يمكن أن تصبح أفغانستان ساحة للتنافس السعودي الإيراني في المستقبل القريب، في ظل تاريخ من العلاقات المضطربة بين الإيرانيين والمقاتلين السنة، بما في ذلك حركة “طالبان”.
ولو كانت الولايات المتحدة انسحبت من أفغانستان قبل عدة أعوام، لكانت هناك احتمالات أقل لسعي السعودية إلى استغلال التقدم العسكري لـ”طالبان”، مما قد تفعله الآن.
وواصلت السعودية دعم المسلحين المناهضين لإيران والشيعة في المثلث الحدودي الإيراني الأفغاني الباكستاني وإلى الجنوب على الجانب الباكستاني من الحدود بالرغم من جهود ولي العهد “محمد بن سلمان” لإبعاد المملكة عن الهوية المتشددة التي شكلت تاريخ البلاد وجعلتها شريكا لـ”طالبان”.
• إيران تحذر: “أمن الخليج خط أحمر”
وأوضح وزير الخارجية الإيراني المنتهية ولايته “محمد جواد ظريف” الخطوط العريضة التي يمكن أن تشكلها أفغانستان بالنسبة لإيران، قائلا: “إذا لم تتحرك إيران بشكل جيد وسمحت لطالبان أن تصبح عدوا قريبا من حدودها، أعتقد أن بعض الدول العربية في الخليج ستحاول مع الولايات المتحدة تمويل وتوجيه طالبان لإضعاف طهران وصرف انتباهها عن العراق والدول العربية الأخرى. وسيكون التهديد الأكبر بالنسبة لنا هو تشكيل نظام سياسي مناهض لإيران في أفغانستان”.
ومن المغري مقارنة المشاكل المحتملة لإيران في أفغانستان بسبب “طالبان” بتلك المشاكل التي تواجهها السعودية في اليمن بسبب الحوثيين. وكانت السعودية، قبل الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001، واحدة من 3 دول فقط اعترفت بسيطرة “طالبان” على البلاد. وحينها رأت فرصة في دعم نقطة غليان على حدود إيران.
وقد تغير الكثير منذ ذلك الحين، ليس فقط في العقدين الماضيين ولكن أيضا في الأعوام القليلة الماضية منذ أن كانت السعودية وبعض مسؤولي إدارة “ترامب”، مثل مستشار الأمن القومي “جون بولتون”، يحاولون إشعال حركات تمرد عرقية داخل إيران. وبالطبع فإن أفغانستان ليست اليمن ولا “طالبان” هي الحوثيون.
• لماذا تنظر موسكو إلى مكاسب طالبان في أفغانستان بصورة إيجابية؟
وسعت “طالبان” في الأسابيع الأخيرة إلى طمأنة جيران أفغانستان بأنها تسعى إلى التعاون ولن تدعم التشدد خارج حدود بلادها. واستضافت إيران الشهر الماضي محادثات بين “طالبان” والحكومة الأفغانية انتهت ببيان مشترك دعا إلى تسوية سياسية سلمية وأكد أن “الحرب ليست الحل”.
ومن وجهة النظر السعودية، لن تكون هذه هي المرة الأولى التي تقول فيها “طالبان” شيئا وتفعل آخر، بما في ذلك الوفاء بوعد مزعوم قبل 11 سبتمبر/أيلول بعدم السماح لـ”أسامة بن لادن” بتخطيط وتنظيم هجمات من الأراضي الأفغانية، والرفض اللاحق لتسليمه للسعودية كمواطن سعودي.
ومن المحتمل أيضا دخول أطراف مثل تركيا وقطر على ساحة الصراع في أفغانستان. ومن المحتمل أن تكون معارك الوكلاء أقل بينما يتم التركيز على المعارك الاقتصادية والثقافية والتي تبدو فيها التحالفات مختلفة بشكل كبير عما كانت عليه في الماضي.
وسيكون أحد العوامل الحاسمة في اندلاع الخصومات هو موقف “طالبان” تجاه الجماعات العرقية والدينية غير البشتونية.
وإذا عادت أفغانستان إلى الوضع ما قبل 11 سبتمبر/أيلول 2001، عندما كانت “طالبان” في حالة حرب مع الشيعة الهزارة والأوزبك الأتراك، فمن المؤكد أن إيران وتركيا سيتقاربان، خاصة إذا استأنفت السعودية دعمها لـ”طالبان” ضد إيران. ومن الناحية المثالية، يمكن لإجماع إقليمي أن ينجح في الضغط على “طالبان” لاحترام الحكم الذاتي لمناطق الأقليات.
وقد يكون دعم حركة “طالبان” أمرا صعبا بالنسبة لـ”محمد بن سلمان”، لأنه يسعى لإقناع المجتمع الدولي بأن المملكة انقطعت عن “الخط الإسلامي المتشدد” الذي كان مصدر إلهام لجماعات جهادية مثل المقاتلين الأفغان.
وحتى الآن، من غير المرجح أن تكون الخطوات السعودية لتهدئة حركة “طالبان” وتسهيل حل سلمي للصراع الأفغاني قد جعلت المملكة تتقرب من “طالبان”. وأدان المؤتمر الإسلامي الذي استضافته السعودية حول السلام في أفغانستان في مدينة مكة المكرمة في يونيو/حزيران، أعمال العنف الأخيرة باعتبارها “لا مبرر لها” وأكدوا أنه لا يمكن وصفها بالجهاد.
وصرح “يوسف بن أحمد العثيمين”، الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي التي تضم 57 دولة، والتي تهيمن عليها السعودية، في المؤتمر بأن أعمال العنف التي تقودها “طالبان” ترقى إلى “إبادة جماعية ضد المسلمين”.
وبالرغم من هذا الخطاب، فإن ميل إيران لاستيعاب حركة “طالبان” مع تولي الرئيس المنتخب “إبراهيم رئيسي” منصبه قد يؤدي إلى مفارقة ساخرة، فقد نرى أن إيران والسعودية تدعمان معا جماعة جهادية.
وقال “مهدي جعفري”، وهو لاجئ أفغاني شيعي في بلجيكا: إن الإيرانيين “لديهم الكثير ليربحوه من “طالبان”. الهزارة لاعب ضعيف سيكون كبش فداء في هذه الحرب. وإيران دولة قبل أن تصبح مؤسسة دينية. وستختار أولا الأشياء التي تفيدها كدولة قبل أن تنظر إلى ما يفيد الشيعة”.