جيوبوليتيكال فيوتشرز: الوطن العربي أمام تحديات خطيرة بسبب أزمة الأمن الغذائي

جيوبوليتيكال فيوتشرز: الوطن العربي أمام تحديات خطيرة بسبب أزمة الأمن الغذائي
تعبيرية

تواجه المنطقة العربية، الممتدة من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي، نقصا حادا في الغذاء. وبالنظر إلى أن 65% على الأقل من الناس في معظم الدول العربية فقراء أو معرضون للفقر، فليس من المفاجئ أن ينتشر الجوع وسوء التغذية في المنطقة.

وحتى في السعودية الغنية بالنفط، فإن 20% من السكان على أقل تقدير يقبعون تحت خط الفقر. وتتفاقم هذه المشكلة بسبب سوء الإدارة، والتغيرات الديموغرافية، وندرة المياه، وتغير المناخ، وتداعيات وباء “كوفيد-19″، والنزاعات التي لم يتم حلها. واليوم، تكشف الحرب في أوكرانيا عن مدى خطورة نقاط الضعف هذه، والتي ستظل تواجه المنطقة بعد انتهاء الحرب.

ندرة المياه

من بين 17 دولة تعاني من الإجهاد المائي في العالم، توجد 12 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وبالرغم أن المنطقة العربية تضم 5% من سكان العالم، فإن نصيبها من المياه العذبة في العالم أقل من 1%. وتستورد الدول العربية أكثر من نصف احتياجاتها من الغذاء، وتنفق 5% من ناتجها المحلي الإجمالي على هذه الواردات.

وقد أثرت هذه المشاكل على الدول العربية بطرق مختلفة. وفي العراق، أدى الجفاف والعواصف الرملية ودرجات الحرارة المرتفعة والعقبات الخارجية أمام تدفق المياه إلى فقدان المياه بنسبة 60%. وأدت سياسة بناء السدود التي تتبعها تركيا وإيران إلى تفاقم مشاكل إمدادات المياه في كل من العراق وسوريا.

وفي مصر، حرم سد النهضة الإثيوبي البلاد من 25% من إمدادات مياه النيل. وأدى احتكار إسرائيل لمياه نهر الأردن إلى تفاقم ندرة المياه في الأردن.

وفي سوريا والعراق، حيث فقد 12 مليون شخص إمكانية الوصول إلى المياه، بدأت زراعة القمح في الانهيار. وتقلصت الأراضي المزروعة في العراق بمقدار النصف خلال العام الماضي، وفي حين سيتضاعف عدد السكان بحلول عام 2050 فإن مياه الشرب ستنخفض بنسبة 20% بسبب تراجع هطول الأمطار التي تشكل 30% من إمدادات المياه في البلاد.

وتقول وزارة الموارد المائية العراقية إن نهري دجلة والفرات سيتعرضان للجفاف في غضون 20 عاما ما لم تطلق تركيا المزيد من المياه. وفي سوريا، يأتي نحو 60% من تدفق المياه إلى البلاد من تركيا التي تستخدم ذلك كورقة لزيادة نفوذها في سوريا.

وعادة ما يتم إطلاق المزيد من المياه إلى سوريا في الشتاء عندما تصل السدود إلى أقصى طاقتها بدرجة قد تهدد سلامتها الهيكلية. وخلال موسم الصيف الجاف، قد يتسبب انخفاض تدفق المياه في خسائر اقتصادية هائلة في الزراعة ومصايد الأسماك.

أما السعودية، فقد استنفدت بالفعل طبقات المياه الجوفية بعد أن استخدمت سنويا 5 أميال مربعة من مياهها الجوفية غير المتجددة في الزراعة. وبالرغم أن السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى لديها ما يقرب من 900 محطة لتحلية المياه، إلا أن الزراعة لا تستفيد من هذه المياه بشكل كبير، حيث يذهب أكثر من نصف إنتاج المحطات إلى الاستخدام المنزلي.

وفي الجزائر والمغرب، حيث يتزايد نقص المياه، تعتمد الزراعة بشكل كبير على هطول الأمطار، وهو أمر لا يمكن التنبؤ به.

تكنولوجيا عفا عليها الزمن

ولا تعد ندرة المياه المشكلة الوحيدة، حيث تراجعت الإنتاجية الزراعية نتيجة للتقنيات القديمة، فضلا عن سوء التخطيط والإدارة. وتستهلك أنظمة الري غير الفعالة مثل الري بالغمر مياها أكثر بنسبة 40% من الري بالرش أو الري بالتنقيط.

وتعد التعاونيات الزراعية نادرة، ولا تقدم الحكومات العربية حوافز للتوسع في الزراعة، ما يؤدي إلى تفتت الأرض إلى قطع صغيرة مملوكة للعائلات بما لا يناسب الري الحديث والزراعة الآلية.

كما تفتقر الزراعة إلى الأسمدة والمبيدات الكافية. وتؤدي هذه المشكلات إلى غلات منخفضة الجودة، بمتوسط ​​1.3 طن للهكتار، مقارنة بالمتوسط ​​العالمي البالغ 3.6 طن للهكتار. وتتسبب معدلات المواليد المرتفعة، بنحو 2% مقارنة بالمعدل العالمي البالغ 1%، في تعقيد الوضع.

وتعد الأراضي الصالحة للزراعة في المنطقة والتي تبلغ مساحتها الإجمالية 70 مليون هكتار (30% منها في السودان) كافية لتلبية الاحتياجات الزراعية لكن ما يفتقر إليه العرب هو نظام ري عملي والقدرة على العمل معا. ويقف الفساد وسوء الإدارة في طريق تحقيق ذلك.

وفي العراق، لا يبدو أن الحكومة تأخذ الوضع المائي على محمل الجد. وفي عام 2018، خصصت 15 مليون دولار، أي نحو 0.2% فقط من ميزانيتها، لمعالجة قضايا المياه. ويحتاج العراق إلى استثمار ما لا يقل عن 180 مليار دولار في بناء السدود ومشاريع الري لمعالجة ندرة المياه على مدى العقدين المقبلين.

وتعود قضايا المياه في سوريا إلى ما قبل انتفاضة 2011. وتعاني العاصمة دمشق، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 4 ملايين نسمة، بشكل متكرر من انقطاع المياه الذي يستمر عدة أسابيع. والآن تعد نصف مرافق معالجة المياه في سوريا غير صالحة للعمل بسبب الحرب، ما قلل من مياه الشرب المتاحة بنسبة 40% على مدى العقد الماضي فضلا عن أزمة تلوث مياه الشرب بمياه الصرف الصحي.

فشل الحكومات

وتعد الدول العربية أكبر مستوردي الحبوب في العالم لذلك كشفت حرب أوكرانيا عن هشاشة المنطقة فيما يخص الاكتفاء الذاتي. وبالرغم أن روسيا وأوكرانيا تصدران 12% فقط من غذاء العالم، فإن قربهما من المنطقة يجعل منتجاتهما أرخص بكثير وأكثر قدرة على المنافسة من منتجات المصدرين الآخرين للمواد الغذائية.

وكان الصراع مزعجا بشكل خاص للدول العربية بسبب أهمية الخبز في النظم الغذائية العربية. ويأتي نحو 35% من السعرات الحرارية في الدول العربية من الخبز وحده. وتستورد بعض البلدان، مثل العراق واليمن ولبنان، أكثر من 70% من احتياجاتها من القمح.

ويعد النقص في المواد الغذائية الأساسية، بما في ذلك الخبز وزيت الطهي والبقوليات، أمرا شائعا، ولا سيما في مصر والجزائر والمغرب، وقد أجبر ذلك النخبة الحاكمة على اتخاذ خطوات لتجنب الثورات المحتملة.

وعلى مدى أعوام، اشتكى الجزائريون من أزمة الغذاء وتضخم الأسعار حيث انخفضت قدرتهم الشرائية بنسبة 40% خلال الأعوام الـ 6 الماضية. وأدى انفصال الحكومة التي تعاني من ضائقة مالية عن الأزمة وقرارها بتخفيض الواردات إلى زيادة مستوى الإحباط العام.

وفي مصر، لم تؤد سياسة الري خلال القرن العشرين، التي بلغت ذروتها باستكمال السد العالي في أسوان عام 1970، إلى ثورة زراعية. وبدلا من ذلك، اتسعت الفجوة بين إنتاج الغذاء المحلي والواردات، ووصلت إلى معدل ينذر بالخطر في الأعوام الأخيرة. وبلغت نسبة الغلال المزروعة محليا 69% في عام 2000، لكن الإنتاج المحلي انخفض إلى 45% في عام 2018. وخلال نفس الفترة، انخفضت البقوليات المزروعة محليا من 56% إلى 37%، واستمر الاتجاه الهابط.

وتهتم الدول العربية بأمن النظام السياسي أكثر من اهتمامها بالاستقلال الغذائي. على سبيل المثال، تنفق مصر والجزائر والمغرب خمس مرات و12 مرة و25 مرة، على التوالي، على الدفاع أكثر مما تنفق على الزراعة.

ومنذ عام 1956، اقترح البعض إنشاء سوق عربية مشتركة تمهيدا لإطلاق اتحاد اقتصادي لكن الفكرة لم تتحقق أبدا. وقدمت قمة جامعة الدول العربية عام 2005 في الجزائر وقمة 2007 في الرياض رؤية استراتيجية لتحقيق الأمن الغذائي العربي من خلال تطوير قطاع زراعي فعال اقتصاديا وإدارة الموارد البيئية بشكل صحيح وتحسين نوعية حياة المزارعين. ووافق وزراء الزراعة العرب على توصيات هذه القمم خلال اجتماع عام 2008 للمنظمة العربية للتنمية الزراعية في البحرين. وتضمنت التوصيات تطوير تقنيات زراعية حديثة وتشجيع الاستثمار في التصنيع الزراعي، كما طالبت بتحسين التنافسية الزراعية والاستثمار في تنمية الموارد البشرية.

لكن الأنظمة العربية دمرت آفاق إطلاق ثورة زراعية ناجحة. ورفضت التعاون وفضلت استيراد المواد الغذائية التي تكلف المنطقة العربية سنويا أكثر من 100 مليار دولار وتعرضها لتقلبات الأسعار واضطراب الاستيراد بسبب الصراعات الخارجية. وساهم المستبدون العرب عن عمد في إهدار الموارد المائية الشحيحة لبلدانهم.

وفي عام 1992، أمر الرئيس العراقي “صدام حسين” بتجفيف منطقة الأهوار جنوبي البلاد لمعاقبة المتمردين الشيعة وجماعات المعارضة الذين كانوا يسكنونها ما أدى إلى تدمير الزراعة ومصايد الأسماك والتنوع البيولوجي الفريد. وفي أوائل التسعينات من القرن الماضي، حوّل الرئيس السوري “حافظ الأسد” مياه الصرف الصحي إلى نهر بردى، الذي يعبر دمشق ويزود العاصمة بالمياه للاستخدام المنزلي والزراعي، كما قام بإعادة توجيه قنواته بعيدا عن قصره لأسباب أمنية. وغير ابنه “بشار” اتجاه مصب النهر ليغمر مناطق الثوار خارج دمشق.

التأثير على الصحة العامة

وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة “فاو” التابعة للأمم المتحدة، ارتفع عدد الجياع في المنطقة العربية بأكثر من 90% خلال العقدين الماضيين، متجاوزا 69 مليونا في عام 2020. ويعاني ثلث سكان المنطقة البالغ عددهم 420 مليون نسمة من سوء التغذية. ويعاني أكثر من 20% من الأطفال دون سن الخامسة من مشاكل في النمو. ويعاني 8% من نقص الوزن، و11% من زيادة الوزن، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى سوء النظم الغذائية.

وفي اليمن، يعاني 45% من البالغين من الجوع فيما يعاني 60% من الشباب من فقر الدم. وفي السودان، يعاني أكثر من 20% من السكان البالغ عددهم 45 مليون نسمة من الجوع الشديد، وهو ما قد يتضاعف في ظل الحكومة التي يسيطر عليها الجيش. وتعد هذه الأرقام قاتمة بالنظر إلى أن السودان يمكنه تغذية معظم المنطقة العربية إذا كان قادرا على استغلال إمكاناته الزراعية الكاملة.

في المقابل، يعتبر الإفراط في الغذاء في دول مجلس التعاون الخليجي مشكلة كبيرة. وساهمت العادات الغذائية غير الصحية في ارتفاع معدلات الأمراض المزمنة وخاصة مرض السكري. وسيصاب ربع البالغين في مجلس التعاون الخليجي بمرض السكري بحلول عام 2030. وفي السعودية، يعاني أكثر من 50% من الأشخاص فوق سن الـ 30 من مقدمات السكري.

باختصار، فشلت المنطقة العربية في معالجة أسباب أزماتها الغذائية، ومن غير المرجح أن تتغلب عليها في المستقبل القريب.

ويتطلب تحقيق التنمية المستدامة حل أزمة الغذاء والخروج من الحلقة المفرغة للفقر. وتتضمن هذه العملية إعادة ترتيب أولويات أهداف الدولة من الدفاع إلى الزراعة وعكس أنماط الهجرة الداخلية التي شهدت حركة سكانية ضخمة من المناطق الريفية إلى المراكز الحضرية على مدى نصف القرن الماضي. وأضعفت هذه التغيرات الديموغرافية قطاع الزراعة فيما فشلت في تعزيز الصناعات الإنتاجية الأخرى.

وقد يكون الحكام العرب متحمسين لتطوير بلادهم، لكنهم غير مستعدين للتخلي عن تركيزهم على استقرار النظام وأمنه.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن