الأسرى الإسرائيليون قنبلةُ نتنياهو في حجرِ بينت

الأسرى الإسرائيليون قنبلةُ نتنياهو في حجرِ بينت
د. مصطفى يوسف اللداوي

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

غادر رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق بنيامين نتنياهو منصبه مرغماً، مكسوفاً مكسور الخاطر، إذ لم يحقق حلمه القديم وأمله الكبير، ووعده الدائم باستعادة جنوده الأسرى ورفاتهم لدى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، رغم الحروب الدامية التي خاضها ضدهم، وهو الذي تعهد كثيراً أمام شعبه وذوي جنوده الأسرى بإعادتهم إلى بيوتهم، وجمعهم مع عائلاتهم، ودفن القتلى منهم في مقابر معروفةٍ، تحوي رفاتهم وتحمل أسماءهم.

إلا أن المقاومة الفلسطينية الصامدة في مفاوضاتها، والثابتة على شروطها، والمصرة على تنفيذ إرادتها، كشفت بصمودها سوأة نتنياهو، وأظهرت عجزه وأبانت ضعفه، وفضحته أمام خصومه ومؤيديه، وجرأت ذوي جنوده عليه، وأطلقت العنان لوسائل الإعلام لانتقاده واتهامه، وتوجيه اللوم له والهجوم عليه، فقد كان يتبجح بقرب استعادة جنوده، وادَّعي أنه الوحيد القادر على إنهاء ملفهم، وتعهد كثيراً في حملاته الانتخابية بتسويةٍ مشرفةٍ لملفهم، إلا أن شيئاً من وعوده لم يتحقق.

ماطل نتنياهو وأَخَّرَ، وناور وعاند وفشل في تحقيق هدفه، وعجز الوفاء بوعده، رغم المساعي الكبيرة التي بذلها على المستويين الأمني والعسكري لاستعادتهم بالقوة، أو بعملٍ أمنيٍ خارقٍ، دون أن يكون مضطراً لمبادلتهم بأسرى فلسطينيين، ودفعِ أثمانٍ باهظةٍ مقابلهم، ورغم جهود الوسطاء الدوليين الذين حاولوا مساعدته، وبذلوا جهوداً مضنية للتوصل إلى اتفاقٍ مرضي مع المقاومة في غزة، يحققون بها هدفه، وينقذونه من ورطته، ويساعدونه في الاحتفاظ بمركزه ورفع نسبة التأييد الشعبي له، إلا أن تبجحه خَسَّرَه، وعناده أفقده الفرصة، وغروره حرمه من نشوة النصر وفرحة الإنجاز.

غادر نتنياهو منصبه الرفيع لخلفه نفتالي بينت، إلا أنه ورثه ملف جنوده المستعصي، وحَمَّله مهمة استعادتهم المستحيلة وتسوية قضيتهم المتعسرة، علماً أنه الذي كان يقف حجر عثرةٍ أمامه، ويضع شروطاً تعجيزيةٍ تقيده وتقعده، وتحول دون تمكنه من التفاوض والمساومة، فقد كان خلال وجوده في حكومات نتنياهو السابقة، وأثناء توليه حقيبة وزارة الحرب، يرفض رفضاً تاماً الإفراج عن أسرى فلسطينيين ممن يصفهم بأن أيديهم ملطخة بدماء اليهود، وكان يصرُ على موقفه، ويتشدد في شروطه، ويعلن وائتلافه معارضته لأي صفقة مؤلمة مع المقاومة الفلسطينية، ما أفشل جهود الوسطاء وأعيا نتنياهو وخَيَّبَه.

استغل نتنياهو الظرف وأطلق العنان لسيلٍ من الاتهامات والانتقادات العلنية المباشرة لغريمه الجديد وحليفه القديم نفتالي بينت، وطالبه بالتصدي لهذه الأزمة، وعدم تأجيلها أو القفز عليها، وأوعز إلى مجموعةٍ كبيرةٍ من الأمنيين والعسكريين المؤيدين له والمتوافقين معه، بإطلاق التصريحات المحرجة وتسليط الضوء على بعض الثوابت المتعلقة بعمليات تبادل الأسرى، والأثمان التي يجب دفعها في سبيل إتمامها، مطالبين إياه بسرعة التحرك وفعالية التفاوض، واستغلال الظرف وعدم تفويت الفرصة، وإطالة أمد غياب جنودهم ومضاعفة معاناة أهلهم.

يعمل نتنياهو على إحراج بينت وحكومته، ويقول له أن التهدئة مع قطاع غزة يلزمها بعض الرفاهية، وفتح المعابر وزيادة حجم السلع والمواد الضرورية للتخفيف عن السكان، ولا يكفي التهديد بالقوة والتلويح بالشدة والعنف، ولا محاولات التظاهر بالذكاء والتلاعب بالتصريحات لتغيير الواقع، ولن يعود الجنود دون ثمنٍ تؤديه وبدلٍ تدفعه، ولا أثمان تملكها “إسرائيل” غير الأسرى الفلسطينيين.

وكان الجنرال احتياط غيورا آيلند قد تهكم على حكومة نفتالي بينت، وعلى كل من يعتقد أنه يستطيع إعادة الجنود دون دفع ثمنٍ، وقال في مقابلةٍ له مع إذاعة جيش كيانه، بأن “من يتوقع إعادة الجنود والمفقودين من غزة دون تحرير أسرى فلسطينيين هو واهمٌ، ولا يفهم في هذا الموضوع”، واعتبر أن الوفود الأمنية الإسرائيلية التي تفاوض في القاهرة تعرف الثمن جيداً، وتدرك أنه لا مفر من دفعه، إلا أن بينت يرفض ويكابر، ولكنه سيكون مضطراً لدفعه في نهاية الطريق.

قد لا يكون نتنياهو يريد لنفتالي بينت أن يحقق هذا الإنجاز، ويعيد الجنود إلى بيوتهم وأسرهم، وتقوم عائلات من قتل منهم بدفنهم والوقوف على قبورهم، فهذا إذا تحقق وفق رؤية بينت وشروطه، فإنه سيحسب له وسيصب في صالحه، وستكون سابقة حكومية تضر بسمعته الحكومية وتضعف مركزه، ولكنه يريد توريط بينت وفريقه في هذا الملف، ودفعه للقبول بشروط المقاومة والنزول عندها، والوفاء بها ودفعها ولو كانت مؤلمة وباهظة، ليثبت صوابية رأيه ورجاحة عقله وحكمة سياسته، وليظهر كذب بينت وخداعه، وضحالته وقلة تجربته، وأنه لا يحسن غير جعجعة المعارضة وغباء التعطيل.

يعلم نتنياهو وأركان حكوماته القديمة وقادة المعارضة الجدد، تماماً كما يعلم بينت وأقطاب ائتلافه المتهالك، ويدرك الأمنيون والعسكريون الإسرائيليون جميعاً، أن قضية جنودهم لن تحل دون ثمن، وأن استعادتهم لن تكون بغير حرية الأسرى الفلسطينيين، وأن أي معلوماتٍ بشأنهم أو تخصهم، لن يفرج عنها قبل إتمام صفقة شاليط الأولى، وإطلاق سراج جميع من أعيد اعتقالهم، فهذا وعدٌ قطعته المقاومة على نفسها، وتعهدت به تجاه شعبها، وخاضت في سبيله مع شعبها أصعب الحروب وأشدها، وهي تتمسك بشروطها، وتصر على مواقفها، وسيخضع لها عدوها ويلتزم صاغراً بها، وهي تعد بمفاجئاتِ جديدةٍ تسر شعبها وتغيظ عدوها، وتحقق به وعيدها وعددها 1111.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن