فتح والشعبية.. علاقة وطنية لها خصوصية

الكاتب: باسم برهوم
الكاتب: باسم برهوم

الكاتب: باسم برهوم

خلال مسيرة الثورة الفلسطينية منذ ستينيات القرن العشرين، وخلال مسيرة منظمة التحرير الفلسطينية، نشأت بين “فتح” والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، علاقة وطنية خاصة، بالرغم من كل الاختلافات الأيديولوجية والسياسية، وهي علاقة قد تبدو للبعض ان مكوناتها على طرفي نقيض في الساحة الفلسطينية.

ولتوضيح المقصود فان التجربة تشير إلى ان “فتح” من جانبها كانت ترى في الجبهة رفيق درب، وشريكا مهما، ورئيسيا في القرار، وكانت مهما اختلفت معها، تكن لها ولمكانتها احتراما خاصا، هذا كان يحصل دائما، وحتى الآن باستثناء مرات قليلة. و”الشعبية” كانت تناكف وتبتعد عن “فتح” ولكن في المنعطفات الصعبة، والمصيرية، تضع يدها بيد “فتح” وتعلي كلمة الوحدة على الاختلاف والخلاف.

“فتح” وهي الحركة التي انطلقت بالثورة الفلسطينية المعاصرة عام 1965، تأسست على أسس وطنية فلسطينية بحتة، واستبعدت مسألة الأيدلوجيات والعقائد، لأنها تعتقد ان ذلك قد يفرق الوطني، ويمنع وحدته، وقدرته على تحقيق أهدافه.

و”فتح” تبنت مبدأ تحرير الإرادة الوطنية من اية هيمنة، واعتبرت ان القرار الوطني الفلسطيني يجب ان يبقى مستقلا بين يدي أصحابه، فلا أحد غير الشعب الفلسطيني يقرر مصيره، وهو مبدأ جاءت به فتح من تجربة جبهة التحرير الجزائرية، وجبهة تحرير فيتنام، ومعظم حركات التحرر الوطني العالمية. ونذكر هنا مقولة عرفات السحرية: “لماذا أضع نفسي في قفص الأيديولوجيا وأنا حر”.

اما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي تأسست في مثل هذه الأيام في نهاية عام 1967، وجاء تأسيسها ردا على هزيمة الأنظمة العربية في حرب عام 1967، تماما كما جاء تأسيس “فتح” ردا على نكبة عام 1948، هذه الجبهة كانت في البدايات امتدادا لحركة القوميين العرب، أي انها تغلب القومي على الوطني وكانت تعتقد انه هو المدخل الأنسب لتحرير فلسطين.

وبعد انقسامها في مطلع عام 1969 الى ثلاثة تنظيمات سياسية او فصائل، فأنها تبنت الأيديولوجيا الماركسية اللينينية وما اطلق عليه في حينه الاشتراكية العلمية، هذا التبني لم يخلص الجبهة من نزعتها القومية، فكانت عبارة عن تركيبة هجينة بين عقيدتين وربما ثلاث: الماركسي الأممي، والقومي العربي، والوطني الفلسطيني.

اننا اذا امام منطلقات وخلفيات فكرية مختلفة، بالرغم انها تلتقي بما هو وطني، وهذا الأخير هو الأهم، والذي كان كفيلا لينشئ هذه العلاقة الخاصة، فالأساس هو المنطلق الوطني بغض النظر من الموقف فكر للطرفين.

“الشعبية” كانت وما زالت تعتبر نفسها من أعمدة منظمة التحرير الفلسطينية، و”فتح” و”الجبهة” من النادر انهما التقيتا في موقف سياسي، وكانتا في حالة جدل ونقاش دائمة، وهو تعبير على التعددية السياسية والفكرية، التي كان يحلو لياسر عرفات وصفها “بديمقراطية غابة البنادق”. هذا النقاش كان حادا في أحيان كثرة وتستخدم فيه لغة التخوين والتهديد والانقسام والانفصال في أحيان أخرى، ولكن في اللحظات المصيرية كنا نرى ياسر عرفات، وجورج حبش، ومعهم نايف حواتمة أمين عام الجبهة الديموقراطية، يضعون أيديهم بأيدي بعض في وحدة وطنية، وفي مواجهة المخاطر، فكانت الوطنية الفلسطينية هي التي تتغلب على التدخلات والأجندات الخارجية في نهاية الأمر.

فتح والجبهة الشعبية قد يقال في تجربتهما ما يقال، ولكن كانت الوحدة الوطنية تتغلب في أوقات المحن والمخاطر، وهذا يعود لطابعهما الوطني. وهنا السؤال يطرح على حركة حماس التي قامت بالانقلاب على الشرعية الوطنية في غزة عام 2007 ولم تكن جزءا من وحدة وطنية فلسطينية يوما، وبقيت منذ تأسيسها، وقبل اتفاقيات أوسلو خارج منظمة التحرير الفلسطينية. السبب ان حماس تنظيم من الإسلام السياسي، هي جزء من جماعة الإخوان المسلمين، وبالتالي لها أجندة لم تكن يوما وطنية، لذلك مها تحدثت حماس عن الوحدة الوطنية فإنها لن تقترب منها إلا اذا كانت هي والجماعة صاحبة القرار.

ان نموذج العلاقة الوطنية الخاصة بين “فتح” و”الجبهة”، وبالرغم مما فيه من ثقوب هو نموذج مقبول في اطار التعددية الوطنية السياسية، ولكن من دون اللجوء الى لغة التخوين والمزايدات التي تضر كثيرا بنضال شعبنا وتشغله أحيانا في معارك جانبية، تبعده من تحقيق أهدافه الوطنية. التعددية أمر مطلوب، ولكن على أرضية وطنية، وانطلاقا من الحفاظ على القرار الوطني الفلسطيني المستقل، ونقول للشعبية في ذكرى تأسيسها: مزيدا من التقدم في اطار الوحدة الوطنية.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن