فورين بوليسي: فى عين العاصفة.. ما هى شواهد احتمالات اندلاع معركة بين إسرائيل وإيران؟

فورين بوليسي: فى عين العاصفة.. ما هى شواهد احتمالات اندلاع معركة بين إسرائيل وإيران؟

ترجمة – شهاب ممدوح

على السطح, يبدو أن إسرائيل ستعيش مجددا أجواءً ربيعية لطيفة هذا العام, وفقا لما لاحظته خلال رحلتي القصيرة لهذا البلد في الأسبوع الماضي. فمقاهي تل أبيب ممتلئة, والاقتصاد قوي, والضفة الغربية هادئة, والبلد تشعر بأنها أكثر أمنا مما كانت عليه لعقود, وذلك بفضل مظلة الدفاعات الجوية والصاروخية, وحماية أقوى جيش في المنطقة, والجدار الأمني الذي يبدوا أنه يعمل بشكل رائع.

لكن المظاهر يمكن أن تكون خادعة، إذ تلوح في الأفق العديد من المخاطر التي يمكن أن تحطم الهدوء الظاهر في لحظات, في حال لم يجري إدارتها بعناية. في الواقع, وكما قال الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “عاموس يلدين” خلال مقابلة في الأسبوع الماضي, فإن شهر مايو المقبل يمكن أن يكون أخطر شهر تواجهه إسرائيل منذ عقود. وخلافًا لمايو 1967, فإن إسرائيل بالطبع لا تواجه خطر الغزو من قِبل أي من جيرانها, وخلافًا لما كان عليه الوضع بعد عقود من ولادتها, لم تعد إسرائيل تواجه خطرًا عسكريًا من الخارج. لكن هذه الحقائق لا ينبغي أن تدفع إسرائيل أو أصدقاءها في الخارج لتجاهل خطورة التهديدات التي يمكن أن تنفجر في الأسابيع المقبلة.

التهديد الأول يتمثل في المواجهة التي تلوح في الأفق بين إسرائيل وإيران في سوريا. فمع تعزيز إيران لوجودها في سوريا لدعم نظام الرئيس الأسد, أوضح قادة إسرائيل السياسيون والعسكريون بصورة متزايدة أنهم لن يتسامحوا مع تأسيس وجود عسكري معادٍ قريبا من حدود بلادهم.

خلال الأشهر القليلة الماضية, أفادت التقارير أن إسرائيل نفذت ضربات عسكرية ضد أهداف إيرانية في سوريا أكثر من مرة, ويشمل ذلك توجيه ضربات جوية ضد قواعد عسكرية ومصانع صواريخ ومخازن أسلحة تابعة لإيران. في العاشر من فبراير, وعقب إسقاط الدفاعات الجوية الإسرائيلية لطائرة إيرانية مسيّرة مسلحة دخلت الأجواء الإسرائيلية, أفادت التقارير الإخبارية أن الطائرات الحربية الإسرائيلية قصفت المطار السوري ومركز القيادة والتحكم الإيراني الذي انطلقت منه الطائرة. أما إيران, فقد أسقطت طائرة إسرائيلية من طراز إف16 (الطائرة الأولى من نوعها التي تخسرها إسرائيل منذ عقود) ما أدى لإصابة طياريها, وهو ما دفع إسرائيل للرد بتوجيه ضربات عسكرية ضد بطاريات صواريخ جوية ومواقع تابعة للحرس الثوري الإيراني. يُعتقد أن الطائرات الإسرائيلية استهدفت قاعدة عسكرية سورية بالقرب من حمص تعرف باسم “تي فور” في التاسع من إبريل, ما أدى لمقتل أربعة عسكريين إيرانين. وفي مساء يوم الأحد, سُمع صوت انفجارات كبيرة في قاعدة عسكرية قرب حمص, ما يشير إلى حدوث مزيد من الضربات الإسرائيلية, ولكن هذه المرة قُتل ما يقارب العشرين عسكريًا إيرانيًا.

لو ردّت إيران على الضربات الإسرائيلية بصورة غير متوازية, وذلك عبر إطلاق صواريخ على المدن الإسرائيلية وتنفيذ هجمات إرهابية على أهداف إسرائيلية في الخارج, فإن خطر التصعيد سيكون عاليًا. فحرب لبنان الأخيرة, التي اندلعت عام 2006 بسبب هجوم عبر الحدود شنه حزب الله, استمرت 34 يومًا, وتسببت بمقتل ألف لبناني وما يزيد على 150 إسرائيليًا على أقل تقدير. ونظرًا إلى بناء حزب الله منذ ذلك الوقت مخزونًا صاروخيا يزيد على 100 ألف صاروخ, من بينها صواريخ متزايد القوة, فإن أي صراع جديد سيكون أكثر دموية, وقد يمهّد الطريق لحصول صراع كبير بين إسرائيل وإيران.

القنبلة الموقوتة الثانية المحتملة تتمثل في اقتراب انتهاء المهلة الزمنية الخاصة بالقرار الأمريكي حول الالتزام بالاتفاق النووي الإيراني- وهو اتفاق هشّ بالفعل, وقد تعرّض هذا الاتفاق لضربة كبيرة أخرى بسبب مزاعم رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنجامين نتنياهو” في الثلاثين من أبريل بان إيران تكذب بشأن طموحاتها النووية. يتعين على الرئيس ترمب أن يقرر في الثاني عشر من مايو ما إذا كان عليه إصدار قرار لتجديد رفع العقوبات, وهو قرار ضروري للإبقاء على الاتفاق النووي حيًا. قال ترامب: إنه يتعين على أوروبا “إصلاح” الاتفاق -وهو أمر مستبعد نظرًا إلى الموقف الأوروبي القائل بإن الاتفاق يعمل بنجاح, علاوة على حقيقة أن الاتفاق شاركت فيه أيضا روسيا والصين وإيران- وإلا فإن الولايات المتحدة ستنسحب منه.

إن احتمال قيام نتنياهو, الذي التقى للتو في تل أبيب بوزيرة الخارجية الأمريكي مايك بومبيو, بتنسيق تصريحاته تلك مسبقا مع الولايات المتحدة, يشير إلى أن هذا بالتحديد هو ما يخطط ترامب لعمله (أي الانسحاب من الاتفاق).

لو انسحبت واشنطن من الاتفاق, فمن غير المحتمل أن تسارع إيران لبناء قنبلة نووية, لكنها ربما تطرد المفتشين النووين الدوليين, وتستأنف برامج التخصيب والبحث والتطوير النووية التي جمّدتها عام 2013. لو ألغى ترامب الاتفاق, فإن القادة الإيرانيين يهددون بالرد عبر الانسحاب من اتفاقية منع الانتشار النووي, واستئناف إنتاج يورانيوم مخصّب بنسة عشرين بالمائة, وهي خطوة باتجاه إنتاج وقود قادر على صناعة قنبلة نووية. لو انهار الاتفاق, واتخذت إيران مثل تلك الإجراءات, فمن المحتمل أن تواجه أمريكا وإسرائيل سريعًا خيار السماح لإيران بتطوير برنامجها النووي من دون رقابة أو قيود -وهو خيار تعهّدت الدولتان بعدم السماح به- أو مهاجمة إيران عسكريًا, ما سيترتب عليه عواقب لا يمكن التكهن بها ولكنها فتاكة.

التطور الثالث المشؤوم يتمثل في أن الصراع بدأ بالفعل يقع على حدود إسرائيل مع غزة. فبسبب ضيقهم من سنوات العزلة والحرمان الاقتصادي والحكم البائس, وغياب أمل في المستقبل, تحرّك عشرات آلاف الفلسطينيين اليائسين في غزة خلال الشهر الماضي صوب الجدار الذي يفصل حدود غزه عن إسرائيل، علاوة على مطالبتهم بـــ”حق العودة” للأراضي التي ما زالوا يزعمون أنها ملكهم. في غضون ذلك, ردّت إسرائيل باستخدام قوة مفرطة ومميتة غالبا, ما تسبب بمقتل 40 فلسطينيًا على الأقل وجرح كثيرين آخرين. يتهم مسؤولون إسرائيليون حماس وجماعات إهابية اخرى بتنظيم تلك الاحتجاجات. لكن مع مواصلة المحتجين الاقتراب من الجدار الحدودي -يحرقون الإطارات ويحملون حجارة وسكاكين, ويرمون زجاجات المولوتوف- فإن الوضع قد يزداد سوءًا. لو تصاعد الوضع إلى إطلاق حماس صواريخ أو تنفيذ هجمات عبر الأنفاق ضد إسرائيل, فمن السهل تخيل تكرار الحرب الأخيرة بين إسرائيل وغزه, التي وقت منذ أربع سنوات مضت, والتي اندلعت بسبب عملية اختطاف قامت بها حماس في الضفة الغربية, وهو ما أدّى لإطلاق إسرائيل عملية عسكرية في شوارع غزة. استمرت تلك الحرب لمدة شهر, وتسببت بمقتل ما يزيد على ألفي فلسطيني وما يزيد على ستين إسرائيليًا, وجرح كثيرين آخرين.

الأسوأ من ذلك بالنسبة لإسرائيل هو انتقال احتجاجات غزة إلى الضفة الغربية, وهو ما يزيد من المخاطر المرتبطة بالعامل الرابع في هذا الخليط السام, ونقصد هنا مراسم افتتاح السفارة الأمريكية في القدس في الرابع عشر من مايو, وهو قرار أثار الكثير من الجدل. إن الإعلان عن نقل السفارة في ديسمبر الماضي لم يتسبب في اندلاع اضطرابات واسعة في الشرق الأوسط كما كان يخشى الكثيرون, لكن في ظل هذه البيئة المتوترة, يمكن للامور أن تتطور بطريقة مختلفة. إن تاريخ منتصف مايو قد جرى اختياره ليتوافق مع إحياء ذكرى استقلال إسرائيل, لكن هذا التاريخ يسبق بيوم واحد ذكرى إحياء الفلسطينيين ليوم النكبة التي حصلت لهم عام 1984. إن هذا التناقض بين احتفال مسؤولي إدارة ترمب وعشرات من أعضاء الكونغرس بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل, وبين مقتل الفلسطينيين في غزه على أيدي قوات الأمن الإسرائيلية, يمكن أن يؤدي لانفجار. يمكن لهذا الأمر حتى أن يؤدي لحدوث اضطرابات في الضفة الغربية, سيكون من الصعب جدا السيطرة عليها بسبب حجمها الجغرافي وعدد سكانها الكبيرين, فضلاً عن وجود مئات آلاف المستوطنين الإسرائيليين المتداخلين مع الفلسطينيين.

إن هذه القنابل الموقوتة لن تنفجر بالضرورة في شهر مايو, لكن أيًا منها يمكن أن ينفجر, ولتجننّب ذلك, سيتعين على قادة إسرائيل- بالتعاون مع شركائهم الأمريكيين- التصرف بحكمة وعزيمة وحذر.

في سوريا, هناك ما يبرر تحرك الجيش الإسرائيلي لمنع إيران من نشر أسلحة متطورة وأفراد لمناطق قريبة جدا من حدود إسرائيل, وينبغي على إدارة ترمب أن تواصل دعمها إسرائيل في هذه الجبهة. ينبغي ـن تفهم إيران أنها إن ردت عسكريًا على إسرائيل, أو شنّت هجمات إرهابية ضد أهداف إسرائيلية, فإنها ستدفع ثمنصا باهظًا.

في الوقت ذاته, يتعين على القدس وواشنطن أيضا البحث عن طرق لتجنّب التصعيد. فليس كل مليشيا شيعية في سوريا تشكّل تهديدًا على إسرائيل, كما أن “القضاء” على النفوذ الإيراني هناك –والذي كان بالفعل كبيرًا حتى قبل اندلاع الحرب الأهلية السورية- هو هدف مستحيل, ويمثل وصفة لحدوث صراع لا نهاية له. بالتالي, ينبغي على الولايات المتحدة وإسرائيل وضع أهداف إستراتيجية واقعية, وأن تكونا واضحتين مع بعضهما البعض, ومع إيران, بشأن خطوطهما الحمراء في سوريا. ينبغي على ترمب ونتنياهو أيضا استخدام أي نفوذ يملكانه على الرئيس الروسي للحصول على مساعدة روسية في تحجيم الوجود العسكري الإيراني. إن أهداف روسيا في سوريا -منع تغيير النظام, ومنع وصول المتطرفين السنّة للسلطة, والبقاء لاعبًا في المنطقة- قد تحققت بصورة كبيرة, ولدى موسكو النفوذ على الأرض الذي يمكّنها من تحجيم التوسُّع الإيراني, لو أراد بوتين استخدام هذا النفوذ.

هناك خطوة ثانية مهمة لتجبّب تصعيد غير ضروري وتتمثل في إعلان ترامب في الثاني عشر من مايو نجاح مفاوضاته مع الأوربيين بشأن إصلاح الاتفاق النووي, والاستمرار في الاتفاق وتطبيقه. إن المفاوضات مع القادة الأوربيين ما كان لها أن تنجح مطلقا في إحداث تغييرات أساسية على الاتفاق النووي, الذي جرى التوصل إليه بشق الأنفس خلال سنتين من المفاوضات, وشاركت فيه سبع دول, من بينها إيران, ووافق عليه مجلس الأمن الدولي. لكن ,كما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته في الرابع والعشرين من إبريل لواشنطن, فإن القادة الأوربيين مستعدون للاتفاق على اتخاذ خطوات أحادية-مثل فرض عقوبات على اختبار إيران لصواريخ باليستية, وضمان تطبيق نظام التحقق في الاتفاقية تطبيقًا كاملاً, والمساعدة في احتواء التدخل الإيراني في المنطقة, والبحث في ترتيبات إضافية محتملة لمعالجة مسألة بنود الانقضاء في الاتفاقية- إذ يمكن لهذه الخطوات أن تجعل ترمب يزعم أنه حقق انتصارًا بفضل أساليبه التفاوضية.

ونظرًا إلى أنه حتى الخبراء العسكريين والاستخباراتيين الإسرائيليين يقرّون أن الاتفاق النووي, بالرغم من عيوبه, يحدّ من البرنامج النووي الإيراني, فإن هذا النهج سيمنح الوقت لمراقبة كيفية تطوّر السياسة الإيرانية, والبحث عن ترتيبات متابعة محتملة عقب انتهاء القيود الأولية في الاتفاق. كما أن هذا سيساعد أيضا في الحفاظ على الدعم الدولي اللازم لجعل إيران تتقيد بالتزامها بعدم السعي مطلقا للحصول على أسلحة نووية. إن القضاء على الاتفاق في مايو, على النقيض من ذلك, سيؤدي لعزل الولايات المتحدة وإسرائيل دبلوماسيًا, وسيزيد في نهاية المطاف من احتمالات حدوث صدام عسكري في وقت تعتبر فيه مخاطر الوقوع في هذا الصدام مرتفعة بالفعل.

إن نزع فتيل التوتر في غزة سيتطلب أيضا دبلوماسية بارعة, لكن من الضروري تجنّب حدوث انفجار على الأرض, وتفادي تصاعد الانتقادات الدولية بصوة خطيرة ضد إسرائيل. لا شك أن هناك بعض المحرضين, وحتى الإرهابيين, وسط المحتجين. لكن هناك أيضا مدنيين لهم مظالم مشروعة, كما أن استعداد هؤلاء المحتجين للمخاطرة بحياتهم هو إشارة قوية على وجوب معالجة تلك المظالم. تحتاج إسرائيل لحماية حدودها, لكن الاستخدام غير المتناسب للقوة سيزيد فقط من حدة الاحتجاجات, ووصولها إلى مرحلة يصعب السيطرة عليها. ينبغي على إسرائيل أيضا العمل مع مصر لتحسين ظروف المعيشة البائسة لسكان غزة, والتعاون بصورة وثيقة مع قوات الامن الفلسطينية في الضفة الغربية, وذلك لتجنّب مواجهة انتفاضتين داخليتين في الوقت ذاته. لو حدث هذا السيناريو -اندلاع انتفاضة جديدة وسط ملايين الفلسطيين اليائسين الخاضعين للسيطرة الإسرائيلية- فإنه سيمثل تهديدًا أكبر على مستقبل إسرائيل من التهديد الذي تشكّله هجمات حماس الصاروخية وعبر الأنفاق.

أخيرًا, سيتعين على واشنطن وإسرائيل إدارة الاحتفالات الخاصة بنقل السفارة بدرجة من الحساسية والحذر. الواضح أن القدس تعمل بوصفها عاصمة إسرائيل, ومن المنطقي أن تعمل السفارة الأمريكية هناك. غير أن ترمب لن يسدي معروفًا لأى أحد لو واصل زعمه بأن تلك الخطوة “تزيح قضية القدس من الطاولة”, ولو فشل في التوضيح بان مستقبل وضع المدينة لا يمكن حله إلا عبر تفاوض الأطراف ذاتها. في وقت باتت فيه احتمالات تعاون إسرائيل مع جيرانها العرب أفضل من أي وقت مضى, فإن السماح لإيران بتنصيب نفسها بوصفها حامية القدس المسلمة, بينما تبدو إسرائيل وكأنها تحرم الفلسطينيين من عاصمتهم, سيكون خطأ كارثيًا. في مثل هذه البيئة المتفجّرة, فإن آخر شيء تحتاجه المنطقة في الرابع عشر من مايو هو ظهور ترمب وإعلانه الانتصار, وهو أمر سينظر إليه الجميع, باستثناء مضيفيه الإسرائيليين, باعتباره هزيمة مذلّة.

قد تبدو إسرائيل هادئة اليوم, على الأقل مقارنة مع جيرانها. لكن سيكون من السذاجة البالغة الاعتقاد بأن هذا الهدوء سيدوم للأبد. فخلال الشهر المقبل, سيتخذ القادة الإسرائيليون, مع أصدقائهم في واشنطن, قرارت مهمة ستساعد في تقرير ما إذ كان هذاالهدوء سيستمر أم لا.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن