كيف يبسط الغرب سيطرته على صحافة العالم؟

كيف يبسط الغرب سيطرته على صحافة العالم؟

ترجمة : بسام عباس

غالبية الوقت يتم شحن الأحداث السياسية عاطفيًّا. فحتى الصحفيون الذين من المتوقع منهم الحفاظ على النهج الموضوعي يمكن أن ينجرفوا وراء العناوين المثيرة، والميل للخوض في الجدل دون تحليل كامل للمعلومات الأساسية، والتي كثيرًا ما تغير الروايات الرسمية.

وبسبب هذا، يجد الصحفيون أنفسهم يلعبون دور المعلق وليس المحقق، وغالبًا ما يتغافلون عن معلومات هامة بشأن اندفاع أحد الجانبين وسط الانقسام السياسي، وفي بعض الأحيان يظهر الصحفيون وكأنهم يحققون في أعمق الأخبار بطريقة شفافة، ويلغون دورهم في العمل كمراقب موضوعي.

في تايلاند يمكن النظر إلى تغطية الأخبار باللغة الإنجليزية، وخاصة صحيفتي ذي ناشن، وبنكوك بوست، وهما مثالان للصحف المستقلة القائمة بدور “المحقق”، وتقوم بدورها بشفافية ودائمًا ما تكون أحادية الجانب وموجهة سياسيًّا، وتبتعد عن مصادر الأخبار الأجنبية، خاصة الأوروبية والأمريكية. ويتوقع المرء أن تعمل الصحف باختلاف المناطق على  تطوير تلك الزوايا ووجهات النظر الفريدة الخاصة فيما يتعلق الأخبار، ولكن نظرًا لأن الهدف هو المال، فسنرى قريبا لماذا لا يحدث هذا في كثير من الأحيان.

الطاحونة الصحفية الصناعية

ربما يكون برافيت روجانافروك، معلق تايلاند في صحيفة خواسود الصادرة باللغة الإنجليزية، أحد أكثر الأمثلة شفافية لما يحدث من أخطاء في جميع الصحافة الآسيوية. حيث يتباهى بحصوله على منح دراسية وزمالات في وسائل الاعلام الغربية.

إذا كانت المنح الدراسية والزمالات تزرع المبادئ الحقيقية للصحافة في المتلقين، فإنهم ربما يكونون في الواقع أعلامًا بارزة في مهنة الصحافة، وبدلا من ذلك فإن ما تمثله هو محاولة منسقة من قبل وسائل الإعلام الغربية لبسط مزيد من تأثيرها على الصحف الخارجية، والترويج لتغطية إخبارية بشكل موحد؛ لإيصال وجهة نظرها بالشكل الذي يخدم مصالحها.

لذلك يعتبر الصحفيون مثل برافيت بمثابة تمديد للتغطية الإعلامية الغربية بدلا من تمثيل الصحافة التايلاندية. فالصحافة بحكم تعريفها هي الإبلاغ عن الأخبار والتعريف بالمعلومات الجديرة بالملاحظة.

ما يفعله برافيت وأمثاله من الصحفيين  هو نسج الأخبار والتعليق عليها في كل ما يثير التوتر، وحتى المعلومات ملفقة. وذلك لتتماشى الأخبار التايلاندية مع التوقعات والمعايير التي يتم تدريسها لهم أثناء المنح الدراسية في أوروبا وأمريكا الشمالية. برنامج زمالة الصحافة الذي تقدمه رويترز يدرب وحده مئات الصحفيين من جميع أنحاء العالم، حيث يلحقهم في دورات تدريبية في جامعة أكسفورد يخضوعون خلالها  لبرنامج صارم يلقنهم طرق الصحافة الغربية. وليس من الممكن للزميل الذي يخضع عمليا لهذه العملية أن يتجاهلها باعتبارها أنشطة صحفية مستقلة، ووفقًا لموقع معهد رويترز نفسه فقد جاء ما يلي:

–  يحاضر في الندوات ضيوف ذوي مكانة عالية في الصحافة ويحملون رؤى مختلفة

–  العمل مع مشرفين ذوي خبرة، وعادة من أكاديميي جامعة أكسفورد، حتى يتمكن الباحثون من إخراج ورقة بحثية ذات جودة تستحق النشر

–  زيارة وكالات الأنباء العالمية والاطلاع عن كثب على تحديات الصناعة. وقد اشتملت الزيارات السابقة وكالة رويترز وصحيفة فاينانشال تايمز والإيكونوميست والجارديان وبي بي سي.

–  جولات مشتركة إلى المنظمات والمؤسسات الثقافية والسياسية البريطانية. وشملت الوجهات السابقة أوكسفام ومجلس العموم وستراتفورد أبون أفون، ومنزل شكسبير.

–  تبادل الأفكار والخبرات مع الزملاء من مختلف أنحاء العالم. ينضم حوالي 25 زميل كل عام من مؤسسات إعلامية رفيعة المستوى من جميع أنحاء العالم. حيث يمكنك تعزيز شبكة علاقاتك، وإنشاء مجموعة اتصالات شاملة، واكتساب رؤية ثاقبة نحو الاتجاهات والتطورات الدولية.

–  الاستفادة من المرافق التعليمية الواسعة التي تقدمها جامعة أكسفورد، بما في ذلك مكتبة بودليايان المشهورة عالميا وحضور مختلف الندوات والمحاضرات في الجامعة.  كما سيتم تشجيعك على الانخراط في الهيئات البحثية المتطورة والمتخصصة في الجامعة، بما في ذلك مراكز الدراسات الأوروبية واليابانية والصينية والأفريقية والشرق أوسطية وجنوب آسيا.

تستغل وكالات الأنباء العالمية طموح الشباب ورغبتهم في العمل كصحفيين، وتلعب على الوتر العاطفي لخدمة مصالحها، حيث يرى هؤلاء أن هذه الفرصة سوف يكون أمرا ايجابيا للغاية وأنها ستفيدهم مهنيا.  من خلال إتاحة الفرصة للشباب التايلندي للسفر إلى بريطانيا وحضور التدريب في جامعة أكسفورد، ورؤية ما يدور بداخل صالات الأخبار في مؤسسات مثل بي بي سي ورويترز والإيكونومست والجارديان.

ماذا لو تم تشجيع الصحافة الحقيقية ؟

ويعود هؤلاء الصحفيون إلى بلادهم للعمل مرتبطين إلى الأبد بالمؤسسات والأفراد الذين التقوهم وعملوا معهم خلال فترة وجودهم في الخارج، مما يجعلهم بعيدين عن الموضوعية، وتتمحور نظرتهم إلى الأمور والأخبار من الناحية الغربية، ويجعلونها الهدف.

وتحاول كل من رويترز وبي بي سي والجارديان والإيكونمست التلاعب بالمعلومات؛ لإيصال وجهة نظرها الخاصة وتحقيق أهداف سياسية معينة بدلًا من إبلاغ الجمهور بدقة الخبر.

على وجه الخصوص لعبت وكالات الأنباء والصحف الغربية دورًا حاسمًا في تعزيز وجهة النظر الأمريكية وبريطانيا في غزو العراق عام 2003 ، بقصد التشويش على المعلومات الهامة للجمهور وصناعة السياسات اللازمة؛ لإجراء تقييم صادق لقرار الذهاب إلى الحرب.

خدمة وكالات الأنباء للمصالح الخاصة ليست جديدة. وعلى المرء أن يتوقع هذا واقعيًّا، لدرجة ما، فيما يتعلق بأي مؤسسة صحفية تعمل في اي منطقة من العالم. إنها ليست مسألة ما إذا كانت تخدم مصالح خاصة أم لم تخدم، بل هو مسألة مصالح من تخدمهم.

وفي حين من أن المتوقع أن تخدم وكالات الأنباء التايلاندية المصالح الخاصة في تايلاند، إلا أنها لن تفعل ذلك، بسبب “المطاحن الصحفية الصناعية” الغربية. وتجري برامج الزمالة الدراسية والتدريبية والحملات الترويجية لضمان التوافق – على أوسع نطاق ممكن –  لصالح المصالح العالم الغربي الخاصة.

التاريخ يعيد نفسه

يبدو هذا الحديث وكأنه نظرية المؤامرة لا تصدق خاصة بالنسبة لمن يسمعون هذا الأمر لأول مرة، حيث يعيد التاريخ نفسه، فقد وصف المؤرخ الروماني القديم “تاسيتوس”  النهج الذي تبعته روما لتهدئة الشعوب الأجنبية كان يستمد من نفوذها الاجتماعي والثقافي والمؤسسي على الأراضي المحتلة.

فقد ذكر في الفصل الحادي عشر من كتاب (أجريكولا ) شارحًا أساليب الغزو:

“كان هدفه تعويد الشعوب على حياة السلام والهدوء، من خلال توفير وسائل الراحة وتقديم المساعدات الرسمية في بناء المعابد والساحات العامة والمنازل الجيدة، وقام بتعليم أبناء الرؤساء الفنون الحرة، وجعلهم يفضلون مهارات المدربين الإغريق مقارنة بالقدرات البريطانية. وكانت النتيجة أنه بدلا من ازدراء اللغة اللاتينية فقد حرصوا على التحدث بها بشكل فعال. وهكذا أصبح السكان تدريجيا يفضلون الممرات والحمامات والمآدب السخية. وتحدث البريطانيون حول هذه المستجدات كما لو أنها “الحضارة في أوجها”، في حين أنها لم تكن سوى سمة من سمات استعبادهم”.

ويمكننا أن نرى هذا بسهولة من خلال الزمالات التي تلعب دورًا مماثلاً اليوم، فهي تطمح علنًا إلى ​بناء نظام دولي، حيث “تعليم” الأجانب اللغة الإنجليزية و “الفنون الحرة،” وتشجيعهم على تفضيل الثقافة الغربية، وإقناعهم أن هذا التلقين هو قمة الحداثة في “الحضارة”.

وهذا الأمر تكرر في ظل الامبراطورية البريطانية، حيث أنشأت برامج تعليمية وتبشيرية مماثلة تستبدل المنظور والثقافة المحلية المستقلة والفريدة ​​من نوعها بالمنظور البريطاني الموحد وكذلك الثقافة البريطانية، والتي تخدم تطلعات الهيمنة البريطانية العالمية.

ومن المثير للسخرية قليلا أن بريطانيا القديمة والتي كانت مناهضة للاستعمار الثقافي الذي استخدمه الرومان لأول مرة، اصبحت مركزًا للقوة المستخدمة في نشر الاستعمارية الثقافي خدمةً للمصالح الإمبريالية في ظل الامبراطورية البريطانية، والتي يجري الآن استخدامها لنشر نسخة “ناعمة “منه عن طريق الصحافة والأوساط الأكاديمية.

ما الذي يمكن أن تفعله الأمم إزاء الهيمنة الغربية؟

ومن المهم بالنسبة لواضعي السياسات في العديد من الدول أن يدركوا تأثير التغطية الإخبارية الأجنبية على مسار بلدانهم، ومن ثم يتخذوا التدابير اللازمة لمكافحة الاستعمار الثقافي في العصر الحديث.

واحد من التدابير الممكنة هو خلق برامج وطنية تحاول تجنيد وبناء فرق من الصحفيين المحليين الحريصين على ثقافتهم ووجهات نظرهم، حيث يمكن لهؤلاء الصحفيين ملء صفوف الصحف والمحطات التلفزيونية المحلية، وكذلك المؤتمرات الصحفية المؤثرة والندوات المحلية والدولية من وجهة نظرقومية خالصة، بدلا من الاعتماد على المنح الخارجية وتضخيم دورها.

وبالنسبة لتايلاند التي تمتلك مؤسسات صحفية كبيرة تمولها الحكومة مثل برنامج بي بي إس والجامعات والصحفيين الموثوق بها، الذين لم يتأثروا بالتلقين الأجنبي، يمكن وضع علامة تجارية تايلاندية للصحافة التي يتم تدريسها لطلاب العلوم السياسية والطلاب الصحفيين  في الكليات.

وبدلا من الاعتماد على المنح الخارجية والالتحاق ببرامج تنظمها المؤسسات الصحفية والجامعات في الخارج، ينبغي على تايلاند تطوير وتمويل وكالات الأنباء لكي يعمل صحفيو تايلاند في وأمان بعيدًا عن إغراءات المصالح الأجنبية.

للاطلاع على الموضوع الأصلى..

How the West Extends its Control Over Journalism Worldwide

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن