التردد الأوروبي يفسح المجال لنفوذ صيني وروسي أكبر غرب البلقان

التردد الأوروبي يفسح المجال لنفوذ صيني وروسي أكبر غرب البلقان
التردد الأوروبي يفسح المجال لنفوذ صيني وروسي أكبر غرب البلقان

جدد الاتحاد الأوروبي التزامه لدول غرب البلقان بقبول عضويتها ضمن تركيبته، لكن دون حصول أيّ تقدم ملموس في ملفات انضمامهم المجمدة، ودون تحديد أيّ جدول زمني للتوسيع.

وزادت القمة التي عقدت الأربعاء بمدينة بردو في سلوفينيا من مخاوف محللين من أن يقوض غياب الالتزام السياسي مصداقية بروكسل في المنطقة ويزيد من احتمال اختيار بعض الدول المرشحة لعضوية الاتحاد التقرّب من روسيا والصين كرد فعل على انتظارهم لسنوات على أمل أن تفتح أبواب الاتحاد أمامهم.

وسلطت القمة الضوء على انقسام واضح بين المفوضية الأوروبية، بقيادة الألمانية أورسولا فون دير لاين، التي كانت تؤيد بوضوح توسيع الاتحاد، وبين المجلس الأوروبي برئاسة الفرنسي تشارلز ميشال الذي أبدى تحفظات واضحة بشأن توسيع الاتحاد الأوروبي.

وقال ميشال بوضوح إنه ليس سراً أن الدول الأعضاء الـ27 لم تكن على نفس الرأي حول قدرة الكتلة على قبول أعضاء جدد. بينما تؤيد لاين انضمام أعضاء جدد، ولكن ليس في الوقت الحالي، وليس حتى عام 2030 – كما اقترحته سلوفينيا – ولكن “عند استيفاء جميع الشروط”.

ولم يكن لدى الاتحاد الأوروبي تجارب إيجابية فيما يتعلق بتوسيعه باتجاه الشرق الذي حدث مع رومانيا وبلغاريا، أو مع مجموعة فيشغراد التي تضم المجر وبولندا وسلوفاكيا وجمهورية التشيك.

ويبلغ عدد سكان دول غرب البلقان الست – مونتينيغرو، وصربيا ومقدونيا الشمالية وألبانيا وكوسوفو والبوسنة والهرسك – أقل من 18 مليون نسمة، بما يعادل إقليم غرب البلقان تقريبًا مساحة شمال الراين – وستفاليا (ألمانيا). كما أن مجموع الناتج المحلي الإجمالي لدول غرب البلقان مماثل للناتج المحلي الإجمالي لسلوفاكيا. وهذه الأرقام لا تشير إلى شيء كبير يمكن أن يسبب مشاكل لأوروبا.

وبغض النظر عن تردد الاتحاد الأوروبي فإن دول غرب البلقان على خلاف مع بعضها بعضا، مثل صربيا وكوسوفو، ناهيك عن تفشي الفساد والجريمة في معظم أنحاء المنطقة.

وهناك مخاوف داخل الاتحاد الأوروبي بشأن بعض هذه البلدان. فإسبانيا، على سبيل المثال، ترفض الاعتراف بكوسوفو لأنها ترى وجود صلة مباشرة بين حالة كوسوفو وحالة الشعب الكتالوني والباسك. كما أن بلغاريا متورطة في نزاع لغوي مع مقدونيا الشمالية التي اضطرت إلى تغيير اسمها السابق “مقدونيا” بسبب الحساسية اليونانية لتتمكن من بدء محادثات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

ولا تريد هولندا لأعضاء العصابة الألبانية، التي تسيطر حاليًا على تجارة المخدرات في البلاد، أن يتمكنوا من السفر والبقاء هناك. في حين أن ألمانيا منزعجة من طالبي اللجوء اليائسين، وأولئك الذين يأتون كزوار ولا يغادرون، كما ترى فرنسا أن المنطقة تعرقل “الاستقلال الذاتي الاستراتيجي” المنشود لأوروبا.

لذلك يواصل الاتحاد الأوروبي المماطلة بخصوص البلدان المذكورة إلى أجل غير مسمّى، بينما يقدم، من ناحية، قائمة من المطالب بشأن قضايا مثل الديمقراطية وسيادة القانون ومحاربة الفساد وما إلى ذلك، ومن ناحية أخرى، يعزر برامج الاستثمارات والبنية التحتية.

ويسعى الاتحاد في المقام الأول إلى تهدئة الطبقة السياسية غرب البلقان والحفاظ عليها، والتي أصبحت غير راغبة بشكل متزايد في أن يقودها الاتحاد، خاصة أن الصين لا ترغب في تقديم تمويل سياسي غير مشروط.

وتستثمر الصين بالفعل المليارات في غرب البلقان، وخاصة في صربيا، أكبر دولة في المنطقة والتي يبلغ عدد سكانها سبعة ملايين. علاوة على ذلك تسعى الصين للتأثير الثقافي من خلال معاهد كونفوشيوس والمراكز الثقافية ووسائل الإعلام، فضلاً عن برامج التعاون والتبادل مع الجامعات الخاصة في المنطقة.

ويقول المحلل عبدالوهاب الأيوبي إن الاتحاد الأوروبي يفتقر إلى الإرادة السياسية لمنع دول غرب البلقان من الانزلاق اقتصاديًا، وربما سياسيًا، إلى مجال نفوذ الصين، وهذا ما يوضحه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يرى “الاستقلال الذاتي الاستراتيجي” في التقاليد الديغولية فرصة لمنح فرنسا مكانة أكبر باعتبارها القوة النووية الوحيدة في الاتحاد الأوروبي. كما سعت أنجيلا ميركل إلى تحقيق أهداف أكثر واقعية مثل عدم تعريض بيع السيارات الألمانية في الصين إلى الخطر.

ويرى الأيوبي أن مصداقية الاتحاد الأوروبي كشريك في المنطقة أصبحت على المحك، مما ستكون له عواقب استراتيجية على كل من المنطقة والاتحاد، وسيؤدي إلى نشوء فراغ يمكن أن تملأه الصين وروسيا بسهولة.

وتستغل روسيا أخطاء الاتحاد الأوروبي، الذي انتهج سياسة “الاسترضاء” لسنوات لإرضاء النخب السياسية الفاسدة في غرب البلقان. فمن خلال أخطاء فادحة مثل سياسة التطعيم الفاشلة في الاتحاد الأوروبي، تمكنت موسكو من ترسيخ نفسها كلاعب فاعل في أوقات الأزمات.

ويعد الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش أهم رابط لبوتين في المنطقة، حيث يستخدم علاقته الجيدة معه ليس فقط لتزويد السكان الصرب باللقاحات، ولكن أيضًا لتوزيع اللقاح على السياح القادمين من البلدان المجاورة، ولهذا اكتسب لقاح سبوتنيك الروسي أهمية جيواستراتيجية.

وبدلاً من مواجهة الصين وروسيا تسعى دول الاتحاد الأوروبي بشكل فردي لتحقيق أهداف سياستها الخارجية والأمنية قصيرة النظر. ففي الثامن عشر من سبتمبر الماضي أعلنت فرنسا واليونان عن “تحالف دفاعي استراتيجي” في باريس. فالدولتان ليستا فقط أعضاء في الاتحاد الأوروبي، وملزمتان بموجب معاهدة لشبونة بالوقوف إلى جانب بعضهما البعض في حالة وقوع هجوم مسلح، ولكن أيضًا أعضاء في الناتو، مثل تركيا، التي تم تشكيل التحالف الجديد ضدها، والتي لا تزال مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي مثل دول البلقان الأخرى.

ويقول الأيوبي إنه طالما استمرت دول الاتحاد الأوروبي في العمل ضد بعضها بعضا بهذه الطريقة، فلا يمكن أن يكون هناك “استقلال ذاتي استراتيجي”، ولن تتمكن مؤتمرات القمم ولا القرارات من تغيير ذلك.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن