النظام الانتخابي.. ملف ساخن في اجتماعات القاهرة المرتقبة

المصالحة الفلسطينية

يتصدر ملف الانتخابات العامة حوارات القاهرة المرتقبة بعد يومين بين الفصائل وهو ما سيعيد النقاش بشأن النظام الانتخابي الذي ستجري بموجبه الانتخابات وتشمل المجلس التشريعي والرئاسة والمجلس الوطني لمنظمة التحرير.

وسبق أن تم التوافق على النظام الانتخابي في اتفاق القاهرة عام 2011، بحيث تم اعتماد النظام النسبي الكامل للمجلس الوطني والنظام المختلط للمجلس التشريعي بنسبة 75% لنظام التمثيل النسبي، و25% للانتخاب الفردي المباشر.

كما تم في ذلك الاتفاق التوافق على نسبة حسم 1.5% بعد أن كانت 2% في انتخابات عام 2006.

ورغم أن اتفاق القاهرة 2011 وقع عليه 14 فصيلا، إلا أن العديد من تلك الفصائل لا تخفي رغبتها بإعادة طرح موضوع النظام الانتخابي للنقاش مجددا بما يفضي إلى تعديله.

وأجريت انتخابات المجلس التشريعي الأول عام 1996 الذي كان عدد مقاعده 88 مقعدا، وفق نظام الانتخاب الفردي المباشر، أو ما يعرف بنظام الأغلبي.

وبناء على التوافق الوطني الذي جرى في حوار القاهرة عام 2005، تم الاتفاق على زيادة عدد المقاعد إلى 132 واعتماد نظام الانتخاب المختلط، بحيث يتم انتخاب 50% من النواب وفق نظام التمثيل النسبي، و50% بالانتخاب الفردي المباشر.

وبعد الانقسام عام 2007 صدر عن الرئيس محمود عباس قرار بقانون يجعل الوطن دائرة انتخابية واحدة، ويعتمد التمثيل النسبي الكامل، ويخفض نسبة الحسم إلى 1.5%.

أنظمة متعددة وخصوصية فلسطينية

يتفق خبراء في السياسة والاجتماع والقانون في أحاديث منفصلة لوكالة “صفا”، على أنه لا وجود لنظام انتخابي مثالي، فمزايا هذا النظام تمثل عيوب النظام الآخر.

ويقول الخبير الدولي في مجال الانتخابات عوض طالب إن النظام الأغلبي الفردي نظام سهل التطبيق، ويتميز بالعلاقة القوية ما بين المرشح والناخب في المنطقة الجغرافية الواحدة.

ويوضح طالب أن النظام المذكور يعاب عليه أن نسبة الأصوات المهدرة فيه تكون عالية، وهو لا يعطي فرصة كبيرة لتمثيل المرأة والشباب، إلا بوجود كوتا.

أما النظام النسبي، فتتوزع المقاعد فيه بناء على النسبة التي تحصل عليها كل قائمة، وهو يتميز بوجود فرصة أكبر لتمثيل الجميع، ويقلل من نسبة الأصوات المهدرة، ويضمن عدالة التوزيع للمقاعد، لكن يعاب عليه ضعف العلاقة ما بين المرشح والناخب.

كما تلعب نسبة الحسم دورا مهما في النظام النسبي، وهي تعني نسبة الأصوات التي يتوجب على كل قائمة الحصول عليها لتأخذ حصتها من المقاعد، وكلما انخفضت النسبة زادت فرصة الأحزاب الصغيرة، ما يؤثر على الاستقرار السياسي في البلاد.

ولهذا، يحاول النظام المختلط، الذي يجمع ما بين النظام الأغلبي والنظام النسبي، الاستفادة من ميزات كل نظام، والتقليل من عيوب كل منهما بحسب طالب.

ويرى الباحث الحقوقي ومدير مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية “شمس” عمر رحال، أن النظام النسبي الكامل فيه ظلم لبعض المستقلين والقوى، وأن الأنسب لفلسطين هو الإبقاء على النظام المختلط مناصفة بين النسبي والأغلبي.

وبيّن رحال أن النظام المختلط يوفر نوعا من التوازن في الاختيار والانتخاب، إذ أنه في النظام النسبي الكامل كما جرى في الانتخابات البلدية الأخيرة، كان هناك الكثير من القوائم التي تحمل المرشح وليس العكس مما أجبر الناخب على انتخاب أشخاص غير مرغوب بهم، أو مقاطعة الانتخابات.

والخيار الثاني، كما يراه رحال مناسبا للحالة الفلسطينية، هو نظام القائمة المفتوحة التي تتشكل من عدد مرشحين لا يزيد عن حصة الدائرة الواحدة من المقاعد، ولا يقل عن النصاب وهو النصف +1، ويكون الباب مفتوحا أمام الناخب لاختيار من يشاء من المرشحين من قائمة واحدة أو أكثر.

ويؤكد أن هناك حاجة لفتح المجال لبعض المستقلين والمهنيين والأكاديميين غير الراغبين بالترشح ضمن قوائم أن يترشحوا بشكل فردي، وأن يُترك للجمهور حرية الاختيار بينهم بناء على الكفاءة والخبرة والنزاهة.

ويبين أن تحويل الوطن إلى دائرة واحدة سيحرم مئات الكفاءات من خوض الانتخابات، لأن الانتخابات ستكون حزبية وتنظيمية، في حين أن أكثر من نصف الشعب غير محزّب أو منظّم.

ويضيف: “لا نريد فتح المجال لغير الكفؤين للترشح على قوائم، كما حصل في 2006 عندما كانت بعض القوائم تضم أسماء معروفة بعدم أهليتها لتولي مهمة التشريع”.

لكن رحال لديه بعض المآخذ على النظام الذي أجريت عليه انتخابات عام 2006، مبينا أن هذا النظام لم تمثّل فيه الأقليات والمرأة بالشكل الصحيح، ولهذا فهو بحاجة إلى إعادة نظر.

ويدعو رحال إلى خفض نسبة الحسم إلى أقل من 2%، لكي تتمكن الفصائل الصغيرة من اجتياز النسبة ويكون لها تمثيل بالمجلس التشريعي.

ولا يخشى أن يؤثر ذلك على استقرار عمل المجلس التشريعي والحكومة، قائلا: “هذه الفصائل لن تستطيع حجب الثقة عن الحكومة، لأن سحب الثقة يتطلب أغلبية معينة لا تستطيع هذه القوى توفيرها”.

ويضيف: “ربما في المستقبل إذا حصل توحد لقوى اليسار، أن يكون هناك مجال لبروز قوة ثالثة تمتلك التأثير، وإلى حين ذلك لن يكون هناك فصيل باستثناء حماس وفتح لديه أكثر من 5 مقاعد من أصل 132”.

تحمس يساري

تبدو فصائل اليسار أكثر القوى تحمسا للنظام النسبي الكامل وخفض نسبة الحسم إلى 1%، لما يعطيها ذلك من فرصة أكبر للتمثيل بالمجلس التشريعي.

وتقول عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية ماجدة المصري إن التمثيل النسبي الكامل هو الأكثر عدالة والأكثر تمثيلا لفئات وشرائح الشعب المختلفة، وللاتجاهات السياسية والاجتماعية المختلفة.

وترى المصري بأن هذا النظام يحمي الوحدة الوطنية، ويوفر التعددية، ولا يترك طرفا يستأثر بالمجلس التشريعي، في مجتمع يعيش التعددية ومرحلة تحرر وطني، وبالتالي فإن برنامجه يجب أن يصاغ في إطار التعددية ووحدة القرار.

وتبين أن نظام الأغلبي يعني انتخاب أشخاص، بينما النسبي يعني انتخاب برامج “قائمة برنامجية”، ويكون القائمون على القائمة هم من يراقب ويحاسب على العمل.

وتعتبر أن الكفاءات والمستقلين بإمكانهم المشاركة بقوائم حزبية أو مستقلة، ولديهم فرصة للحصول على مقاعد، مستشهدة بقائمة “التيار الثالث” التي ضمت سلام فياض وحنان عشراوي وحصلت على مقعدين في انتخابات التشريعي عام 2006.

وتعتقد المصري أن النظام الفردي يكرّس البعد العشائري والزعامات ولا يكرّس برامج على الأرض، ولا يمكّن من الوصول إلى اتجاهات نوعية في المجتمع، ويهدر الأصوات، وهدر الأصوات يعني هدر اتجاهات سياسية وفكرية ومجتمعية.

وهي ترفض اعتبار نسبة المقاطعة العالية للانتخابات المحلية الأخيرة دليلا على رفض النظام النسبي، وترى بأن هناك أسبابا أخرى للمقاطعة، من بينها الانقسام “فنحن لا نخترع شيئا جديدا، وإنما هي تجارب ناجحة ولها علاقة بمفهوم الديمقراطية وتمثيل الشعب”.

النظام الديمقراطي

يعتقد المحاضر المختص بعلم الاجتماع السياسي في جامعة النجاح الوطنية مصطفى الشنار، أن النظام النسبي الكامل هو الأمثل في المجتمعات الديمقراطية العريقة مثل بعض دول أوروبا.

ويقول الشنار إن الدول التي لديها ديمقراطية عريقة يكون المجتمع فيها يتمتع بثقافة ديمقراطية واعية، وتكون الانتخابات فيها على البرامج أكثر منها على الأشخاص.

ويعتبر أن النظام المختلط الذي جرت عليه انتخابات 2006 هو الأنسب للحالة الفلسطينية، لأنه وازن بين قوة المرشح الفرد في مجتمع فلسطيني يجمع ما بين الثقافة الديمقراطية والثقافة العشائرية، وما بين النظام النسبي الذي تطالب به النخب اليسارية والليبرالية والنقابية.

ويقول “لسنا في مجتمع ديمقراطي عريق، ولا زالت تتحكم فينا العوامل العائلية ووجود جيل جديد لا ينتمي للفصائل، والانتخابات البلدية الأخيرة خير شاهد”.

ويلفت إلى أن هناك الكثير من الشخصيات المستقلة التي لا ترغب بأن تحسب على أي فصيل لأسباب متعددة، والنظام النسبي الكامل يحرمها من التمثيل.

ويرد الشنار على الرأي القائل بأن الانتخابات تجري على أساس برامج وليس شخصيات، متسائلا: لماذا لم يتم تطبيقه في انتخابات المجلس التشريعي الأول الذي كان يناط به التأسيس للسلطة وللدولة القادمة، وتم استدعاؤه عندما أرادت الحركة الإسلامية المشاركة؟

ويقول إن النخب اليسارية والليبرالية والنقابية تميل إلى النظام النسبي المطلق، لأنها تعتقد أن التصويت لقائمة يلغي الفوارق الفردية بين الأفراد، وبهذا يحيدوا عنصر القوة الذي تتمتع به الشخصيات الإسلامية تحديدا في المجتمع الفلسطيني والمجتمعات العربية عموما.

ويشار الشنار إلى أنه بعد خسارة تلك القوى للانتخابات الأخيرة، وجدت بعد التحليل أن غالبية المقاعد التي حصلت عليها حركة “حماس” كانت من المقاعد الفردية، وليست من القوائم النسبية التي كانت نتيجتها متقاربة بين فتح حماس.

ويشرح سبب تمسك القوى الصغيرة بالنظام النسبي الكامل بأن “تلك القوى لا وجود فعليا لها في الشارع الفلسطيني، لكن مجرد وجود اسمها قد يعطيها فرصة للحصول على مقعد في ظل نسبة حسم متدنية”.

ويحذر الشنار من النتائج التي تترتب على وجود تشتت مقاعد المجلس التشريعي بين عدد كبير من القوى الصغيرة، معتبرا أن هذا الأمر سيصيب المشهد التشريعي الفلسطيني بالشلل.

ويشير إلى أن الديمقراطيات العريقة بالعالم تبنت النظام النسبي الكامل، لكنها بالمقابل رفعت نسبة الحسم لتصل في بعض الدول إلى 10%.

كما يحذر من إعادة طرح النظام الانتخابي للنقاش، لأن الأصل أن يبقى النظام كما تم الاتفاق عليه.

ويضيف: “إذا أردنا استقرار المجتمع، يجب أن يكون قانون الانتخابات مقدسا، بعد الاتفاق عليه، وأن لا يتم التلاعب به في كل دورة انتخابية، ومن غير المقبول أن كل من خسر الانتخابات يبدأ بالضغط لتعديل القانون”.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن