منذ عام 2006، لم تتزايد احتمالات الحرب بين لبنان وإسرائيل كالوقت الحالي. ومنذ أن هدد الأمين العام لحزب الله “حسن نصر الله” باستخدام القوة لمنع إسرائيل من استخراج الغاز بشكل أحادي من حقل “كاريش”، نشطت ماكينة الدبلوماسية لتجنب الصراع الذي ستكون عواقبه خطيرة.
وفي 13 يوليو/تموز الماضي، هدد “نصر الله” إسرائيل بشكل صريح بالحرب إذا استمرت في خططها لبدء تشغيل حقل “كاريش”. هذه التهديدات – التي تكررت عدة مرات في الأسابيع الأخيرة – سبقها إطلاق 3 طائرات مسيرة باتجاه كاريش في 2 يوليو/تموز.
وكجزء من الحرب النفسية، تم نشر مقطع فيديو يظهر منصة إطلاق وصواريخ إيرانية أرض-بحر من نوع “نور” (نسخة معدلة من صاروخ C-802 الصيني) وصور الأشعة تحت الحمراء من “كاريش” ووحدات الإنتاج والاستخراج الإسرائيلية العائمة حول المنصة، مع إحداثياتها الجغرافية.
وفي نهاية يوليو/تموز، تحرك عناصر من “حزب الله” بالزي العسكري ودون أسلحة على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية، على بعد أمتار قليلة من الجنود الإسرائيليين على الجانب الآخر من السياج.
وبلغت تهديدات “نصر الله” ذروتها في 10 أغسطس/آب. ففي كلمته أمام الحشود أثناء ذكرى عاشوراء، طلب زعيم “حزب الله” من مؤيديه “الاستعداد لأي احتمال”، مهددا: “اليد التي ستلمس ثروتنا ستقطع”.
وقال وزير خارجية لبناني سابق لموقع “ميدل إيست آي” شريطة عدم الكشف عن هويته: “من خلال وضع الخيار العسكري على الطاولة، يريد حسن نصر الله إعادة إطلاق مفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية في وقت أصبح فيه استخراج الغاز في شرق البحر المتوسط قضية عالمية في سياق المواجهة بين روسيا والدول الغربية”.
المحتويات
نزاع الحدود البحرية
قال الجنرال اللبناني المتقاعد “تشارل أبي نادر” إن “غاز شرق المتوسط هو أحد عناصر المواجهة العالمية. إذا تم استخراج ما يكفي من الغاز لاستبدال الغاز الروسي جزئيًا، فقد يغير ذلك المعادلات الدولية، فقد تمكنت روسيا من تحويل الغاز إلى سلاح فعال تسبب في تصدعات في المعسكر الغربي”.
من جانبهم، عبر معارضو “حزب الله” عن التداعيات السلبية المحتملة على لبنان لما تسميه وسائل الإعلام الآن “معادلة نصر الله”.
وحذر زعيم الدروز “وليد جنبلاط” قائلًا: “يجب أن نبقى خارج هذه اللعبة. ينبغي على نصر الله أن يجنب لبنان الحرب التي ستؤدي إلى تدمير متبادل. يمكنك إرسال الطائرات المسيرة وإطلاق الصواريخ لكن حاول التفكير في الرد حتى لو كنت تؤمن بالردع العسكري”.
ومع ذلك، فإن هناك مدافعين عن نهج “نصر الله”، حيث يقول “أبي نادر”: “أعتقد أن هذه المعادلة قد تخدم مصالح لبنان على جميع المستويات. إذا لم يكن لدى لبنان أصول وقدرات ردع تجعلها قوية، لم تكن إسرائيل لتنخرط في عملية المفاوضات غير المباشرة [والمعلقة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2021]”.
ويقول الباحث في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية: “لو لم تكن إسرائيل تأخذ في الحسبان حقيقة وجود قوى في لبنان قادرة على منع استغلال حقل كاريش لكانت بدأت بالفعل في استخراج الغاز”.
وأضاف: “حتى لو تم إسقاط الطائرات المسيرة فوق منطقة كاريش، فقد كانت هذه رسالة إلى الإسرائيليين تظهر جدية وتصميم حزب الله.. وطالما تمكنت الطائرات المسيرة غير المسلحة من الاقتراب من المنصة، فإن ذلك يعني أن الطائرات المسيرة المسلحة ستتمكن من فعل الشيء نفسه”.
وتترافق تهديدات “نصر الله” مع تدابير ملموسة على الأرض، فقد قالت مصادر مقربة من الحزب نفس ما أكده مسؤولو الأمن اللبنانيون، وهو أن “حزب الله” وضع قواته في لبنان وسوريا في حالة تأهب قصوى. وتم إعادة نشر وحدات النخبة في لواء الرضوان (كان الحزب قد نشره حول مدينة حلب ضد الجماعات المسلحة) في جنوب لبنان، وطُلب من وحدات الاحتياط الاستعداد.
وقال مسؤول أمن لبناني لـ”ميدل إيست آي”: “هذه أكبر تعبئة منذ حرب 2006.. يستعد الآلاف من المقاتلين وتم استدعاء أعضاء من حزب الله يعيشون في الخارج، كما تم تنظيم المناورات بتكتم لاختبار فعالية مراكز القيادة والتحكم وكذلك شبكة الاتصالات التي ثبتها الحزب في جميع أنحاء لبنان”.
قرع طبول الحرب
تستعد إسرائيل أيضا للحرب، فقد وضع الجيش الإسرائيلي قواته على الحدود مع لبنان في حالة تأهب قصوى، وتم نشر القبة الحديدية بنسختيها البرية والبحرية في منطقة الصراع. كما عززت البحرية الإسرائيلية وجودها حول حقل كاريش.
وبالرغم من هذا الانتشار العسكري الهائل على جانبي الحدود، يعتقد “أبي نادر” أن الحرب غير مرجحة، قائلا: “عندما يصبح الردع فعالًا، يتناقص احتمال حرب بين الخصوم، لقد رأينا هذا خلال الحرب الباردة وبين الهند وباكستان. والسبب الآخر الذي يبقي شبح الحرب بعيدا هو بحث الغرب عن بعض الاستقرار في الشرق الأدنى والأوسط، حيث سيتسبب الصراع في تهديد الجهود المبذولة لاستغلال موارد الغاز”.
ومع ذلك، فإن المسؤول الدبلوماسي اللبناني السابق الذي قابلته “ميدل إيست آي” لا يتفق مع هذا التحليل، حيث قال: “احتمالات الحرب والتسوية متساوية. هناك العديد من المتغيرات المؤثرة ولا يمكن لأحد التنبؤ بمسار الأحداث على وجه اليقين”.
لذلك، فإن الأطراف المتحاربة تضع إصبعها على الزناد في انتظار نتائج المفاوضات، التي استؤنفت من خلال مبعوث الخارجية الأمريكي للطاقة “عاموس هوشتاين”، حيث استأنف رحلاته المكوكية بين لبنان وإسرائيل منذ منتصف يونيو/حزيران الماضي.
الرد النهائي
يطالب لبنان بحقل قانا بأكمله وبترسيم يعتمد على الخط 23، ويرفض أي مشروع مشترك مع إسرائيل ودفع أي تعويضات مالية. وبشكل عام، يطالب لبنان باستغلال موارد الغاز الخاصة به طالما أن إسرائيل تفعل الشيء نفسه.
ولم يتم رسميا نقل الرد الإسرائيلي النهائي على هذه المطالب إلى السلطات اللبنانية. ومع ذلك، أشارت “القناة 12” الإسرائيلية هذا الأسبوع عن فحوى هذا الرد، مستشهدة بمصادر غير رسمية.
ويبدو أن إسرائيل ستعرض الاحتفاظ بحقل كاريش بالكامل، لكنها ستتنازل بالكامل عن المنطقة المتنازع عليها بما في ذلك حقل قانا، مقابل التعويض المالي عن المناطق المتشابكة والتي يبلغ حجمها ثلث حجم حقل قانا. لكن لبنان يرفض دفع أي تعويض مالي.
وتقترح إسرائيل أيضًا أن يوكل العمل في حقول الغاز اللبنانية والإسرائيلية إلى نفس الشركة، وهي في هذه الحالة “إنيرجين”، المسؤولة عن استخراج الغاز من كاريش. ولكن بالنسبة إلى بيروت التي ترفض أي شكل من أشكال تطبيع العلاقات مع إسرائيل، فإن وجود مشاريع مشتركة مع إسرائيل أمر غير وارد.
وتشير “القناة 12” الإسرائيلية أيضًا إلى أن استخراج الغاز، الذي كان من المقرر أن يبدأ في أوائل سبتمبر/أيلول، سيتم تأجيله حتى أكتوبر/تشرين الأول “لأسباب تقنية “. وهكذا، لم يعد لدى “حزب الله” ذريعة لمهاجمة البنية التحتية الإسرائيلية للغاز في المستقبل القريب.
وتعتقد صحيفة “الأخبار” اللبنانية المقربة من “حزب الله” أن الرد الإسرائيلي يتضمن تنازلات لكنه أيضًا يشمل “العديد من الشراك التي لا يستطيع لبنان قبولها”.
وتنتظر السلطات اللبنانية حاليًا أن ينقل “هوشتاين” رد إسرائيل رسميًا، ويعتمد التسلسل اللاحق للأحداث على تقييم “حزب الله” لهذا الرد.