تأخر الإعمار يجبر المنكوبين على بناء منازلهم من الخشب

تأخر الإعمار يجبر المنكوبين على بناء منازلهم من الخشب
تعبيرية

 

لا زال المسؤولين الفلسطينيين ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الاونروا” وكل الجهات المعنية بإعادة اعمار غزة، يتقاعسون في البدء الفعلي لإنهاء مشكلة النازحين والمدمرة منازلهم بشكل كامل، ويبدو أنهم يتفاخرون بركنهم في مناطق نائية تحت أسقف كرافانات حديدية ضيقة لا تحمي من البرد ولا تستر من الأمطار.

ومع دخول فصل الشتاء، وبدء “المنخفضات الجوية الشرسة” التي داهمت كرافانات المنكوبين مؤخراً، وأغرقتهم في وحل الشوارع المشروخة والمدمرة، بدأ السكان المنكوبين بالتفكير في منازل بديلة لتلك التي دُمرت هرباً من الكرافانات ومراكز الايواء واستئجار المنازل والاقامة في منازل احد الأقارب.

وبالفعل، تحولت رحلة التفكير الى واقع، وإن كان بسيطاً لحين اعادة بناء ما دمره الاحتلال من منازل، خلال العدوان الاخير على قطاع غزة في يوليو وأغسطس الماضيين.

وتحت بند “الحاجة أم الاختراع”، ابتكر أحد المواطنين والذي يُدعى “ي.أبو شريتح” من شمال قطاع غزة، “منازل خشبية” لكسر الحصار خاصة بالجانب المتعلق بعدم ادخال مواد البناء لإعادة الاعمار.

بداية الفكرة

يقول شريتح “بدأت بالعمل في هذه البيوت الخشبية منذ خمس سنوات حيث كنت اعمل من اجل ملئ أوقات الفراغ، فأنشأت بجانب منزلي عدة غرف خشبية، وزينتها بأسلوب راقي لاقى اعجاب العديد من الأصدقاء”.

“وبعد الحرب الأخيرة على غزة، جاءني بعض الأصدقاء من الذين تضررت منازلهم خلال العدوان، مطالبين بإنشاء منازل خشبية نظراً لجودتها وتحمّلها للكوارث الطبيعية كالشتاء، ليستروا أنفسهم من الشتاء والهرب من أماكن الايواء (المدارس) المكتظة بالسكان والنجاة من الكرافانات الضيقة والباردة”، يضيف شريتح.

وأوضح أن عملية بناء تلك المنازل تتم باستخدام مواد الخشب والأقمشة العازلة وهي محاولة لكسر الحصار خاصة بالجانب المتعلق بعدم إدخال مواد البناء.

وأشار الى أن الفكرة تطورت لتصبح مطلوبة للكثير من المجتمع الغزّي، خاصة في ظل انعدام مواد البناء واشتداد الحصار وتدمير الالاف من المنازل، وتأخر الاعمار وبدء موسم الشتاء والمنخفضات الجوية.

“حي اسطنبول”

وأطق شريتح اسم “حي اسطنبول” على المنطقة التي قام ببناء العديد من المنازل الخشبية على أرضها شمال قطاع غزة .

وعن سبب التسمية يقول شريتح : أطلقت عليها هذا الاسم بسبب تواجد العديد من هذه المنازل في اسطنبول – العاصمة التركية – مشيرا الى أن منظرها يشبه بيوت اسطنبول الشعبية.

مميزات وتكلفة المنزل

يؤكد شريتح ان هذه المنازل هي أفضل من ” الكرفانات الحديدة ” وهي قليلة التكاليف مقارنة بالمنازل الأخرى التي يتم بناءها باستخدام الحديد والاسمنت والحصمة وغيرها.

وأوضح أن هذه المنازل باردة في فصل الصيف ودافئة في الشتاء ولا تتسرب إليها مياه الأمطار , ويمكن التحكم بالشكل وحجم المنزل ومساحة الغرف، وذلك حسب احتياجات كل مواطن.

وأضاف : “يمكن نقل هذه المنازل بسهولة إن تتطلب الأمر , مشيرا الى أن من أهم مميزاتها أن أشكالها الهرمية “جميلة” وتمتع الناظرين.

وأكد أن المنزل الخشبي يتميز عن “الكرافان الحديدي” في القدرة على تحديد المساحة المطلوبة حسب الحاجة على عكس “الكرفان” الذي يحتوي على غرفة ومطبخ وحمام، بمساحة بثلاثين مترا فقط.

وأوضح شريتح أن تكلفة المنزل الواحد 1000 دولار فقط لمنزل متواضع وبسيط، مشيرا الى أن بناء المنازل كبيرة الحجم تحتاج لأكثر من ذلك.

في حين لا يكفي مبلغ 30 ألف دولار لبناء وتجهيز طابق واحد من الاسمنت في الوضع العادي.

الفكرة تحولت الى ظاهرة

واللافت للانتباه في شوارع قطاع غزة، أن هذه الفكرة تحولت الى ظاهرة واقعية على الأرض، حيث لجأ اليها الكثير من اصحاب المنازل المدمرة، كبديل عن “الكرافانات الحديدية” وبعيداً عن مراكز الايواء والاكتظاظ السكاني الكبير الذي لا يجلب سوى المشاكل الاجتماعية اللاأخلاقية.

“ش.ق” أحد سكان هذه المنازل، لجأ الى بناء بيت خشبي يأويه وأسرته عوضاً عن بيته الذي دمرته آلة الحرب الاخيرة على قطاع غزة، مشيرا أن هذه الفكرة جاءت كحل مؤقت ينتهي عند البدء الفعلي بإعادة الإعمار.

وأكد أن المنزل الخشبي أفضل من تلك الكرفانات التي وزعت على المواطنين لان مميزات السكن فيه افضل من الكرافانات ومراكز الايواء من ناحية “البرودة والدفء”.

ويتابع: “لا نشعر بالراحة كوننا شرقيين عندما يكون هناك ازدحام سكاني، لذلك قررت ترك مراكز الايواء وبناء منزل خشبي الى حين توفر مواد الاعمار”، مؤكدا ان السكن في هذا المنزل لا يسقط حقهم في البناء وإعادة الاعمار.

“بلا إعمار بلا بطيخ”

أما المواطن “ر.ش” من سكان بيت حانون شمال قطاع غزة، والذي لجأ الى بناء هذه المنازل، فقد قرر الاستقرار فيها وعدم الخروج منها الى الأبد ، كونها لا تتضرر في حال نشوب حروب قادمة على الساحة الأسخن في العالم، والتي تشهد حرباً كل عامين تقريباً.

وقال : (بدنا نضل نبني واليهود يهدوا لمتى ؟ خلص انا لا بدي استنى اعمار ولا بطيخ بدي اضل في البيت الخشي لطول العمر وبلا اعمار بلا زفت).

ويضيف : (والله محنا ملاحقين نبني ونشيل ردم مكسر)، مشيرا الى أن سياسة الهدم التي يعتمد عليها الجيش الاسرائيلي في كل عدوان على غزة لن تتغير ولم نعد نحتمل هذا الخراب وما يترتب عليه.

الخشب عنوان الفقر

ولم يعدْ المواطن “ع.ع” من سكان الشجاعية شرق مدينة غزة، يحتمل “خراب البيوت”، فأصر أن يعيشَ في بيت خشبي على أنقاض منزله الذي دمره الاحتلال، وحرمه من السكن فيه بعد أن انتهى من بنائه ودفع كل ما في جعبته من أموال (تحويشة العمر) لتشطيبه والسكن فيه قبل الحرب بأيام قلائل.

ويؤكد أنه يرفض السكن في بيت ايجار بسبب صعوبة تقبله العيش في بيت مستأجر، فضلاً عن أن ظروفه الاقتصادية باتت صعبة، خاصة وأن أبنائه الثلاثة الذين كانوا يساعدونه أصبحوا عاطلين عن العمل بسبب تدهور الأوضاع على كافة الأصعدة في القطاع الملكوم.

ويوضح الحاج الذي يعاني من المرض والفقر، أن الحكومة لم تقم بدورها لأصحاب البيوت المهدمة، على الرغم من الوعود والأحاديث عن الإعمار والمساعدات ، مشيرا الى أن المواطنين في غزة لم يرون أي شيء على أرض الواقع، حيث تعاني الكثير من العائلات من سوء في توزيع المساعدات، ولا يوجد شيء ملموس لإعادة الإعمار.

وبين أن أصحاب البيوت في المنطقة قاموا بأنفسهم بإزالة الركام من الشارع من خلال “كباش”، كما تبرعت إحدى المؤسسات بـ”برميل” مياه لكي يستخدمه المواطنون بالمنطقة، حيث لا توجد مياه بلدية، ولا يوجد مسؤولين بل ماتت ضمائرهم.

هذه البيوت الخشبية واقعٌ مر فرضته حربٌ مدمرة وإعمار معدوم، ومجتمعٌ عربي ودولي يُبقي بصمته نيران الاحتلال مشتعلة لتحرق الغزّيين شيئاً فشيئا، في ظل استمرار الانقسام وغيبوبة المسؤولين وتأخُر الإعمار.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن