غزة/ حالتان طلاق كل ساعة

طلاق

غزة / أكرم اللوح

تجلس نهى “ع” (20 عاما) , برفقة والدتها المسنة في المقعد الثالث بقاعة الانتظار بإحدى المحاكم في بمدينة غزة , بانتظار بدء جلسة الدعوى المرفوعة من قبل عائلتها لتطليقها من زوجها , الذي يعمل بائع بسطة في سوق فراس الشعبي بالمدينة بعد أقل من عام على زواجهما.

ورغم محاولات الصلح التي اتبعها رجال الإصلاح والقضاء في غزة قبل رفع دعوى الطلاق , الا أن الأمور كانت تزداد تعقيدا يوما بعد يوم , فتقول نهى “ع” : “كانت بداية حياتي الزوجية عادية خالية من أية مشاكل في إسبوعها الأول , ولكن مع تقدم الأيام بدأت العلاقة مع زوجي وعائلته تسوء بسبب تراكم الديون عليه,  ومطالبته المتكررة لي ببيع مصاغي الذهبي لتسديدها”.

وتضيف : كنت دائما أرفض أي تدخل بمصاغي الذهبي كونه حقي الشرعي , ولكن زوجي كان دائما يتهمني بـ “قلة الأصل” وعدم مساندته في محنته , منوهة إلى أنها اكتشفت أن زوجها قام باستدانة أموال كبيرة ليتمكن من الزواج على أمل سدادها من مهري وهو ما رفضته انا وعائلتي.

الاستيلاء على المصاغ

وتشير الفتاة العشرينية إلى أن زوجها قام في احدى الأيام بالاستيلاء على “الذهب” الخاص بها بالقوة وبيعه والتصرف به مما زاد من تعقيد المشاكل وتفاقمها خاصة مع عائلتي التي أصرت على اعادته أو تطليقي منه وهو ما يتم إجراؤه الآن في المحكمة”.

وتذكر الفتاة “ع” أنها كانت تسكن مع زوجها في غرفة واحدة ببيت العائلة , ويقدر دخلهم اليومي بحوالي 40 شيقلا يذهب نصفها لوالده فيما يتبقى 20 شيقلا يشتري زوجها بعضا من السجائر ليدخنها فيما لا يبقى إلا القليل كمصروف للعائلة التي رزقت بطفلة قبل شهرين .

الطلاق بالأرقام

ويعتبر العام 2015 الأعلى من بين الأعوام الثلاثة الماضية في معدلات الطلاق بقطاع غزة  , حيث شهد 3288 حالة طلاق بمعدل 274 حالة شهريا , بنسبة 9 حالات طلاق يوميا في حال كان عمل المحاكم 30 يوما في الشهر ولكن باستثناء يومي الجمعة والسبت كإجازة في كافة المحاكم تصبح النسبة بما يعادل 12 حالة طلاق يوميا , مع الإشارة إلى أن المحاكم أيضا تعمل لـ 6 ساعات في اليوم الواحد وبالتالي تكون حالات الطلاق موزعة على حالتين كل ساعة واحدة.

ووفقا لإحصائيات التي حصلت عليها الصحيفة فقد بلغ معدل الطلاق للعام 2014 حوالي 2889 حالة وهي الأقل مقارنة بالثلاثة اعوام الماضية , إذ بلغت الحالات لعام 2013 ما يقارب الـ 3065 حالة طلاق في مختلف محافظات قطاع غزة.

وتشير نفس الإحصائيات وهي رسمية صادرة عن “ديوان القضاء الشرعي” في قطاع غزة أن معدل الطلاق للأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي 2016 وهما (يناير , فبراير , مارس) بلغ 764 حالة بمعدل زيادة 11 حالة عن الأشهر الثلاثة الأولى للعام الماضي 2015 والذي بلغ 753 فقط للأشهر الثلاثة الأولى.

وتشير الإحصائيات السابقة إلى أن العام 2015 كان الأعلى في معدلات الطلاق بقطاع غزة , يتوقع وفقا للحسابات الأولية المتعلقة بالربع الأول لـ 2016 أن يكون العام الحالي الأعلى من بين الأعوام السابقة مع تفاقم الأوضاع والظروف الاقتصادية والاجتماعية في القطاع المحاصر.

وحصلت محافظة مدينة غزة على أعلى نسبة طلاق في عام 2015 بمعدل 1203 حالة مقارنة بعدد سكانها البالغ 738 ألف و332 نسمة , فيما جاءت محافظة الشمال ثانيا بمعدل 612 حالة طلاق مقارنة بعدد سكانها البالغ عددهم 319 ألف و481 نسمة , فيما توزعت باقي الأرقام على المحافظات الأخرى وفقا لعدد السكان كالتالي :” خانيونس 575 حالة طلاق وعدد السكان 380 ألف و203 نسمة , المحافظة الوسطى 507 حالة طلاق بعدد سكان بلغ 275 ألف و239 نسمة , فيما ‪كانت حصة محافظة رفح 392 حالة طلاق مقابل عدد سكان بلغ 243 ألف و894 نسمة

الجوجو: أرقام أولية لا أثر لها

وفي تعليقه على الأرقام السالفة أكد الدكتور حسن الجوجو مسؤول القضاء الشرعي في غزة أن تلك الإحصائيات لا تدلل على وجود مشكلة وهي أرقام أولية لا أثر لها مشيرا إلى أن هناك أسباب كثيرة عامة وخاصة للطلاق في القطاع مؤكدا أن عدم الاختيار الدقيق وتوفير مسكن ملائم وعدم التكافؤ بين الزوجين كان من أهم الأسباب العامة التي أدت إلى الطلاق.

وأشار الجوجو إلى أن القضاء الشرعي في غزة أطلق مشروع مودة للشباب المقبل على الزواج لتمكينهم من الاستعداد الجيد ويكونوا على دراية بمتطلباته ويتثقفوا في حقوقهم والتزاماتهم مؤكدا أن كل هذه المكونات والمتطلبات أمور تشترك فيها كافة مكونات المجتمع من وزارات ومجتمع مدني وخطباء لتنمية الوعي لدى المقبلين على الزواج.

وقال الجوجو : إن برنامج مشروع مودة كان دورة تجريبية أولية تم من خلالها تأهيل 70 عريسا وعروس وهي دورة متكاملة ويجري الآن عملية تقييم لها حتى نتمكن من التحضير لدورة ثانية نستطيع من خلالها توظيف الإيجابيات وتجنب السلبيات لتمتين وتمكين الأسرة الفلسطينية في قطاع غزة من الاستمرار وأن تكون أكثر تماسكا وفهما ووعيا.

“الطلاق”..  أسباب ومسببات

وحول توضيحات قضية الطلاق بأسبابها وأبعادها , أكد اسماعيل الرحل استاذ علم الإجتماع في جامعة الأقصى أن أكثر حالات الطلاق تتم في السنة الأولى من الزواج , والتي يحدث فيها التحول الاجتماعي لمسؤوليات الزوج والزوجة , وزيادة الأعباء المادية والاجتماعية على الزوجين”.

ويضيف الرحل :” في السنة الأولى تصبح الفتاة مسؤولة لأن الزواج ليس فقط طقوسا للفرح والغناء وإنما مسؤولية , وتجد نفسها في مكان ضيق ومطلوب منها إعداد الإفطار والاهتمام بالزوج والمنزل وباقي الاجراءات المعروفة ” مشيرا إلى أن الزوج أيضا يجد نفسه في نفس الموقف بما عليه من التزامات ويضاف إليها البطالة العالية التي أعجزته عن القيام بمسؤولياته مع الاشارة الى ضعف الوازع الديني لدى الشباب والذي أدى لانتهاك حقوق الزوجة فدائما نطالب بالحقوق ولا نلتزم بالواجبات.

الثقافات الدخيلة والفراغ

ونوه الرحل إلى أن الأسرة هي مؤسسة تقوم على خدمات متبادلة بين الرجل والمرأة والجميع مطالب بتنفيذ التزامات كما له واجبات مشيرا إلى أن الثقافات الدخيلة على مجتمعنا كالفضائيات وعالم الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي والأفلام المدبلجة غيرت كثيرا في التنشئة الاجتماعية وأصبحت بعض الأسر بعيدة عن القيم الأخلاقية الاسلامية وانتشرت القيم الدخيلة الناتجة عن ثقافة العولمة”.

وأشار استاذ علم الاجتماع إلى أن ضعف المشاغل الأسرية في ظل التكنولوجيا أوجد وقتا كبيرا من الفراغ قد نضطر لاشغاله على مواقع التواصل الاجتماعي وهو بمثابة بداية الخيانة الزوجية والتي يتم على أساسها الطلاق موضحا أن الخيانة ليست معناها العلاقة الجنسية وانما هناك طرق واساليب اخرى كثيرة لتلك الخيانة داعيا الى التخفيف من استخدام الانترنت ومواقع التواصل لزيادة التقارب والمودة داخل الاسرة الواحدة.

44 حالة زواج يوميا

وأشار الرحل إلى أن الحديث عن 44 حالة زواج يوميا في قطاع غزة هو رقم كبير إذا ما نظرنا للوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب مؤكدا أنه حسب الاحصائيات فإن 20 حالة منها فقط قد ينجح والباقي يفشل خاصة في السنة الأولى من الزواج وذلك ناتج عن طقوس الزواج المكلفة وعدم اختيار الزوج المناسب وطول فترة الخطوبة اضافة الى انتشار جمعيات ما تسمى بـ “تيسير الزواج”.

وانتقد الرحل بشدة جمعيات تيسير الزواج قائلا:” هي مؤسسات لتسهيل عملية الزواج وهذا التيسير في ظل الظروف الصعبة وعدم ايفاء الزوج بالديون يؤدي الى مشكلة اجتماعية وتبدأ حالة تبادل الاتهامات بين الزوجين بإلقاء اللوم على الاخر بالتسبب بهذا الكم الكبير من الديون وتبدأ المطالبات والمحاكم والسجن فتتلاشى المودة والرحمة وتنقلب إلى كراهية وحقد وضغينة”.

تيسير الزرواج استثمار

وأردف الرحل :” موضوع الجمعيات من أخطر القضايا التي تهدد مجتمعنا وأصبحت عبارة عن تجارة فهي ليست لتيسير الزواج وانما مشروع استثماري يستهدف العاطلين عن العمل والذين لا يتمكنون من توفير احتياجات الزواج ولا تسديد ديونه بعد اتمامه مما يؤدي بالمطلق لمشاكل اجتماعية وحالات طلاق”.

واستهجن الرحل محاولات بعض الأزواج “اغتصاب” رواتب زوجاتهم العاملات مؤكدا أن قهر الزوجة في ذمتها المالية الخاصة ومنعها من ميراثها الشرعي يكون سببا لحالات الطلاق وهي كثيرة وموجودة في محاكمنا الفلسطينية.

ودعا الرحل إلى تدعيم قرار القضاء الشرعي بإمتلاك الزوج رخصة لقيادة الأسرة , ودورة للمقبلين على الزواج لتأهيلهم ليتعرفوا على حقوقهم وواجباتهم اضافة الى التقليل من تدخلات الأهل في حياة العروسين وحسن الاختيار حسب الأحاديث النبوية مشددا على ضرورة تعقيد إجراءات الطلاق ورفع رسومها للحد منها اضافة إلى زيادة دور رجال الإصلاح من النساء وذلك بأن يكون لدينا مصلحات إجتماعيات متخصصات بقضايا المرأة.

وحسب احصائيات القضاء الشرعي عام 2015 الأعلى أيضا في نسبة الزواج حيث بلغت20778  حالة زواج مقارنة بالعام 2014 والتي بلغت 16128 حالة زواج فيما كان عام 2013 ما يقارب الـ 17375  حالة زواج

نقلا عن الحياة الجديدة

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن