تقرير: قلق إسرائيلي من تنامي نفوذ روسيا بالشرق الأوسط

تقرير: قلق إسرائيلي من تنامي نفوذ روسيا بالشرق الأوسط

رسخ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرا عن انسحاب جميع القوات الأمريكية تقريبا من شمال سوريا مكانة روسيا كأكبر قوة عسكرية عالمية تعمل في الشرق الأوسط.

ووصلت القوات الروسية هذا الأسبوع إلى قواعد عسكرية في شمال سوريا كان الجيش الأمريكي قد هجرها على عجل قبل أيام فقط، في ما يمكن وصفه بأنه تسليم فعلي ورمزي للهيمنة الإقليمية.

ويشعر العديد من المسؤولين الإسرائيليين في القدس بقلق عميق إزاء التخلي عنهم من قبل حليفهم القوي، حيث إن القرار الأمريكي بالانسحاب تدريجيا من هذا الجزء من العالم – الذي بدأ في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما – يهدد بتشجيع أعداء إسرائيل: إيران وحلفاؤها ووكلاءها في لبنان وسوريا وغزة وأماكن أخرى.

ماذا يعني استيلاء روسيا بالنسبة إسرائيل؟ يشعر بعض المحللين بالقلق الشديد، وهم يشعرون بالقلق من احتمال استخدام موسكو صواريخ أرض جو ضد الطائرات الإسرائيلية التي تهاجم أهدافا إيرانية في سوريا، ما سينهي فعليا حملة إسرائيل ضد إنشاء طهران موطئ قدم عسكري بالقرب من حدود إسرائيل.

ويعتبر آخرون دور روسيا القيادي الجديد فرصة، لأنه قد يفسح المجال لتسوية مؤقتة بين إيران وإسرائيل قد تمنع تصعيد حرب الوكلاء بين البلدين.

من أجل تحليل عواقب الوضع الراهن الجديد بالنسبة لإسرائيل، يجب أن نفهم سبب تدخل موسكو في الشرق الأوسط في المقام الأول، ويختلف الخبراء حتى بشأن هذا السؤال.

وقال عاموس يادلين، رئيس معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، لصحيفة تايمز أوف إسرائيل إن هناك ثمانية أسباب رئيسية “دفعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى التدخل في الشرق الأوسط:

1- لجعل روسيا عظيمة مرة أخرى.

2- أن تصبح قوة ذات نفوذ مرة أخرى، بعد أن أبقتها الولايات المتحدة خارج مصر (1973)، العراق (2003)، ليبيا (2011)، وعملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية.

3- للحد من نفوذ الولايات المتحدة.

4- لاستخدام أوراق الشرق الأوسط في نزاع روسيا مع أوكرانيا.

5- للسيطرة على الموانئ والقواعد الجوية، ما كان التسار يحلم به.

6- لتجربة الأسلحة التي طورتها روسيا في العقد الماضي.

7- لإنقاذ بشار الأسد في سوريا – والإظهار للعالم أن الروس لا يتخلون عن حلفائهم.

8- لمحاربة الجهاديين – في سوريا وليس في القوقاز.

وقال يادلين لتايمز أوف إسرائيل انه بينما روسيا لا تريد بالضرورة أن تكون بمثابة “وسيط نزيه” بين الأطراف المتحاربة في الشرق الأوسط، فإنها تسعى لتطوير علاقات جيدة مع الجميع.

وشدد يادلين على أنه لا ينبغي اعتبار روسيا بمثابة قوى إقليمية مهيمنة. بدلا من ذلك، يجب منح هذا اللقب أيضا إلى تركيا، إسرائيل، المملكة العربية السعودية ومصر.

وحتى الأميركيين لديهم عدد قوات أكبر في الشرق الأوسط من الروس، قال يادلين.

وأضاف: “صحيح أن الروس يحكمون سوريا إلى حد كبير، ولكن مع كل الاحترام، سوريا ليست دولة من الدرجة الأولى”.

وتابع: “لدى الأميركيين عدد اكبر من القوات [في الشرق الأوسط]، رغم قلة الاستعداد لاستخدامها. ينبع النجاح الروسي من قدرتهم على استخدام عدد قليل جدا من القوى بإصرار وقواعد اشتباك لا يمكن لغيرهم أن يسمحوا لأنفسهم العمل بها، مع حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي والجماهير الوطنية في الداخل”.

أستاذ التاريخ في الجامعة العبرية يونتان ديكل-خن، الخبير حول روسيا، قال إن الدافع الرئيسي وراء تدخل بوتين في الشرق الأوسط هو الحاجة إلى تثبيت نظام الأسد حتى تتمكن موسكو من الحفاظ على وجودها العسكري المحدود في سوريا.

وأضاف ديكل خن: “هذا لا يتغير [الآن بعد أن انسحاب الأمريكيون من سوريا]. ما تغير هو الظروف المحيطة بذلك”.

حتى الآن، تشير نشاطات روسيا منذ الانسحاب الأمريكي إلى أن بوتين لا يزال يركز بشكل أساسي على هدفه الأول، التأكد من بقاء الأسد. وبالتالي، فإن موسكو غير راضية عن دخول قوة إقليمية طموحة – تركيا – إلى الساحة، وستحاول أيضًا منع احتمال إحياء تنظيم الدولة الإسلامية.

وتابع: “هذا بالطبع يؤثر على إسرائيل، ولكن بشكل غير مباشر.. ولم تكن إسرائيل أولوية بالنسبة للنشاطات الروسية في سوريا. انها ببساطة ليست كذلك. هناك بالتأكيد نتائج ثانوية للسياسات والإجراءات الروسية في سوريا بالنسبة لإسرائيل”.

من ناحية أخرى، حذر السفير الإسرائيلي السابق إلى الولايات المتحدة مايكل أورن أن يجب على إسرائيل أن تتقبل حقيقة تغيير ميزان القوى في الشرق الأوسط بشكل جذري، وأنه لم يعد لديها حليف مع القوات على الارض في المنطقة المحيطة بها، حذر مايكل أورن.

وقال أورن: ” أنا قلق، لقد اعتمدنا على مدى السنوات الـ 45 الماضية على سلام أمريكي لم يعد موجودا. أنا لا أقول إن الولايات المتحدة لن تأتي لمساعدتنا [في حالة الحرب] لكن لا يمكننا ان نكون متأكدين من ذلك بعد الآن، وعلينا أن نستوعب هذا الوضع”.

وأكد أورن أن الولايات المتحدة حليفة؛ لكن روسيا ليست كذلك، ومن غير المفيد أن ندعي أن روسيا ستكون حليفة، لكن لا يجب نجعلهم أعداء أيضا. يمكننا التوصل الى تسوية مؤقتة معهم”.

وقالت كسينيا سفيتلوفا، باحثة السياسة المولودة في موسكو في المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية “ميتفيم”، إنه يمكن ان يكون لموقع روسيا القيادي الجديد في المنطقة تداعيات “خطيرة جدا” على إسرائيل.

وأضافت: “لدينا الآن أنظمة دفاع جوي روسية، أنظمة أس-300، التي تغطي الشواطئ السورية واللبنانية. عندما يعتقد الروس أنه من الذكي بالنسبة لهم تشغيل هذه الأنظمة ووقف الهجمات الإسرائيلية، لن تكون إسرائيل قادرة بعد على مواجهة انتشار النفوذ الإيراني في هذه البلدان”.

وقالت سفيتلوفا، عضو الكنيست السابقة في “المعسكر الصهيوني”، إنه سيتم أيضا منع سلاح الجو الإسرائيلي من مهاجمة مصانع الصواريخ أو شحنات الأسلحة في سوريا واماكن أخرى.

ونفذت إسرائيل مئات الغارات الجوية في السنوات الأخيرة ضد القوات المدعومة من إيران في سوريا، والتي يتم تنسيقها مع روسيا.

وقد طور رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو علاقات عمل جيدة مع بوتين، لكن هذا لا يعني أن الكرملين سيواصل التسامح مع الهجمات الجوية الإسرائيلية ضد الأهداف الإيرانية في سوريا، تابعت.

“الروس مهتمون بالتأكيد بإعادة هيكلة وإعادة بناء الجيش السوري، ما يعني أن الجماعات المسلحة المختلفة ستجتمع تحت جناح الجيش السوري. وأي هجوم [ضد الأهداف الإيرانية في سوريا] سيعتبر هجومًا ضد بشار الأسد، وهذا شيء لن يقبله الروس، وهذا لا ينطبق على سوريا فقط. إيران أيضًا حليف استراتيجي لروسيا، قالت سفيتلوفا.

ونوهت إلى أن من المستبعد أن تفعل موسكو أي شيء لكبح النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان.

وترى أن إعلان ترامب بأنه ما كان يجب على الولايات المتحدة أن تتدخل في الشرق الأوسط أصلا يشكل خطراً كبيراً على إسرائيل، ربما، ويغير النظام العالمي، الذي كان مقره أمريكا، هنا في الشرق الأوسط، إلى شيء غير واضح تماما كيف سوف يتطور.

أما المحلل الرفيع في “مجموعة الأزمات الدولية” التي مقرها القدس عوفر زالزبرغ، فيرى أن أحداث هذا الأسبوع أقل دراماتيكية، وحتى يرى بعض الفرص لتحقيق منطقة أكثر سلما.

وقال لصحيفة تايمز أوف إسرائيل: “يمكن أن أقول إن روسيا أصبحت هذا الأسبوع على الأكثر القوة العالمية الوحيدة المستعدة استخدام القوة العسكرية في الشرق الأوسط، وهذا قد يتغير عندما يغادر الرئيس ترامب منصبه، إضافة الى ذلك، لا تستطيع ولن تحل روسيا محل الولايات المتحدة اقتصاديًا في الشرق الأوسط لفترة طويلة: ناتجها المحلي الإجمالي مجرد 10% فقط من الناتج المحلي للولايات المتحدة”.

وأضاف زالزبرغ أن انسحاب الولايات المتحدة من سوريا قد يقضي على “تمني إسرائيل حل الولايات المتحدة لجميع المشاكل عسكريا”، ما قد يكون امرا جيدا للجميع.

وتابع: “تواجه إسرائيل خيارًا ثنائيًا إلى حد ما بين السعي، مع المجازفة العالية، الاعتماد على الذات، وبشكل عسكري بالأساس لتحقيق أهدافها الشمولية الحالية، ويشمل ذلك الإصرار على عدم يُسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم والتراجع التام عن ترسيخ إيران العسكري في سوريا”.

ولفت زالزبرغ إلى أن انسحاب أميركا وموقع روسيا القيادي الجديد قد يدفعان إسرائيل إلى إعادة التفكير بأهدافها لجعلها أكثر قابلية للتحقيق من خلال الدبلوماسية.

وأوضح أن علاقات موسكو مع إيران وعملائها يمكن أن تساعد في الوصول إلى تقاسم سلطة مؤقت بحكم أمر الواقع بين طهران وإسرائيل بدلا من النصر الشامل لأي من الجانبين.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن