ابتسامة في الطريق العام!

الكاتب: د. ديمة طارق طهبوب
كان مزاجي عاديا لا بالفرح ولا بالكئيب، ولكنه مطمئن بضمانة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من صلى الفجر فهو في ذمة الله، قدت سيارتي في طريق أعرفها وبدأت أفكار اليوم ومشاغله تدور في رأسي الى أن توقفت الاشارة وأسعدني الحظ ان وقفتي جاءت بقرب باص أطفال تابع لاحدى جمعيات تحفيظ القرآن، وبحياء طفلة وشقاوتها أطلت بسمتها علي من وراء الشباك ولوحت بيدها، غمزتها ضاحكة فحاولت ان تغمزني، لوحت لها أرد تحيتها فنادت صديقتها واخرى واخرى حتى كاد الباص كله يتجمع على الشباك الذي جمعني في صباح دافئ ليس ككل يوم حيتني فيه هذه الطفلة الملاك وغمزتها وغمزتني فشبكت قلبي بصنارة الحب والطهر والامتنان.

اشعر بالسعادة عندما يحبني الاطفال، أشعر بالطهر وكأن في الامر رسالة من الله بالقبول، فالمؤمن يألف ويؤلف وكنفه يطأه البر حتى الفاجر، والاطفال خصوصا ورقة بيضاء بلا ذنوب بل الاحسان اليهم فيه كثير من الاجور وجلاء للهم والحزن.

لماذا ابتسمت لي يا ترى؟ لا بد أني أشبه أمها وخالتها وكثيرا من معارفها، لا بد ان حجابي أعطاها رسالة ايجابية بالاطمئنان الي، لا بد ان أخبرها بأننا نمكن ان نكون اصدقاء في هذه العجالة السريعة.

فتحت الاشارة وذهبت صاحبة الابتسامة والغمزة وصديقاتها بعد ان ملأن يومي بافتتاحية أغبط عليها! هذه الطفلة جعلتني أفكر كم هي الاشياء التي تسعدنا بسيطة وكم نستطيع ان نبذلها في سياقها المقبول للداني والقاصي وكم نغفل عنها في العالم المتبلد الذي نعيشه حتى أصبحنا عرضة للمثل والتندر بأن وجوهنا لا تضحك حتى للرغيف السخن!

ذهبت صاحبة الابتسامة والغمزة ولكنها تركتني أفكر بأخلاق الطريق والقيادة الذي نمضي فيه اوقاتا كثيرة بسبب الازدحام المطرد وغالبا ما يكون وقتا عصيبا مزعجا مستفزا للاعصاب متعبا للصحة مستجلبا للتشنج؛ لأننا نغفل عن كثير من الخير الذي يمكن ان نمارسه والحسنات التي يمكن ان نكسبها ونحن على الطريق العام ولذلك جعل الحديث حقا للطريق وفوق الحق برا وصدقة تصبح على المسلم كل يوم بأن يحمل اخيه ويساعده ويخفف عليه عنت ومشقة الشوارع

أرفض المقولة بأن اولاد الحرام لم يبقوا لاولاد الحلال مجالا، وان يحكمنا الخوف والشبهة فامرأة عجوز محنية الظهر تحمل اكياسا تفوق قدرتها تمشي قريبا من بيتي والدكان الذي اشتري منه يبدو على ملامحها انكسار الوحدة وعدم وجود من يخدمها لن تهدد سلامتي او تعرضني للخطر! لن أتأخر على «الوزارة» اذا انتظرت قليلا لافسح لام واطفالها وشيخ كبير بعبور الشارع، لن ينقص من كرامتي ولن اقصر اذا افسحت المجال للاخرين بالعبور قبلي في غير تعد، ولعلي كمحجبة اجد هذا لزاما علينا اكثر لايصال رسالة سريعة قصيرة أن هذا الزي ليس مجرد رداء وانما الاخلاق هي ما يزينه.

وانتم على الطريق العام تمضون الساعات انظروا الى اخلاقكم في قيادتكم وانظروا لها أنها حسنات تثابون عليها او معاص تعاقبون عليها، فخلق «الدابة» والسيارة دابة بما انها تدب على الارض انعكاسة لما تحملون في قلوبكم، فالمعروف شيء هين كما قيل: وجه طليق وكلام لين

تفننوا في بذل المعروف بحقه ولاصحابه ولا تستثقلونه فابتسامة من ثغر صادق كفيلة ان تحيل سحابات الاسى الى شموس مشرقة في حياة من ينتظرها.

كل امرأة عجوز على الطريق أمي وجدتي، كل شيخ كبير والدك ايها الرجل، كل فتاة محتشمة ابنتي واختي أخاف عليها من الليل والطريق المقطوع، لو عشنا بهذه النفسية فربما نكون على أعتاب الجنة وان في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الاخرة.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن