العدوان على غزة أظهرت ضعف الدبلوماسية الأردنية

العدوان على غزة أظهرت ضعف الدبلوماسية الأردنية
العدوان على غزة أظهرت ضعف الدبلوماسية الأردنية

تساءل كثيرون عن التزام الأردن بمواقف سياسية تتمثل بتوسيع نطاق اتصالاته مع المجتمع الدولي إزاء العدوان الإسرائيلي الأخير على فلسطين.

فعلى الرغم من الانتهاكات التي ارتكبتها إسرائيل، طوال الأيام الـ 11 من عدوانه الأخير على قطاع غزة، لم تُقْدم عمان على خطوة دبلوماسية تتمثل بطرد سفير إسرائيل، واستدعاء سفير الأردني من تل أبيب، لا سيما أن الأردن وصي على المقدسات، ومن الضرورة أن يكون له الدور الأبرز تجاه ما يجري.

وتعالت أصوات الاحتجاجات الشعبية في جميع محافظات الأردنية، للمطالبة بذلك الإجراء، إضافة إلى تأكيد البرلمان عليها في مذكرة وقعها جميع أعضاء مجلس النواب مؤخرا، وتم إرسالها للحكومة، فيما لم يصل رد الأخيرة عليها.

ويرى مراقبون أن عمان أقدمت في السنوات الماضية على القيام بتلك الخطوة، وكان لها أثر واضح في تغيير مسار تعنت الكيان الإسرائيلي، إلا أنهم يعزون تردد حكومة بلادهم في هذا التوقيت إلى الكثير من التغيرات السياسية على أرض الواقع، على الرغم من صعوبة الأوضاع في الأراضي الفلسطينية.

ومن أبرز تلك التغيرات هو أن الأردن تفاجأت بمستوى إمكانات المقاومة الفلسطينية في صد العدوان الإسرائيلي، وبالتالي قد تكون تلك الخطوة غير مجدية وسط توازن القوى، إن لم ترجح لصالح أصحاب الأرض.

كما يعتقد البعض بأن الأردن لم يدرك حتى الآن توجهات الإدارة الأميركية الجديدة ومستوى قبولها لتلك الخطوة، وأثرها على المملكة، باعتبار أن واشنطن هي الداعم الرئيس لها.

أما السيناريو المحتمل، فهو ردود فعل الدول العربية والدولية إذا ما قامت عمان بتلك الخطوة، وخشية المملكة من خذلان الموقف واقتصار حلفائها وأصدقائها على دور “المتفرج”.

وهنا، يقول المحلل السياسي عامر السبايلة، “في مثل هذه الحالة، من الأفضل للأردن أن يتبنى خطوات عملية، ولا يسقط في فخ استهلاك الشعارات الشعبوية”.

ويوضح أن “الأردن لديه اتفاقية سلام وتنسيق أمني مع إسرائيل، ما يعني أنه يملك مفاتيح مهمة تؤهله لأن يمارس الضغط بصورة مباشرة من دون انتظار مواقف الآخرين”.

ويرى السبايلة أن “الأردن هو الواقع الجغرافي والحدودي والأمني والديمغرافي بالنسبة إلى القضية الفلسطينية. لذلك، لابد من تفعيل هذه الأوراق بصورة تحافظ على هذه المركزية الأردنية التي تمنح المملكة القدرة على فرض رؤيته في هذا المشهد”.

أما محمد بني سلامة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك (حكومية)، فيقول إن الأردن “دولة مستقلة ذات سيادة ويستطيع طرد السفير الإسرائيلي وإلغاء أو تعليق معاهدة وادي عربة، وما تبعها من اتفاقيات مثل اتفاقية الغاز، ومنع الطيران الإسرائيلي من استخدام أجوائه. ويستطيع أيضا أن يخفض العلاقات إلى المستوى الثاني، بحيث يغادر السفير وجميع الموظفين فوق المستوى الثاني إلى بلادهم”.

ويشير إلى أن “الملك الراحل الحسين بن طلال سبق وهدد بإلغاء اتفاقية وادي عربة، بعد محاولة اغتيال خالد مشعل في عمان عام 1997”.

ويتساءل بني سلامة “هل سيقدم الأردن على مثل هذه الخطوة في الظروف الراهنة؟ وما مدى تأثيرها، سواء على الأردن أو الشعب الفلسطيني؟”.

ومجيبا عن تلك التساؤلات، يوضح بني سلامة أن “الأردن اليوم غيره عام 1997، فعلى الصعيد الداخلي هناك الكثير من التشققات التي تعاني منها الجبهة الداخلية، والوضع الداخلي المتأزم لا يحتاج إلى شرح أو تفسير، فهو واضح وجلي”.

ويستدرك قائلاً “على الصعيد الخارجي، تراجع دور ومكانة الأردن إقليميا وخارجيا، ناهيك عن تمكن إسرائيل من ربط علاقات مع عدد من الدول العربية من الخليج شرقا، مرورا بالسودان، وصولا إلى شواطئ المحيط الأطلسي”.

من هنا، فإن “خيارات الأردن محدودة جدا، وهامش المناورة ضيق، على الرغم من الصلف الإسرائيلي والانتهاكات الإسرائيلية المتكررة للقانون الدولي َوالاتفاقيات الدولية. والوصاية الهاشمية، هنا، ليست استثناء. وبالتالي، فإن الخطوة الأولى المطلوبة الآن هي إعادة ترتيب البيت الداخلي واستعادة الثقة المفقودة”، وفق تعبير بني سلامة.

وفي مارس/ آذار 2013، وقع العاهل الأردني والرئيس الفلسطيني محمود عباس اتفاقية تعطي الأردن حق “الوصاية والدفاع عن القدس والمقدسات” في فلسطين.

ويقول بدر الماضي، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الألمانية الأردنية (حكومية)، لـ “الأناضول” إن بلاده تلتزم بـ “علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، الداعم والحليف الأساسي والرئيسي لدولة الكيان”.

ويشرح “هذا الارتباط غير المتكافئ يفرض واقعا لا يصب في مصلحة الأردن، وإنما يؤطر العلاقات بين الطرفين في إطار الإملاءات والاعتمادية”.

ويضيف “في المقابل، فإن العلاقة الإسرائيلية الأميركية قائمة على الندية، لا بل تتعدى ذلك لمصلحة إسرائيل، من خلال دعم الحركات الصهيونية داخل الولايات المتحدة ، وقدرة هذه اللوبيات (جماعات الضغط) على تحديد أولويات السياسة الخارجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط”.

ويلفت إلى أنه “بسبب هذه المعطيات، لا يستطيع الأردن أن يتصرف بأكثر مما هو متاح. وهذا يعني أن الحركة الأردنية باتجاه القدس أو القضية الفلسطينية مرتبطة بالمساحة التي يمكن أن تتاح من جانب القوى المسيطرة من خلال الاعتمادية التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على كثير من الدول، ومنها الأردن”.

ويؤكد الماضي أن “إسرائيل لا تحترم اتفاقيات أو علاقات أو التزامات أخلاقية مع الأردن، وما يحرك علاقتها في الإقليم مصالحها القائمة على أمن واقتصاد ومستقبل إسرائيل، من دون النظر إلى أي من مصالح شركائها في المنطقة”.

وطوال أيام الهجوم الإسرائيلي الأخير على الأراضي الفلسطينية المحتلة، عمّت الأردن وقفات ومسيرات احتجاجية منددة بتلك الانتهاكات، مطالبة الحكومة باتخاذ موقف حقيقي تجاهها، في مقدمها طرد سفير تل أبيب من عمان، واستدعاء سفير المملكة لدى الاحتلال، فضلا عن المطالبة بإلغاء الاتفاقيات الموقعة بين البلدين وأولها وادي عربة (1994) والغاز (2016).

وتصاعد التوتر في قطاع غزة بشكل كبير بعد إطلاق إسرائيل عملية عسكرية واسعة فيه منذ 10 مايو/ أيار الجاري، تسببت بمجازر ودمار واسع في المباني والبنية التحتية.

وبدأ فجر الجمعة، سريان وقف لإطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، بعد 11 يوما من العدوان.

وأسفر الهجوم الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، عن 279 قتيلا، بينهم 69 طفلا، و40 سيدة، و17 مسنا، فيما أدى إلى أكثر من 8900 إصابة، منها 90 صُنفت على أنها “شديدة الخطورة”.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن