اليمين الإسرائيلي انتصر لكن الأوضاع صارت أصعب

بدأ الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين مشاوراته مع الكتل الانتخابية تمهيداً لتكليف أحد قادة الأحزاب بتشكيل الحكومة. ومن الواضح أن المرشح الأوفر حظاً لتشكيل الحكومة هو زعيم الليكود بنيامين نتنياهو، ليس لأنه زعيم الحزب الأكبر عدداً في الكنيست، وإنما لأنه القادر على نيل تأييد العدد الأكبر من أعضاء الكنيست. وصار هذا واضحاً بعدما أعلن زعيم “كلنا”، موشي يعلون أنه سيوصي بنتنياهو رئيساً للحكومة أمام الرئيس الإسرائيلي في المشاورات.

ولكن ميل الأغلبية في الكنيست، معسكر اليمين (الليكود، البيت اليهودي وإسرائيل بيتنا) والحريديم (شاس ويهدوت هتوراه) لترشيح نتنياهو لا يعني أن مهمة تشكيل الحكومة سوف تكون سهلة. صحيح أن الليكود فاز بعدد كبير من المقاعد (30 مقعداً) وأن شركاءه صاروا أقل عدداً وقوة (البيت اليهودي من 12 مقعداً إلى 8، وإسرائيل بيتنا من 10 إلى 6 مقاعد)، إلا أن حساب البيدر ليس كحساب الحقل. فحاجة نتنياهو والليكود إلى الشراكة مع هذين الحزبين لتشكيل الحكومة باتت أكثر من أي وقت مضى. والأمر يسري أيضاً على شاس التي هبطت من 12 مقعداً إلى سبعة مقاعد.

وبعيداً عن كل الاعتبارات الشخصية التي حكمت العلاقات بين هذه القوى اليمينية في ولاية نتنياهو الأخيرة، تظهر اعتبارات الربح والخسارة بمعناها الموضوعي وكأنها عديمة المعنى. فخسارة البيت اليهودي لحوالي ثلث قوته لم تقلص رغبته في الاحتفاظ بعدد وزرائه في الحكومة السابقة بل والمطالبة بتحسين مكانة زعيمه، نفتالي بينت. كما أن خسارة إسرائيل بيتنا لحوالي نصف قوتها لم تضعف نهم زعيمها، أفيغدور ليبرمان لنيل وزارة الدفاع التي تعتبر الوزارة الأهم في الحكومة الإسرائيلية.

وتبدو مشكلة توزيع الحقائب وإرضاء الشركاء مسألة عويصة قد لا تنجز من دون إشكالات كبيرة. وواضح أن وعد نتنياهو بتشكيل الحكومة قبيل انتهاء المهلة الأولى له بموجب القانون، ثلاثة أسابيع، قد يكون صعب التحقيق. فنتنياهو لا يواجه فقط شركاءه وإنما أيضاً أعضاء حزبه. فهؤلاء الذين ساروا كالعميان خلفه وبذلوا معه وتحت قيادته الجهد من أجل نيل الفوز يصعب عليهم رؤية أنفسهم في الهوامش بينما خصومهم، من اليمين، ينالون الحقائب الوزارية التي يريدون. وهنا تبدو المفارقة الكبيرة التي ليس مفهوماً كيف سيتم التغلب عليها بين نهم الليكود ونهم شركائه في محاولتهم تقاسم الكعكة الوزارية.

وبديهي أن المشكلة الأساسية أمام حكومة نتنياهو الجديدة ليست توزيع الوزارات على أهميتها وإنما إدارة حكومة في ظلّ هذا القدر الكبير من الخلافات الداخلية من ناحية والضواغط الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية من جهة أخرى. وواضح أنه رغم إقرار الكثيرين بأن أحد أبرز أسباب فوز الليكود يعود إلى الهاجس الأمني لدى الناخب الإسرائيلي فإن هموم الإسرائيليين الاقتصادية والاجتماعية ليست غير ذات صلة. فغلاء المعيشة وغلاء السكن لا يمكن حلّها من دون ازدهار اقتصادي. والاقتصاد الإسرائيلي يصعب عليه الازدهار إذا توترت العلاقات بين إسرائيل وكل من الشركاء الاقتصاديين والسياسيين الكبار، خصوصاً الاتحاد الأوروبي وأميركا. وهناك موجة متزايدة من المقاطعات لإسرائيل في العالم تنذر بالتطور إلى أزمة أكبر إذا استمرت الخلافات بين الأسرة الدولية وإسرائيل بشأن التسوية السلمية.

ولا يغيب عن البال أن العلاقات الأميركية الإسرائيلية تشهد منازعات تزداد احتداماً ليس آخرها مناكفة الرئيس باراك أوباما لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في مسألتين: حل الدولتين والموقف من عرب إسرائيل. وقد أوضح أوباما لنتنياهو في مكالمة هاتفية بعد فوز الأخير أنه سيعمل من أجل حل الدولتين على الضد من تعهد نتنياهو لناخبيه بمنع قيام دولة فلسطينية. كما انتقد بشدة حملة نتنياهو الانتخابية ضد المواطنين العرب حينما حرض عليهم قائلا إنهم يتوجهون بأعداد هائلة إلى صناديق الاقتراع، فهبّوا يا يهود أو يا يمين.

وتنتظر العديد من الجهات التحركات التي تجري في الحلبة الدولية والتي سوف تتسارع خلال فترة قصيرة. ومن الجائز أن عدم توفر “سترة واقية” يسارية أو ليبرالية لحكومة اليمين على شكل وزير “معتدل” للخارجية أو جهة “يمكن التحاور معها” سوف يشجع قوى مختلفة على التصدي لمسألة الحل عبر مجلس الأمن. ويتوقع كثيرون أن تشكيل حكومة يمينية سيدفع نحو استعداء العالم بشكل أسرع من خلال الاندفاع نحو حملة استيطانية كبيرة. وتتخوّف أوساط مختلفة في إسرائيل من أن الأجواء الجديدة لن تشجع إدارة أوباما على إنقاذ إسرائيل باستخدام الفيتو في الأمم المتحدة ضد أي قرار يمنح الفلسطينيين صفة دولة أو يقرر حدود 1967 كحدود لها.

ولم يتم بعد التطرق لا إلى الاتفاق النووي المرتقب بين القوى العظمى وإيران ولا إلى تطورات الهزة الجارية في المنطقة العربية، اللذين شكّلا أرضية للمخاوف التي عززها نتنياهو وأطعمته النصر في الانتخابات. وواضح أن الظروف الإقليمية تحمل بين ثناياها تطورات قد تكون سلبية في نظر إسرائيل، خصوصاً في كل ما يتعلق بالعلاقة مع الفلسطينيين. ويعتقد كثيرون أنه حتى لو صمت العالم ولم تنشأ لإسرائيل أي مشكلة حقيقية في الحلبة الدولية أو في المحيط الإقليمي فإن الوضع الفلسطيني ذاته قابل للانفجار.

والانفجار الذي يشيرون إليه قد يكون في الضفة الغربية وقد يكون في قطاع غزة، إما لانسداد أفق التسوية وتفاقم المعاناة المعيشية وإنما بسبب استمرار الحصار على قطاع غزة. في كل الأحوال حكومة اليمين تواجه أوضاعاً تزداد صعوبة.

كتب حلمي موسى لصحيفة “السفير” اللبنانية

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن