ستراتفور: الاعتبارات الاستراتيجية للموقف الصيني من الحرب في أوكرانيا

ستراتفور: الاعتبارات الاستراتيجية للموقف الصيني من الحرب في أوكرانيا
ستراتفور: الاعتبارات الاستراتيجية للموقف الصيني من الحرب في أوكرانيا

بالنظر إلى الأسباب الأيديولوجية والاستراتيجية، للوهلة الأولى، نجد أنه من المرجح أن تواصل الصين دعمها الضمني لروسيا في أوكرانيا، لكن مع مزيد من التدقيق نجد أن بكين ستسعى على الأرجح إلى تحسين العلاقات مع الغرب والامتثال للعقوبات ضد موسكو من أجل حماية نموها الاقتصادي.

ومنذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط، قدمت الصين دعما خطابيا لموسكو يتضمن تفهم المخاوف الأمنية الروسية بشأن توسع “الناتو”، وكررت وسائل الإعلام الصينية المزاعم الروسية بشأن مسؤولية الغرب عن التوترات الروسية الأوكرانية، بما في ذلك دعم الولايات المتحدة لتصنيع أسلحة كيميائية في أوكرانيا.

ورفضت الصين وصف الغزو بالحرب، وانحازت لادعاء روسيا بأن توغلها في أوكرانيا لم يكن حربا، بل كان عملية عسكرية خاصة.

وفي الوقت ذاته، نفت بكين المزاعم الغربية بشأن إمكانية تقديم الصين الدعم العسكري اللازم لروسيا أو مساعدة موسكو على تفادي العقوبات. ووصفت هذه التكهنات بـ”الأخبار الكاذبة”، وكرر المسؤولون الصينيون التأكيد على أن الشراكة مع الكرملين لا تعني أن البلدين يدعمان بعضهما البعض بالضرورة في كل خطوة.

ويعتمد الدعم السياسي الصيني لحملة روسيا في أوكرانيا على أيديولوجية الحزب الشيوعي الصيني المعادية للغرب، وكذلك على اضطرار بكين لدعم شركائها الدبلوماسيين القلائل، بما في ذلك موسكو.

ويعود دعم الحزب الشيوعي الصيني لما يسمى بـ “الديمقراطيات البديلة”، وهو وصف للأنظمة الاستبدادية التي تدعي أنها تحمي مواطنيها وتدافع عن السيادة الوطنية، ومعارضة ما يسمى بـ “الهيمنة الديمقراطية الليبرالية الغربية”، إلى وقت تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949 وأفكار “ماو تسي تونغ” عن ثورة شيوعية عالمية.

• واشنطن تطالب الصين ودول أخرى بحسم موقفها

واكتسبت هذه المذاهب قوة متجددة في عهد الرئيس “شي جين بينغ”، الذي ينظر إلى العالم الغربي بقيادة الولايات المتحدة على أنه يتجه نحو الانحدار الحضاري، وأن الصين متجهة إلى التطور لتصبح القوة العظمى الرائدة في العالم. لذلك، كلما سنحت فرصة لإظهار تناقض الادعاءات الغربية، تستفيد بكين من تلك الفرصة.

وسوف تحافظ بكين على دعمها السياسي لموسكو حتى لو تعارض ذلك مع موقف بكين بشأن النزاعات الإقليمية الأخرى؛ نظرا للحاجة الاستراتيجية للحفاظ على سياسة متوازنة في الوقت الذي يسعى فيه “شي” لبدء فترة ولايته الثالثة.

ومنذ نشأته، ادعى الحزب الشيوعي الصيني أنه يتبنى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ودعم السيادة الوطنية ورفض الحركات الانفصالية، وبالرغم أن دعم بكين الضمني للغزو الروسي يتعارض مع هذه المبادئ، فإن بكين مستعدة للسماح بذلك من أجل الحفاظ على شراكتها مع موسكو في وقت تشتد فيه المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين.

وبالإضافة إلى ذلك، تعد العلاقة الصينية الروسية شخصية للغاية، فقد التقى “شي” مع “بوتين” 38 مرة منذ وصوله إلى السلطة في عام 2012 (أكثر من عدد اللقاءات مع أي زعيم آخر حول العالم). وبالتالي، فإن تهديد الشراكة الروسية سيكون بمثابة تهديد لحكم “شي” في عام يخطط فيه لبدء فترة ثالثة غير مسبوقة كأمين عام للحزب الشيوعي الصيني في المؤتمر الـ 20 للحزب أواخر عام 2022.

ومن غير المرجح أن يغير “شي” هذا الدعم لروسيا خلال ولايته الثالثة؛ لأن المنافسة مع الولايات المتحدة ستستمر، وبالتالي ستستمر حاجة الصين إلى شركاء استراتيجيين.

وبالرغم من المنافسة المستمرة بين الولايات المتحدة والصين، ستحاول بكين الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية مع الحكومات الغربية؛ لأن الحاجة قصيرة الأجل للشركاء التجاريين تفوق طموحاتها الجيوسياسية طويلة الأجل.

• لوموند: بين أمريكا والصين.. حوار طرشان حول أوكرانيا وتايوان

ومع استمرار الحرب في أوكرانيا، سيزيد دعم بكين الضمني لموسكو من تآكل سمعة الصين الدولية كقوة عالمية مسؤولة. وقد يدفع هذا الدبلوماسيين الصينيين لمحاولة إصلاح العلاقات التجارية المتوترة، لا سيما مع أوروبا (فيما يتعلق بالمفاوضات المتوقفة حول اتفاقية استثمار شاملة بين الاتحاد الأوروبي والصين) ومع أستراليا (فيما يتعلق بالحرب التجارية أحادية الجانب التي شنتها الصين ضد السلع الأسترالية التي أعقبت دعم كانبرا لإجراء تحقيق دولي في دور الصين في اندلاع وباء كوفيد-19).

وستحاول بكين أيضا تعزيز العلاقات في أفريقيا جنوب الصحراء وأمريكا اللاتينية لرعاية الشراكات التجارية الناشئة في المستقبل والحفاظ على الأماكن التي تتيح للصين عرض نموذجها الديمقراطي البديل للحوكمة باعتباره متفوقا على الديمقراطية الليبرالية الغربية.

وستواصل الصين الدعوة إلى حل سلمي في أوكرانيا، وقد تختار حتى تسهيل واحد أو أكثر من المفاوضات الجارية بشأن وقف إطلاق النار كوسيلة لتصدير صورة عن نفسها باعتبارها قوة عالمية مسؤولة.

ولكن، إذا ظل الموقف التفاوضي الروسي قويا، كما يحدده زخم الحرب، فمن غير المرجح أن تواصل الصين الدور الريادي بالتوسط في الصراع؛ لأن مثل هذه المفاوضات يمكن أن تضع بكين في موقف يبرر صراحة غزوا أجنبيا.

علاوة على ذلك، ستشمل هذه المفاوضات حتما مناقشات حول مصير شبه جزيرة القرم، ولن تكون الصين مستعدة لدعم تسوية لصالح روسيا على هذه الجبهة؛ لأنها قد تبرر خطابيا اعتداءات مماثلة ضد مناطق الحكم الذاتي المضطربة في الصين، بما في ذلك “شينجيانغ”.

• الصين تهدد الولايات المتحدة.. لن نترك بوتين وحيدا !

ونظرا لحاجة الصين إلى دعم النمو الاقتصادي، فمن المرجح أن تمتثل بكين للعقوبات المالية والتكنولوجية الغربية ضد روسيا، وستحافظ على روايتها الإعلامية القائلة بأن العقوبات الغربية أحادية الجانب لا تستند إلى إجماع دولي وغير فعالة وأنها رمز للهيمنة المالية الأمريكية.

لكن البنوك والشركات الصينية الكبرى ستلتزم إلى حد كبير بالعقوبات الغربية لتجنب العقوبات في عام يتوقع فيه الحزب الشيوعي الصيني أن الطلب العالمي على الصادرات الصينية سينخفض ​​مع إعادة فتح الاقتصادات العالمية الرئيسية وتحول طلب المستهلكين الأجانب من المنتجات إلى الخدمات.

علاوة على ذلك، تحاول السلطات الصينية تأمين إمدادات وفيرة من الوقود والغذاء والمدخلات الزراعية والصناعية وسط ضغوط هائلة على السلع العالمية. ويهدف الحزب أيضا إلى تجنب انهيار قطاع العقارات، وتفاقم أزمة البطالة وديون الحكومات المحلية، والإغلاق واسع النطاق للمؤسسات الصغيرة ومتوسطة الحجم، وكل ذلك بينما تظل بكين ملتزمة باستراتيجيتها للوقاية الصارمة من العدوى.

وتشير هذه الاعتبارات الاقتصادية إلى أن الحزب الشيوعي الصيني لن يكون لديه فرصة كافية للوصول إلى هدفه الطموح لنمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.5% لعام 2022. وبالتالي، مهما كان الثمن، سيتجنب التعجيل بالتعرض لعقوبات غربية.

وللأسباب نفسها، من المرجح أن تتجنب الصين تقديم مساعدات مالية أو عسكرية كبيرة لروسيا، وهي المساعدة التي تشير الاستخبارات الأمريكية إلى أن موسكو طلبتها بشكل مباشر. وبالرغم أن السلطات الصينية هددت باستخدام “قانون مكافحة العقوبات الأجنبية” الصيني ردا على أي عقوبات غربية، فإن القيام بذلك من شأنه أن يعيق بيئة الأعمال والاستثمار في الصين؛ ما يعقد خطط النمو الاقتصادي لدى بكين.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن