وأحدث القصف وميضاً في السماء وتسبب باندلاع حرائق ارتفعت منها سحب الدخان الأسود.
وقبل وقت قصير من استئناف المعارك، تجمع عشرات المقاتلين مدججين بأسلحتهم، وكانوا على أهبة الاستعداد لاقتحام جيب التنظيم، فور تلقيهم أوامر القيادة.
وقال قائد المجموعة وقدم نفسه بإسم شريف لفرانس برس “جهزنا أنفسنا اليوم ومعنوياتنا مرتفعة”.
وأضاف الشاب الذي يقاتل التنظيم منذ سنوات وهو يمسك جهاز لاسلكي بيده ولفّ رأسه بشال أزرق “طلبوا منا القدوم ووصلنا للتو، يرتاح الشباب حالياً بانتظار الدخول مساء (..) وسنكون نحن في المقدمة”.
ويقتصر وجود التنظيم في الباغوز حالياً على مخيم عشوائي على الضفاف الشرقية لنهر الفرات محاط بأراض زراعية تمتد حتى الحدود العراقية.
وأوضح قيادي رفض الكشف عن اسمه لفرانس برس صباح الثلاثاء، أن قوات سوريا الديموقراطية وطائرات التحالف تستهدف مواقع التنظيم خلال الليل فقط، قبل أن تتراجع وتيرة قصفها خلال النهار.
ويهدف هذا التكتيك وفق ما شرح القائد الميداني علي الشير (27 عاماً) لفرانس برس إلى “تخويف الدواعش من أجل تسليم أنفسهم، وفي الوقت ذاته خروج المدنيين”.
واستأنفت قوات سوريا الديموقراطية الأحد هجومها الأخير ضد التنظيم، بعدما أعلنت أن مهلة “استسلام” مقاتليه قد انتهت.
وقال متحدث باسم التحالف الدولي لفرانس برس في رسالة الكترونية الثلاثاء إن التنظيم “قرر البقاء والقتال حتى النهاية”.
وفي الأسابيع الأخيرة، علّقت هذه القوات مراراً هجومها ضد جيب التنظيم، ما أتاح خروج عشرات الآلاف من الأشخاص، غالبيتهم نساء وأطفال من أفراد عائلات مقاتلي التنظيم.
وبدأت قوات سوريا الديموقراطية منذ أيلول/سبتمبر عملياتها العسكرية ضد مناطق سيطرة الجهاديين في شرق سوريا. وعلى وقع تقدمها العسكري، خرج نحو 59 ألف شخص منذ كانون الأول/ديسمبر من مناطق التنظيم، بينهم أكثر من ستة آلاف مقاتل تم توقيفهم، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وخضع الرجال والنساء والأطفال وغالبيتهم من عائلات مقاتلي التنظيم لعمليات تفتيش وتدقيق في هوياتهم بعد خروجهم. وتمّ نقل الرجال المشتبه بأنهم جهاديون إلى مراكز اعتقال، فيما أرسل الأطفال والنساء إلى مخيمات في شمال شرق البلاد أبرزها مخيم الهول الذي بات يؤوي أكثر من 66 ألفاً.
وذكر مكتب تنسيق الشؤون الانسانية التابع للأمم المتحدة في سوريا، في تقرير نشره الثلاثاء، أن عدد الوافدين إلى الهول تباطأ منذ استئناف الهجوم ليل الأحد. وقال إن غالبية الوافدين الجدد يصلون “ببنية جسدية أكثر سوءاً من أولئك الذين وصلوا في الأسابيع السابقة”.
وتحدث الخارجون من الباغوز لفرانس برس عن نقص كبير في المواد الغذائية وجوع.
وأبدى برنامج الأغذية العالمي “قلقه للغاية إزاء سلامة عشرات الآلاف من الأشخاص الذين وصلوا مؤخراً إلى المخيم” بينهم ثلاثة آلاف غالبيتهم نساء وأطفال وصلوا في “وضع بائس” ليل الأحد.
وشدد المتحدث بإسم البرنامج هيرفه فيرهوسل على “الحاجة إلى تمويل عاجل مع وجود ثغرات في توفير المأوى والمياه والصرف الصحي والنظافة والخدمات الصحية والحماية”. وقال إن الأقسام المستحدثة في المخيم تقترب من “سعتها القصوى”.
ومُني التنظيم الذي أعلن في العام 2014 إقامة “الخلافة الإسلامية” على مساحات واسعة سيطر عليها في سوريا والعراق تقدر بمساحة بريطانيا، بخسائر ميدانية كبيرة خلال العامين الأخيرين بعد سنوات أثار فيها الرعب بقوانينه المتشددة واعتداءاتهم الوحشية.
وفي شريط مصور نشرته حسابات جهادية على تطبيق “تلغرام” ليل الاثنين، ودعا التنظيم أنصاره المحاصرين في الباغوز إلى “الثبات”، في مواجهة الحصار والقصف الذي يتعرضون له.
وتضمن الشريط صوراً لخيم وغرف من الطين وشاحنات، تشبه الى حد بعيد الصور التي سبق لوكالة فرانس برس أن عاينتها من نقاط متقدمة على الجبهة قرب الباغوز.
وقال أحد المتحدثين في الشريط “إن قُتلنا وإن أُبدنا عن بكرة أبينا، فهذا نصر (…) والثبات هو أن تبقى على ما يحبه الله”.
وأضاف الشاب الذي يبدو في الثلاثينات، وقد جلس قربه طفل ورجلان آخران وضعا كوفية على رأسيهما وهما يتناولان الحساء، “إذا كان عندنا آلاف الكيلومترات ولم يبق إلا بعض الكيلومترات، فيقال خسرنا”، لكن “المقياس عند الله يختلف”.
وندد بالحصار “الخانق” الذي يفرضه “هؤلاء الكفرة والمرتدين”، مؤكداً أن “النصر قريب.. والحرب سجال ولم تنته المعارك”.
ولا يعني حسم المعركة في منطقة دير الزور انتهاء خطر التنظيم، في ظل قدرته على تحريك خلايا نائمة في المناطق الخارجة عن سيطرته واستمرار وجوده في البادية السورية المترامية الأطراف.