الشرق الأوسط يتحول إلى مسرح لصراع النفوذ بين الولايات المتحدة وروسيا

الشرق الأوسط يتحول إلى مسرح لصراع النفوذ بين الولايات المتحدة وروسيا

تجاوزت تداعيات الحرب الأوكرانية ساحات معركة دونباس لتصل إلى الشرق الأوسط؛ حيث زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين طهران في 19 يوليو/تموز، في مقابل زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لإسرائيل والسعودية قبل ذلك ببضعة أيام.

وسعى بايدن إلى تخفيف التوترات في المنطقة، وتشجيع التعاون بين الخصوم التاريخيين لتعزيز السلام وتضييق فرص روسيا للتلاعب بالصراعات في المنطقة، فيما يعد الشرق الأوسط بالنسبة لبوتين المكان المناسب لكي تظهر روسيا تآكل القيادة الأمريكية.

تعقيد الاستمالة الروسية للسعودية

ينظر الكرملين إلى السعودية على أنها المحور الرئيسي للتنافس مع واشنطن في الشرق الأوسط، وتوقع المعلقون الرئيسيون في موسكو أن يفشل بايدن في إقناع المملكة بزيادة إنتاج النفط، فيما عبرت الحكومة الروسية عن أملها في أن تتجنب السعودية أي تفاهمات تستهدف روسيا.

وربما تعتمد موسكو على انزعاج ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من بايدن بسبب تركيزه على ملف حقوق الإنسان الذي لا يعد مهما بالنسبة لروسيا بالأكيد، وهناك افتراض قائم بأن القيادة السعودية سترحب بالدعوة للانضمام إلى مجموعة “بريكس” (مجموعة اقتصادية فضفاضة تشمل البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا).

لكن ما يعقد خطة اللعب الروسية في السعودية هو نية موسكو ترقية العلاقات الاقتصادية والأمنية مع إيران بسبب العقوبات الغربية. وصحيح أن زيارة بوتين إلى إيران لن تؤدي إلى تحقيق تقدم في المحادثات النووية المتوقفة، لكنها على الأرجح ستؤدي إلى نتائج أكثر من مجرد إعادة التأكيد على أهمية الشراكة الثنائية بين إيران وروسيا.

وكشفت المخابرات الأمريكية عن صفقة لشراء روسيا بضع مئات من الطائرات المسيرة القتالية من إيران، وبدلا من الإنكار المعتاد، بدأ الخبراء العسكريون في موسكو في القول بأن شراء هذه الأسلحة من إيران لا ينبغي أن يكون مشكلة.

وهناك دلالات على أن سنوات البحث والتطوير باهظة التكلفة لم تمكّن الصناعة العسكرية الروسية من قطاع الطائرات المسيرة، أما بالنسبة للسعودية التي عانت من العديد من الهجمات من الطائرات المسيرة الإيرانية، فإن مثل هذه الصفقة تضع روسيا في المعسكر المعادي بشكل مباشر.

توسع النفوذ التركي والإيراني

اجتمع بوتين أيضًا في طهران مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يحتفظ بموقف متناقض تجاه حرب أوكرانيا في إطار سعيه لحصاد مزايا تبادلية وتقوية نفوذه محليًا. وتشعر القيادة العسكرية الروسية بالغضب نتيجة تسليم تركيا للطائرات القتالية المسيرة “بيرقدار TB2” إلى أوكرانيا، لكن هذه القضية لم يتم طرحها في المحادثات الودية بين بوتين وأردوغان.

وبعد احتجاز سفينة روسية بشبهة حمل حبوب أوكرانية مسروقة في وقت سابق من هذا الشهر، أطلقت تركيا مبادرة من أجل الوصول البحري إلى أوديسا، وفي ظل وعي موسكو بأن حصارها لصادرات الحبوب الأوكرانية يشوه سمعتها لدى العديد من دول العالم، فإنها وافقت على حل وسط.

وقد يستخدم أردوغان هذا النجاح الدبلوماسي -إن تحقق- لدفع أجندته السياسية في واشنطن، بعد موافقته أخيرًا على طلب فنلندا والسويد بالانضمام إلى الناتو.

وفي مقابل المرونة في ملف الحبوب الأوكرانية، يتوقع بوتين من أردوغان تأجيل العملية العسكرية في شمال سوريا، والتي تهدف إلى توسيع السيطرة التركية على المنطقة الحدودية.

وبالرغم من تقليص الوجود العسكري الروسي في سوريا، فإنها لا تزال المركز الرئيسي للمكانة الروسية في الشرق الأوسط، وقد نفذ الكرملين استفزازات مؤخرا بهدف اختبار الالتزام الأمريكي بالحفاظ على نشر القوات المحدود في شمال شرق سوريا وفي قاعدة التنف العسكرية.

ومع تراجع الدعم الروسي لنظام بشار الأسد تشعر موسكو بالقلق من تصاعد النفوذ الإيراني في سوريا. ومع ذلك، يفضل بوتين التأكيد على تقريب وجهات نظره مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الذي التقى معه بوتين الشهر الماضي في عشق آباد بتركمانستان.

وتعد الطريقة الوحيدة لمواجهة النفوذ الإيراني بالنسبة لموسكو هي ضمان استمرار المساعدات الغربية إلى سوريا؛ لذلك بعد رفض تمرير مسودة قرار مجلس الأمن في البداية، وافقت الحكومة الروسية على تمديد ترتيب المساعدات الإنسانية لمدة 6 أشهر.

ويعد الوجود العسكري الإيراني في سوريا قضية رئيسية في العلاقات الروسية الإسرائيلية، لكن التكتيك الحالي لا يزال ناجحا؛ حيث لا تتدخل روسيا في الضربات الجوية الإسرائيلية، حتى مع تلك التي تقترب من القاعدة البحرية الروسية في طرطوس.

أمريكا تعزز انخراطها

غطت وسائل الإعلام الروسية الرئيسية زيارة بايدن إلى إسرائيل بشكل محدود، وركزت بدلاً من ذلك على انقسام النخب الإسرائيلية حول دعم أوكرانيا ودعوات للانضمام إلى نظام عقوبات الغربي.

وما زال الكرملين يشعر بالحسرة على الخسارة الانتخابية الاخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو؛ بسبب العلاقات القوية بين بوتين ونتنياهو.

وليس من المريح لموسكو أن ترى معظم دول الشرق الأوسط تفضل البقاء محايدة في المواجهة بين روسيا والغرب، وأن تركز على تقليل التداعيات السلبية لنقص إمدادات المواد الغذائية والطاقة.

ويعد أفضل خيار لروسيا لتعزيز مكانتها الإقليمية في الشرق الأوسط هو توسيع العلاقات مع إيران، ولكن من المؤكد أن يؤدي هذا إلى تقويض مكانة موسكو في العالم العربي.

وربما تكون السعودية مترددة في زيادة إنتاج النفط، ولكن لو قامت بزيادة رمزية -استجابة لزيارة بايدن- فقد يتسبب ذلك في تهدئة السوق نسبيا وتوجيه ضربة نفسية لموسكو.

ويرفض الشرق الأوسط توصيف حرب أوكرانيا باعتبارها صراعا بين الديمقراطية والديكتاتورية، لكن انتصار بوتين في الحرب قد يكون له تأثير كارثي على استقرار المنطقة.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن