إسرائيل وهاجس الحرب مع “حزب الله” خوف من الأنفاق

دبابات

كان “حزب الله” حاضرا طوال الحرب الإسرائيلية على غزة، إن لم يكن بجسده فعلى الأقل بروحه، وإن لم يكن في ذهن العرب ففي أذهان الإسرائيليين على أضعف تقدير.

وأمام كل عقبة واجهت الجيش أو الجمهور الإسرائيلي في حرب “الجرف الصامد”، كان “حزب الله” يبدو ماثلا للعيان، فالقتال في غزة المحاصرة هو شكل مبسط وميسر من أشكال القتال المتوقع إسرائيليا في “حرب لبنان الثالثة” مع “حزب الله”.

في البدء كانت الصواريخ وأساليب القتال، التي خبرها الإسرائيليون في صراعهم مع “حزب الله” ووجدوها مكثفة وأشد إيلاما في البطن الرخوة قبالة قطاع غزة وعلى مقربة منه. وبعد ذلك جاءت الأنفاق. وبصرف النظر عن صحة أو عدم صحة التقديرات الإسرائيلية فإن أنفاق غزة على خطورتها، في نظرهم، هي غيض من فيض أساليب قتال يدخرها الحزب لمعركته المقبلة. وعندما يلحظ الإسرائيليون الجرأة في أداء المقاومة الفلسطينية في غزة، بهجماتها الجريئة عبر الأنفاق، يتراءى لهم خطر أشد وأوسع في الجنوب اللبناني.

فغزة المحاصرة والفقيرة في نظر إسرائيل هي أقل قدرة من جنوب لبنان المنفتح على لبنان بأسره، والممتد على سوريا والعراق وإيران. ولذلك إذا كانت الأنفاق في غزة خطرا فإنها في الجنوب اللبناني خطر أشد. ويكفي هنا استذكار أن “حزب الله” سبق وهدد في مرات سابقة بأنه لا يستبعد في أي جولات قتال مقبلة أن ينفذ هجمات إستراتيجية، يقوم فيها باحتلال مواضع في الجليل. والواقع أن إسرائيل لم تتعامل مع هذا التهديد على أنه كلام، بل تأخذه بجدية. ومن المؤكد أن هذه الجدية في النظر إلى هذا التهديد باتت أشد بعد كل ما جرى في غزة.

لقد أثارت أنفاق غزة الذعر في نفوس الإسرائيليين المقيمين في مستوطنات غلاف غزة، وذكرت المستوطنين في الشمال، قرب الحدود اللبنانية بخطر فعلي تحت أقدامهم. وليس صدفة أن بدأت الشكاوى تصدر عن المستوطنين ممن صاروا “يسمعون” الحفر تحت بيوتهم في الليالي. وقد اضطر قائد الجبهة الشمالية الجنرال يائير جولان للاجتماع بقادة المستوطنات الشمالية للبحث معهم، على وجه الخصوص، في مخاوفهم بشأن الأنفاق. وجاء الاجتماع مع قائد الجبهة بعد فشل اجتماع مع قائد “الفرقة 91” أو فرقة الجليل الجنرال موتي كاتس في توفير ردود لقادة المستوطنين حول خطر الأنفاق على الجبهة مع لبنان.

وحسب ما أوردت وسائل الإعلام الإسرائيلية فإن جولان عرض المخاطر المحتملة على الجبهة، مشددا على أنه “رغم أن خطر الأنفاق ليس الخطر الاستراتيجي الأساس على الحدود الشمالية، إلا أن الجيش الإسرائيلي مستعد لمواجهة هذا السيناريو”. واعترف بأنه “في هذا الوقت تحديدا، لا علم لدينا عن أنفاق هجومية من اتجاه لبنان”، مشددا على أن الخطر الأساس هو خطر الصواريخ.

ومن الواضح أن ثماني سنوات من الهدوء على الجبهة الشمالية تبخرت لدى الإحساس بأن هذا الهدوء يخفي جهدا لتركيم القوة وتعظيمها في الجانب اللبناني. ورغم إدراك إسرائيل لانشغال “حزب الله” في القتال في سوريا، إلا أنها تدرك أن الحزب يكسب خبرة في القتال وإدارة معارك على نطاق واسع، وحتى في استخدام منظومات سلاح وأساليب قتال جديدة. ولذلك فإن هذا الشعور يربك الكثير من القادة العسكريين والسياسيين، ويجعلهم أشد تحسسا تجاه احتمالات الواقع المقبل.

وهناك في إسرائيل من صار يرفع الصوت عاليا، منذرين من الإخفاق الإسرائيلي الذي سيظهر لاحقا، وبشكل أساسي في مسألة الأنفاق من لبنان. ويقول هؤلاء إن إسرائيل تخطئ كثيرا عندما تفسر الهدوء السائد على الحدود مع لبنان على أنه إحدى ثمرات الردع. ويتساءلون: هل أن اندفاع “حزب الله” لتعظيم قوته، وربما التركيز أيضا على بناء أنفاق هجومية، يعبر عن نجاح إسرائيلي في ردعه.

ويقول خبراء إسرائيليون إن الأنفاق كانت بين عبر ودروس “حرب لبنان الثانية”، وبهدف توفير قدرة إطلاق ومواضع اختباء وحماية لمقرات السيطرة والقيادة، وأن الأنفاق، التي يبنيها “حزب الله” تحتوي أيضا على مطابخ وغرف خدمات وعيادات، وكل ما يتطلبه وجود مئات من المقاتلين دفعة واحدة. وهذه الأنفاق لم تبنَ فقط في الجنوب اللبناني، وإنما أيضا في البقاع.

ويشير خبير الجيولوجيا الفائز بجائزة “أمن إسرائيل” يوسي لانجوتسكي، الذي سبق وحذر مرارا من الأنفاق في الجنوب، إلى أن خطر الأنفاق في الشمال قائم وموجود، منكرا أن فوارق التربة وكونها صخرية تمنع بناء الأنفاق في الشمال. وأشار إلى أن في كوريا أنفاقا بطول كيلومترات عديدة حفرت بين الشمال والجنوب، رغم أن الصخر هناك أشد صلابة من الصخر الموجود بين إسرائيل ولبنان. كما أن أميركا تجابه خطر الأنفاق على الحدود بينها وبين المكسيك، وهناك أحاديث عن استفادة “حزب الله” من خبرة الأنفاق في كوريا والمكسيك.

لكن الأوساط الأمنية الإسرائيلية تحاول طمأنة المستوطنين عن طريق الإشارة للفارق بين الأرض في محيط غزة، التي تسهل الحفر، والصخور في الشمال التي تعرقل ذلك. ويشدد الجيش على أنه حتى الآن لم يتم أبدا العثور على أية أنفاق داخل إسرائيل ممتدة من لبنان، رغم أنه سبق للجيش العثور على أنفاق داخل جنوب لبنان. لكن هذه الأقوال لا تقنع أحدا هناك.

وكان الخوف من أنفاق “حزب الله” قد تولد أيضا أثناء “حرب لبنان الثانية”، حين أنشأت المقاومة ما عرف بـ”المحميات الطبيعية”، وهي مواقع تحت الأرض حفرت لاختباء المقاتلين ولتمويه الصواريخ. وزادت هذه المحميات من شعور الإسرائيليين بأن الحزب يحفر أنفاقا ذات طبيعة هجومية، وتمتد إلى داخل إسرائيل. بل إن أحد المواقع الإعلامية الإسرائيلية نشر صورة لمكان داخل لبنان على الحدود مع إسرائيل، يشير المستوطنون إلى أن شاحنات تأتي لتنقل منه ترابا من الحفريات التي تجري لأنفاق تحت الأرض.

ويؤكد “منتدى رؤساء مستوطنات خط المواجهة مع لبنان” أن الخشية حقيقية من أنفاق هجومية يحفرها “حزب الله”. وطالب رئيس بلدية كريات شمونا نسيم مالكا وزير الدفاع موشي يعلون بأن يأمر بفحص فوري لمسألة الأنفاق على الحدود مع لبنان. وأوضح أن شكاوى تصل من مناطق مختلفة، خصوصا مستوطنات مرجليوت وكريات شمونا ودوفيف وكفار يوفال، بأنهم يسمعون ليلا أصوات حفر تحتهم.

وحاول متحدث باسم الجيش الإسرائيلي تبديد الانطباعات الشائعة، فقال إن “الجيش الإسرائيلي ينفذ عمليات أمنية على طول الحدود الشمالية، مركزا على مكونات الدفاع والاستخبارات المتنوعة، منطلقا من الفهم أن الأنفاق تندرج بين الأخطار المحتملة. وحتى الآن، وعند تلقي كل شكوى حول سماع ضجيج وشبهة بوجود نفق، يقوم الجيش بفحص الأمر عن طريق وحدات ومعدات خاصة. وحتى اليوم لم يتم العثور على أي فتحة أو نفق”.

وتعتبر أوساط إسرائيلية أن أنفاق “حماس” في القطاع هي “لعب أطفال” مقارنة مع ما بناه “حزب الله” خلال العقدين الماضيين. وتقول هذه الأوساط إن خبراء إيرانيين ضالعون بشكل كبير في حفر هذه الأنفاق، التي تعتبر متطورة في بنائها وتهوئتها ووسائل الاتصال فيها.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن