العلاقات التركية المصرية.. تطبيع بطيء بانتظار مفتاح التسريع الليبي

العلاقات التركية المصرية.. تطبيع بطيء بانتظار مفتاح التسريع الليبي
العلاقات التركية المصرية.. تطبيع بطيء بانتظار مفتاح التسريع الليبي

“المنافسة الجيوسياسية المستمرة حدت حتى الآن من جهود التطبيع”.. هكذا لخصت الباحثة التركية بجامعة الشرق الأوسط التقنية “مليحة بنلي ألطون إيشيق” سبب بطء إعادة تطبيع العلاقات بين تركيا ومصر، رغم قبول كل منهما له من حيث المبدأ.

وذكرت الباحثة، في تحليل نشرته بموقع المعهد الإيطالي الدولي للدراسات السياسية “ISPI”، أن مصر هي الطرف الأكثر ترددا في تطبيع العلاقات حاليا في ظل “انعدام الثقة” بين القاهرة وأنقرة، على خلفية عدة ملفات، أبرزها استمرار فصول الأزمة الليبية.

ونوهت إلى أن العلاقات بين البلدين وصلت إلى الحضيض بعد الإطاحة عسكريا بأول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر (محمد مرسي)، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، بانقلاب قاده الرئيس الحالي “عبدالفتاح السيسي” عام 2013، لتصبح تركيا لاحقا واحدة من أشد منتقدي الانقلاب وسياسات “السيسي”.

ورغم أن أغلب القوى الدولية، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أقامت علاقات مع مصر-السيسي، لكن تركيا ظلت ثابتة في انتقادها للنظام المصري، إذ اعتبر حزب العدالة والتنمية، الحاكم في تركيا، الإطاحة عسكريا بـ”مرسي” انتكاسة استراتيجية لرؤيته الإقليمية، التي كانت تقوم على التقارب مع جماعة الإخوان.

وبلغ التدهور في العلاقات المصرية التركية حد إعلان القاهرة السفير التركي شخصا غير مرغوب فيه (23 نوفمبر/تشرين الثاني 2013)، وهو ما ردت عليه أنقره بالمثل.

وسرعان ما أصبحت الأزمة في العلاقات الثنائية بين تركيا ومصر إقليمية، إذ انخرط البلدان في صراع حول ثروة الغاز شرقي البحر الأبيض المتوسط، إضافة إلى دعم كل منهما طرفين متحاربين في ليبيا.

وفي هذا الإطار، تعاونت مصر مع اليونان وقبرص وإسرائيل، واستبعدت تركيا من منتدى غاز شرق المتوسط، الذي أطلقته.

لكن تركيا ومصر انخرطتا مؤخرا في جهود لتطبيع العلاقات بينهما، كل لأسبابه الخاصة، إذ تسعى تركيا لتطبيع علاقاتها مع العديد من الدول الأخرى من أجل إنهاء عزلتها إقليميا، حسبما ترى “مليحة بنلي ألطون إيشيق”.

وأشارت الباحثة التركية إلى أن أنقرة ترى أن التطبيع مع مصر يفتح احتمالات لإيجاد مواقع مفيدة للطرفين في شرق البحر الأبيض المتوسط​​، وبالتالي مساعدة تركيا على حماية مصالحها. وعزز من هذه الرؤية حقيقة أن مصر أخذت المطالبات البحرية التركية بشأن اتفاقية ترسيم الحدود مع اليونان، الموقعة في أغسطس/آب 2020، في الاعتبار، ما اعتبرته أنقرة بمثابة بادرة حسن نية.

وفي المقابل، اعتبر الطرف المصري تقليص دعم تركيا لقيادات بارزة بجماعة الإخوان المسلمين مؤخرا بادرة حسن نية من تركيا.

وهنا تشير الباحثة التركية إلى أن القاهرة تفكر في تغيير خارطة العلاقات الإقليمية، في سياق مخاوفها من التهميش بعد توقيع اتفاق إبراهيم، وتطبيع عديد الدول العربية علاقاتها مع إسرائيل، إضافة إلى عودة تبيع العلاقات بين أنقرة وتل أبيب.

السياق المتغير في ليبيا سمح أيضًا لتركيا ومصر بتطبيع العلاقات، حيث بدأ البلدان في دعم مفاوضات الأمم المتحدة، التي انطلقت في أواخر عام 2020، لتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة، وركزت كل منهما على مصلحتهما المشتركة في وحدة واستقرار ليبيا.

بدأت الاتصالات أولا بين مخابرات البلدين، ثم كانت هناك جولتان من “المحادثات الاستكشافية” بين الدبلوماسيين على مستوى نائب الوزير، الأولى في القاهرة في مايو/أيار الماضي، ثم في أنقرة في سبتمبر/أيلول، ليعلن الجانبان لاحقا أنهما اتفقا على مواصلة العملية الدبلوماسية لتحسين العلاقات الثنائية.

وخلال عام 2021، أعلن كلا الجانبين أنهما يحققان تقدمًا، ومع ذلك لم يتم أيا منهما خطوات ملموسة أخرى، بما في ذلك إعادة تعيين السفير.

لكن الباحثة التركية تشير إلى أن “العلاقات الاقتصادية الثنائية ظلت مزدهرة بين البلدين رغم الأزمة السياسية”، حيث تضاعف إجمالي حجم التجارة بينهما 3 مرات تقريبًا بين عامي 2007 و 2020، (من 4.4 مليار دولار أمريكي إلى 11 مليار دولار أمريكي).

وأشارت إلى أن مصر أصبحت مؤخرًا مصدرًا مهمًا للغاز الطبيعي المسال إلى تركيا، لكنه لا تزال مترددة إزاء تطبيع كامل للعلاقات في ظل استمرار فصول الأزمة الليبية.

فعلى الرغم من اتفاق البلدين على موقفهما العام من الأزمة الليبية، إلا أن مصر لاتزال قلقة من استمرار الوجود التركي في جارتها، خاصة الوجود العسكري.

وعزز من هذا القلق تطوير أنقرة مؤخرا لعلاقاتها بإدارة الجزء الشرقي من ليبيا، المتحالفة مع مصر، ودعمها لـ “فتحي باشاغا”، الذي اختاره مجلس النواب الليبي كرئيس للوزراء.

وأدى تأجيل الانتخابات الليبية إلى كبح خطوات تطبيع كامل للعلاقات المصرية التركية في ظل احتمال عودة حدة المنافسة بينهما، خاصة في ظل نظر القاهرة إلى الوجود التركي في القرن الأفريقي وشراكتها المتنامية مع إثيوبيا، التي تتنازل مع مصر حصتها في مياه نهر النيل.

وخلصت الباحثة التركية إلى أن “التقدم في العملية السياسية الليبية هو التطور الرئيسي الذي من شأنه نزع فتيل التوترات بين القاهرة وأنقرة”.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن