المقاومة تقضي على نتنياهو سياسياً خلال شهر واحد

لم يتوقع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أن يفقد كل التأييد والمساندة اللتين حظي بهما مع إطلاق عدوانه على قطاع غزة، تحت شعار استعادة الهدوء والأمن، وفق معادلة “الهدوء يُقابَل بالهدوء”، وذلك خلال شهر واحد فقط، رغم “بلاغته الخطابية” المشهود له فيها إسرائيلياً وأميركياً، كل التأييد والمساندة اللتين حظي بهما مع إطلاق عدوانه على قطاع غزة، تحت شعار استعادة الهدوء والأمن، وفق معادلة “الهدوء يُقابَل بالهدوء”. لكن مجريات العدوان، والأداء الذي أبدته المقاومة الفلسطينية وسكان القطاع من جهة، والتحوّل الأكبر في موقف السلطة الفلسطينية، من جهة ثانية، والذي كسر كل معادلات نتنياهو، عندما أعلنت عن تبني مطالب المقاومة كلها، أوقعت “بيبي” في مأزق قد يقضي عليه سياسياً.

ويبدو مصير نتنياهو اليوم معلقاً ومشروطاً أكثر من أي وقت مضى بأداء المقاومة والوفد الفلسطيني الرسمي بخصوص صيغة الاتفاق النهائي لوقف الحرب الحالية، سواء جرى ذلك عبر اتفاق يوقّع عليه الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي، أم تعثرت المفاوضات برغم الوساطة المصرية والجهود الأميركية، باعتبار أن ذلك الخيار هو الوحيد الذي يمكنه أن يحمي رصيد نتنياهو، ويقدمه مجدداً للجمهور الإسرائيلي بأنه لم يتنازل لحركة “حماس”.

لكن المحللين في إسرائيل، والمتابعين للسياسة الإسرائيلية، يقرون اليوم بأن العزلة التي يعيشها نتنياهو، كما تبدّت في الشرح الحاصل في “الكابينيت” الإسرائيلي، الذي وصل حد موافقة نتنياهو على تمديد اتفاق وقف إطلاق النار لخمسة أيام جديدة من دون الرجوع لوزراء المجلس الوزاري المصغر، يدلّ أكثر من أيّ شيء آخر على المأزق الذي يعيشه نتنياهو.

ويتصل هذا المأزق بفشله ووزير دفاعه، موشيه ياعلون، في إدارة العدوان، ليس من حيث كثرة الجرائم أو قوة النيران والقصف الوحشي، وإنما فشله في تحقيق أهداف الحرب، وتطور هذه الأهداف بشكل متصاعد خلال الأسابيع الثلاثة من العدوان. فقد بدأت تلك الأهداف/ الوعود بشعار “إعادة الهدوء”، و”الهدوء يقابل بالهدوء”، ثم رفع سقف الهدف إلى “كسر حركة حماس” وضرب بنيتها العسكرية والمدنية وإخضاعها. ثم صار الهدف “القضاء على الأنفاق الهجومية”، وعلى منصات إطلاق الصواريخ والترسانة الصاروخية، وصولاً إلى “تجريد المقاومة من سلاحها”، أو جعل غزة منزوعة السلاح.

بموازاة ذلك، رصد المحللون تشقّقَ وتصدّع الوحدة السياسية والحزبية حول نتنياهو، مع تطور العدوان، وخاصة بعد عمليات التسلل وراء خطوط الجيش الإسرائيلي. وكان وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، أول مَن “شقّ” وحدة الصف الإسرائيلي، عندما طالب بعدم الاكتفاء بتوجيه ضربة لـ”حماس”، وإنما بوجوب إعادة احتلال القطاع، وتبعه نفتالي بينيت لأسباب المنافسة الحزبية الداخلية داخل “الليكود”.

لكن هذا الأسبوع شهد، عملياً، خطوات أولية من خصوم نتنياهو، داخل الائتلاف وخارجه وداخل حزبه أيضاً. فنتنياهو الذي حظي بدعم اليمين واليسار عندما أقال نائب وزير الأمن، داني دانون، بعدما اتهمه الأخير بالتخاذل أمام “حماس”، بات عملياً بمثابة الثور الذي وقع فكثر سلّاخوه. ورغم أن العدوان لم ينتهِ بعد، إلا أنه يمكن من الآن قراءة خطط رؤساء كتل الائتلاف الحكومي ومبادراتهم لإنهائه (أو مواصلته، وفق ليبرمان وبينيت). كما يمكن ملاحظة كثرة المقالات الصحافية التي بدأت تهاجم أداء الحكومة السياسي وتعزله عن الأداء العسكري للجيش، مع تكرار معزوفة أن “الجيش يقوم عادة بمهامه كما يجب، بينما تحوِّل الحكومة الإنجاز العسكري إلى فشل سياسي”.

وغالباً ما يتم التذكير بأن نتنياهو أعلن، الأسبوع الماضي فقط، أنه لن يقبل بالتفاوض مع “حماس”، فكم بالحريّ تحت النيران، ثم وجد نفسه اليوم يفاوض المقاومة وتحت إطلاق النار، وهو ما أشار إليه، قبل أيام، المحلل العسكري في “يديعوت أحرونوت”، أليكس فيشمان. في المقابل، اعتبر يوسي فيرتر، في صحيفة “هآرتس”، أن نتنياهو، في مواجهته للفشل السياسي والعسكري، “فضّل أن يهرب إلى خلق شيطان جديد وفزاعة يمكنه أن يلفت الأنظار إليها، علّ ذلك يخفي فشله، فحوّل رئيس لجنة التحقيق الدولية، الخبير الكندي وليام شاباس، إلى شيطان، علّ ذلك يزيح الأنظار عنه”. ويرى فيرتر أن نتنياهو، الذي رفع شعاراً انتخابياً هو “قوي في مواجهة حماس”، يحاول الآن نسخ واجتراح شعار جديد: “قوي في مواجهة شاباس”.

كل هذه التطورات واكبها تجرّؤ وزراء “الليكود” على انتقاد نتنياهو، ممثلين بجلعاد أردان (عضو الكابينيت)، ووزير المواصلات، يوسي كاتس، ووزير الداخلية، جدعون ساعر، الذين يتمتعون بأغلبية وتأييد واسع للغاية في مركز الحزب، الليكود. وجميع تلك المعطيات تشير إلى مدى تراجع قوة نتنياهو وصورته بصفته “المخلّص لليمين الإسرائيلي”. ويرتبط ذلك، ليس بسطوع نجم نفتالي بينيت، وفك الشراكة بين حزب ليبرمان و”الليكود” الذي يتزعمه نتنياهو فحسب، وإنما أيضاً في ذوبان اليسار الإسرائيلي وتراجع قوته، لدرجة لم يعد هناك خطر من فقدان اليمين للحكم، ولا حاجة لنتنياهو بصفته الزعيم الأوحد القادر على هزم اليسار.

وقد تحطمت صورة نتنياهو كرمز للرد الحاسم على “حماس” وعلى اليسار، وتحديداً خلال المفاوضات في القاهرة، التي تُظهر للإسرائيليين أن نتنياهو ليس الشخص القادر على مواجهة “حماس”، خلافاً لوعوده، بدليل مفاوضاته معها، ولا هو بالقادر على استعادة الأمن للجنوب.

آخر النقاط التي من شأنها أن تكون من العوامل الرئيسية في هزيمة نتنياهو داخلياً، بعد العدوان، تتعلّق بأنه “رجل أميركا” الذي اتّضح أنه لا يزال عالقاً في أميركا ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، ولم يدرك بعد أن الولايات المتحدة “المحافظة” التي عرفها قد ولّت، ولم تعد وحدها صاحبة القرار عالمياً، وهذا ما أوقعه في مطبات متتالية تسببت بشرخ في العلاقات مع الولايات المتحدة، بلغ أوجه باعتراف وزارة الخارجية الأميركية، قبل يومين، بوقف شحنات الأسلحة لإسرائيل.

حتى لو نجح نتنياهو في الخلاص من لجنة تحقيق دولية لجرائم الحرب الإسرائيلية، إلا أنه سيجد مَن سيسارع داخل حزبه أولاً، وفي أحزاب اليمين الإسرائيلية ثانياً، إلى أن يحاسبه على كل إخفاقاته، وفي مقدمتها تكريس حركة “حماس” كحركة مقاومة لها شرعية دولية، بعد تفاوضه معها في القاهرة، واضطراره إلى العودة للاعتراف بحكومة الوفاق الفلسطينية، بعدما استغل تشكيلها كذريعة للتنصل من استحقاقات المفاوضات من جهة، ووصفه الرئيس محمود عباس بأنه ليس شريكاً في المفاوضات، ليعود اليوم و”يلحس” كلامه وتصريحاته، فيفاوض “حماس”، ويقبل بعباس، ويتراجع عن هدف تجريد سلاح المقاومة، وكل ذلك من دون أن يضمن لسكان مستوطنات الجنوب الأمن الذي وعدهم به، من جهة ثانية.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن