الكاتب: صادق الشافعي
استطالة زمن الحرب في أوكرانيا ودونما حسم بأي مستوى تطرح العديد من الأسئلة:
أولها السؤال حول صحة ودقة حسابات القرار الروسي وتبعاته قبيل وحين بدأت روسيا حربها على أوكرانيا، وبالذات لجهة دقة وموضوعية تقديراتها لمدى ونوعية الحرب وتواصل مسارها ومدتها الزمنية المقدّرة، وأيضاً، لجهة دور دول الغرب بشكل عام وحلف “الناتو” بقيادة الولايات المتحدة بشكل خاص ومدى ومستوى الدور الذي سيلعبه، ونوع ومستوى وكمية وسائل الدعم الذي سيقدمه لأوكرانيا وسلطاتها الحاكمة، وبما يوفر لها إمكانيات الصمود في وجه القوات الروسية.
يفرض هذا السؤال، استطالة امد الحرب بشكل لافت، مقترناً بشكل خاص مع عدم قدرة روسيا تحقيق نصر حاسم ولا حتى انتصارات نوعية تتراكم لتصنع النصر النهائي الحاسم.
ويؤكده أيضا، عدم وجود محاولات جادة وذات مصداقية لمفاوضات توصل الى اتفاق لوقف القتال والتوصل الى حلول او مساومات تعالج مسبباته.
ويبدو الأمر ان دول الغرب بشكل عام ودول الحلف الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة بشكل خاص لا مصلحة لها ولا رغبة ولا نية في استعجال انتهاء الحرب الدائرة بسرعة.
يتأكد ذلك من خلال ضعف يقترب من الموات في الحركة الجادة باتجاه الحل السياسي ووقف القتال ومعالجة مسبباته.
كما يتأكد من خلال دعمها غير المحدود لأوكرانيا بالسياسة والسلاح والاقتصاد والأموال والأرصدة البنكية والعملات، وبالإعلام، إضافة الى فرض المقاطعة على روسيا في كل المجالات وبجميع الوسائل المتاحة الأخرى حتى وصلت الى الرياضة والى الفن.
ولم يبق امام الدول الغربية من أشكال الدعم والإسناد لأوكرانيا سوى شكل المشاركة العسكرية المباشرة بالقتال، إذا ما تم التجاوز واعتبار أن الضخ بكل الأشكال المذكورة ليس مشاركة، او انها غير كافية.
ويبدو ان دول الغرب، حتى الآن، ليست في وارد الدخول بهذا النوع من المشاركة (العسكرية) مكتفية بوسائل الدعم والإسناد التي تمت الإشارة لها.
ككل حرب وبغض النظر عن قواها ومسبباتها ودوافعها وأهدافها فهي لا تحمل معها الا الخراب والدمار والويلات تطال بها أولاً وأساساً مواطني الأطراف المتحاربة واستقرارهم ورفاهيتهم، كما تطال المقومات والركائز الأساسية لأوطانهم في كل المجالات، وهذا ما يحصل في أوكرانيا ولأهلها، ولمقومات دولتها.
صحيح وواضح، ان هناك اتساعاً لدائرة الحرب واطرافها وأيضاً لعنفها، بغض النظر عن مدى وشكل مشاركة الأطراف الجديدة. ولكنه صحيح وواضح أيضا
ان مسارها وتطورها يؤكدان أن لا رغبة ولا نية لأي طرف من أطرافها بتصعيدها الى مستوى حرب عالمية ثالثة.
الواضح بالمقابل، ان دول الغرب بقيادة واضحة وصريحة للولايات المتحدة تتجه نحو إطالة امد الحرب وتوسيع دائرة المشاركة فيها حتى لو تنوعت وتعددت اشكال ومستويات تلك المشاركة. الهدف الرئيسي وراء ذلك ان تخرج الدولة الروسية من هذه الحرب منهكةً مستنفدة وضعيفة، الى الدرجة التي لا تعود معها مؤهلة وقادرة على مواصلة احتلال موقعها والقيام بدورها بوصفها القطب العالمي الثاني الموازي والمقابل للقطب الأميركي.
لقد ظلت الدولة الروسية تملأ هذا الموقع وتحافظ عليه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بقواها الذاتية السياسية والعسكرية والاقتصادية والعلمية والتحالفية العالمية.
لم يؤثر على استمرار وثبات ملئها لهذا الموقع او يضعفه انفراط حلف وارسو.
وباستثناء فترة محدودة هي فترة رئاسة بوريس يلتسين، فلم يؤثر فيها أيضاً، انفراط وحدة مكونات الاتحاد السوفياتي.
وقد كانت (روسيا) هي الكيان الأساس في حلف وارسو وفي الاتحاد السوفييتي ايضا، ثم كانت الوريث التلقائي والمتواصل لهما والقادر على مواصلة احتلال موقع القطب العالمي بكل اقتدار.
يزيد من هذا الاقتدار، علاقاتها المتميزة مع الصين: النجم الدولي الصاعد في الفضاء الدولي باقتدار وقوة مميزين على الصعد الاقتصادية والإنتاجية والعسكرية بالذات، الى جانب الكثافة السكانية الهائلة، الموحدة المنسجمة والمتماسكة في نفس الوقت.
من النتائج المباشرة حتى الآن للحرب الدائرة في أوكرانيا انكشاف موقع ودور دولة الكيان الصهيوني، فمع استطالة الحرب وتعمق الفرز بين أطرافها لم تعد دولة الاحتلال مقبولة ولا قادرة على الاستمرار بالادعاء انها في موقع الوسط بين الطرفين المتحاربين، وادعاء موقف الحياد وعدم الانحياز بينهما. وأكثر من ذلك، فإنها لم تعد مؤهلة ولا قادرة على مواصلة الإعلان عن استعدادها لعب دور الوسيط بينهما.
فمع تطور القتال واتساع دائرته لم يعد ممكناً الا ان ينكشف انحيازها التام الى دول الغرب وبالذات الى الولايات المتحدة قائدة هذه الدول وقائدة الحرب الدائرة.
لم تغادر الحرب في أوكرانيا مربع البدايات، وما تزال مؤهلة لتحمل الكثير من التطورات ومن المفاجآت أيضاً.