“الإخوان” والهرولة التركية نحو إسرائيل.. تطبيع “حلال” وآخر “حرام”

"الإخوان" والهرولة التركية نحو إسرائيل.. تطبيع "حلال" وآخر "حرام"

الكاتب: عريب الرنتاوي

الأخبار المتفائلة بشأن مستقبل العلاقات التركية – الإسرائيلية، لا تصدر إلا عن أنقرة، بل وعن الرئيس رجب طيب أردوغان شخصياً، فهو وحده ينفرد بالكشف عن المواعيد المقترحة المتلاحقة لزيارة الرئيس الإسرائيلي اسحق هيرتسوغ لبلاده، وهو وحده من ينفرد كذلك، بتحديد جدول أعمال الزيارة ومجالات التعاون المستقبلية بين البلدين.. وفي الآونة الأخيرة، لا يكاد يمضي يومٌ واحدٌ من دون أن ترد المسألة على ألسنة الرئيس وصحبه.

في المقلب الآخر، يغلب الحذر والاستمهال على تصريحات المسؤولين الإسرائيليين حين يتناولون المسألة، ولا يُظهر أيٌ من قادة إسرائيل، الحماسة البالغة حد التهافت، التي تتبدى على ألسنة نظرائهم الأتراك… أما كتاب الأعمدة والمقالات في الصحف العبرية، فهم يتحدثون عن “مفاوضات القنافذ”، ويغلب على تحليلاتهم، انعدام اليقين بشأن مستقبل العلاقات بين دولتين كانتا حليفتين إستراتيجيتين ذات يوم.

هي حلقة في مسلسل استدارات الزعيم التركي، بعد سنوات عشر عجاف، غادر خلالها مربع تصفير المشاكل والقوة الناعمة والقيادة بالأنموذج، وغيرها من الشعارات والمبادئ التي ميزت العشرية الأولى من حكم “العدالة والتنمية” لتركيا، قبل أن يستبدلها بسياسة العسكرة ونشر القواعد العسكرية والتدخل الخشن في شؤون دول مجاورة وبعيدة، واعتماد الميليشيات والمرتزقة في حروب الوكالة التي خاضها في كل من سوريا والعراق وليبيا وأذربيجان.

♦ أردوغان يعلن عن زيارة مرتقبة للرئيس الإسرائيلي إلى تركيا

استدارات بالجملة، بدأت مع السعودية والإمارات، ومرت بمصر التي ناصبها أشد العداء منذ إسقاط حكم الإخوان المسلمين في يونيو/ يوليو 2013، ويستكملها اليوم مع إسرائيل، بعد أن ارتدَّ الكثير من مغامرات “السلطان” بأوخم العواقب على علاقات بلاده مع دول المنطقة والعالم، بما فيها واشنطن و الناتو، قبل أن تضرب الاقتصاد والليرة التركيين في الصميم.

الخيط الواصل بين مرحلتي صعود وهبوط تجربة العدالة والتنمية التركية، هو الموقف من القضية الفلسطينية، إذ من دون إنكار حقيقة أن لتركيا موقفاً داعماً من القضية الفلسطينية، إلا أنه كان واضحاً لكل أعمى وبصير، وتحديداً في عشرية “الربيع العربي”، أن فلسطين في خطاب أردوغان، كانت بمثابة “قميص عثمان”، يجري التلويح به بحثاً عن “شعبوية” في الداخل، وبالذات في الأوساط الشعبية البسيطة ومعسكر المتدينين، وفي الخارج كذلك، بهدف كسب الرأي العام العربي.

لكن، حتى في ذروة احتدام الخطاب الشعوبي المناهض لتل أبيب منذ ”دافوس و ”مافي مرمرة“، لم يقدِم السيد أردوغان على اتخاذ موقف عملي واحد يلحق الضرر بإسرائيل، بل على العكس من ذلك تماماً، فقد حافظ على مستوى من التبادل التجاري، راوح ما بين خمسة إلى ستة مليارات دولار سنوياً، وهو رقم يفوق بمرات، إجمالي تجارة إسرائيل مع العالم العربي، قبل موجة التطبيع الأخيرة وبعدها.

والحقيقة أننا هنا، لا نجادل في حق تركيا في رسم السياسة الخارجية التي ترى أنها تخدم مصالحها القومية على نحو أفضل، بيد أننا في الوقت ذاته، نضع خطوط تشديد متكررة تحت الجمل ”الفوق ثورية“ التي ميّزت خطاب ”السلطان“ ومواقفه من إسرائيل، في طبعة مزيدة وغير منقحة، عن خطابات ”سوق عكاظ“ السياسي العربي.

♦ تركيا: اعتداءات الحوثيين على السعودية والإمارات إرهاب

ونود أن نلفت أيضًا، إلى طوفان الأوهام التي صاحبت صعود ”الأردوغانية“ في العالم العربي، وتغذّت بفعل النفوذ الكبير لحركات الإسلام السياسي، الإخواني بخاصة، وهي الحركات التي أثقلت مسامعنا بشعاراتها الرافضة للتطبيع بالأمس، في الوقت الذي يبتلع فيه قادتها اليوم، ألسنتهم ويلوذون بصمت القبور حيال هذا التهافت التركي على التطبيع مع إسرائيل، وشهية أنقرة المفتوحة لاستجرار ”الغاز الفلسطيني المسروق“ قبل تصديره إلى أوروبا، لكأننا أمام ”تطبيع حلال“ وآخر ”حرام“ في عُرف هؤلاء ”الشرعيين“، فأي نفاق هذا، وأي ازدواجية في معاييرهم؟

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن