شراكة الدم بين نظام الأسد والتنظيمات المسلحة.. تعرف على قصص غير مروية من الغوطة

سوريا

ترجمة : شهاب ممدوح

القوات الحكومية وقوات المعارضة السورية تمنع المدنيين الهاربين من القصف من مغادرة الغوطة الشرقية, هذا ما يقوله مدرّس في الغوطة حاول أن يُخرج عائلته من هناك.

في مقابلة حصرية مع صحيفة الإندبندت, تحدث “غفور” البالغ من العمر 43 عامًا, وهو مدرس لغة العربية, عن محاولته الفاشلة هو وعائلته للهروب من الغوطة.

يقول “غفور”: “أعيش في مدينة دوما (في شمال الغوطة الشرقية) ولدي ثلاثة أطفال جميعهم تحت سن الخامسة عشرة”. ويتابع بالقول: “حاولت إخراج عائلتي, لكن مسلحي المعارضة يمنعون خروج كل العائلات”. يضيف “غفور” أنه حتى شبكات المهرّبين الواسعة النطاق- والتي اعتادت على جلب البضائع سرًا إلى الغوطة, وأحيانا تهريب الناس لخارجها- لا تساعدهم على الخروج, لأن تلك الشبكات تعمل مع جماعات المعارضة المسيطرة على الغوطة الشرقية.

ويذكر غفور أنه “حاول الخروج دون جدوى”, لكن أحد القادة المحليين في المعارضة, ربما من فصيل (جيش الإسلام) الذي يسيطر على هذا الجزء من الجيب المحاصر, أمسك به هو وعائلته الخميس الماضي, عند محاولتهم الخروج من “دوما” باتجاه منطقة آخرى تسيطر عليها المعارضة من ناحية الغرب تسمى “حرستا”.

ويصف “غفور” ما حدث قائلاً: “صرخ القائد في وجهي, قائلاً: ’ينبغي عليك البقاء هنا ودعم قتالنا ضد النظام, ولا ينبغي عليك حتى إرسال زوجتك وأطفالك بعيدًا. لو أرسلنا عائلاتنا للخارج, فإن معنوياتنا ستهبط وسنخسر‘”.

عاد “غفور” هو وعائلته إلى المنزل وقال إنه توقع أن يلقوا حتفهم في أي لحظة. مع ذلك, هو يتعاطف مع ملسحي المعارضة الذين يمنعونه هو وعائلته من الهروب. إذ يقول: “أنا لا أشارك في القتال, لكني أذهب وأشاهد المقاتلين عن قرب, وأعرض عليهم المساعدة إن دعت الحاجة إلى ذلك”.

يخشى “غفور” من عمليات انتقام حكومية, قائلاً إنه من الخطر حتى استخدام شبكة “سيرياتيل” للهواتف المحمولة لأن “النظام يسجّل المكالمات الهاتفية”. ويتابع “غفور” بالقول “أحد أصدقائي جرى اعتقاله في الشهر الماضي بسبب بعض المكالمات التي أجراها في مدينة دوما, وذلك قبل انتقاله إلى المناطق الخاضعة للنظام”.

يقول “غفور” إنه بات من المستحيل الآن العبور من “حرستا” أو “دوما” نحو الأراضي الخاضعة للحكومة, كما كان الحال في السابق: “النظام لن يسمح لهم بالذهاب لمناطقه”. ونتيجة لذلك, بقى هو وعائلته في بيتهم, وسط حالة من الخوف والحيرة بشأن ما سيحدث لهم بعد أسبوع من القصف المتواصل”. ويضيف غفور”خسرت صديقين في مدينة الشيفونية بالأمس من جراء غارة جوية”.

جاء حديث “غفور” متزامنا مع تمرير مجلس الأمن الدولي لقرار يطالب بوقف لإطلاق النار مدته ثلاثون يومًا في سوريا, وهو ما أدى للتخفيف بعض الشيء من عمليات القصف الجوي والمدفعي التي أودت بالفعل بحياة 500 شخص في الغوطة الشرقية خلال الأسبوع الماضي. وقد جاء هذا القرار قبل ظهور مزاعم تفيد بأن الحكومة السورية استخدمت غاز الكلور.

ما يظهر هو أن جماعات المعارضة المسلحة في الغوطة الشرقية والحكومة السورية عملت على منع الناس من مغادرة الغوطة. وهو ما يؤكده تقرير للأمم المتحدة يسمى “ريتش” (Reach) والذي يذكر: “تواصل جماعات محلية مسلحة منع النساء من كل الأعمار, فضلا عن الأطفال, من مغادرة المنطقة لأسباب أمنية”.

لقد كان هذا هو النمط السائد في كل عمليات الحصار العديدة في سوريا التي قامت بها جميع الأطراف, إذ لا تريد تلك الأطراف تفريغ جيوبها المحاصرة من السكان, وترغب في الاحتفاظ بأكبر عدد ممكن من المدنيين كدروع بشرية.

لكن “غفور” محق في قوله إنه وعائلته سيشعرن بخوف شديد حتى لو تمكّنوا من الانتقال للمناطق الحكومية. فالرجال الذين بلغوا سن الخدمة العسكرية, بوجه خاص, ربما سيجرى اعتقالهم بشبهة أنهم كانوا أعضاءً في الجماعات المسلحة, أو لتجنيدهم في الجيش السوري. ربما تكون عملية الاعتقال فورية, أو تجري في وقت لاحق أثناء مرور الأشخاص عبر إحدى نقاط التفتيش الحكومية التي تعد بالآلاف. هذه النقاط تشبه المعابر الحدودية, ويسعى أفرادها المنتمون للجيش والشرطة, والذين يتقاضون مرتبات متدنية, للحصول على رشاوى, خاصة من هؤلاء الأشخاص القادمين من المناطق الخاضة للمعارضة.

لكن ثمة سبب آخر يفسّر لماذا قد يكون الأشخاص الهاربون من الغوطة الشرقية في خطر في حال وجودهم في مدينة دمشق الخاضعة لسيطرة الحكومة. فالحرب الأهلية السورية المستمرة منذ سبع سنوات, جعلت السوريين على جانبي الصراع, والذين فقد الكثير منهم أقاربهم بسبب العنف, ينظرون إلى بعضهم البعض بحقد شديد. ففي مدينة دمشق, تقوم الحكومة السورية بأغلب عمليات القصف الجوي والمدفعي ضد المناطق الخاضعة للمعارضة, لكن الأحياء الدمشقية الخاضعة للحكومة تتعرض هي الأخرى لنيران قادمة من الغوطة الشرقية, أغلبها قذائف هاون.

تشرح “رانيا”, البالغة 22 عامًا, وهي طالبة بالسنة الرابعة في قسم الأدب الأنجليزي في جامعة دمشق, للإندبندنت ما حدث في منطقتها وردّ فعل الناس على ما حدث. هي تعيش في حي “الدولة”, الخاضع لسيطرة الحكومة, والواقع بين منطقتين خاضعتين للمعارضة, وهما “عين ترما” في الشمال و “مخيم اليرموك” في الجنوب.

تقول رانيا: “قصف مسلحو المعارضة حيّنا مرة أو مرتين في الأسبوع منذ العام الماضي, لكن القصف اشتدّ منذ الأسبوع الماضي, وهو يحدث كل يوم”. باتت رانيا وأصدقاؤها محاصرين في منازلهم منذ أسبوع بسبب هذا القصف, ولا يمكنهم حتى الخروج لشراء الطعام. يقوم الجيش السوري وبعض شباب الحي المستعدين للمخاطرة بحياتهم, بتزويد رانيا وأصدقائها بالطعام.

وتضيف رانيا “يُقتل الناس يوميًا في حيّنا”. وتتابع قائلة “بالأمس, سقطت قذيفة هاون على شرفة منزل جارنا, ما أدّى لمقتل بنته الطالبة الجامعية”

هناك حوادث مماثلة تقع كل يوم. إذ أُصيب منزل يقع بالقرب من منزل رانيا بصاروخ, قُتلت على أثره أم وطفلها البالغ من العمر ثلاث سنوات.

ونتيجة لذلك, تقول رانيا: إن الناس في حيّها يتحدثون عن “ما يجري في الغوطة بطريقة سلبية جدا”. هذا يعني أن كل هؤلاء الناس يؤيدون استخدام أقصى درجات القوة ضد الغوطة. وتمضي “رانيا” قائلة: “لقد فقد صاحب محل تجاري في حيّنا ابنه في الغوطة. كان ابنه يخدم في الجيش السوري في الغوطة. وبينما كان هو ووحدته العسكرية يحاولون اقتحام الغوطة الشرقية, سقط هو وعدد آخر من الجنود قتلى. يقول صاحب المحل والعديد من الأشخاص الذين فقدوا ابناءهم, إنه يجب حتى قتل أطفال الغوطة, لأنهم ’ إذا كبروا, سيصبحون إرهابيين أيضا‘”.

للاطلاع على الموضوع الأصلى.. اضغط هنا

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن