لماذا تحتاج الولايات المتحدة الى السعودية؟

لماذا تحتاج الولايات المتحدة الى السعودية؟

ترجمة وتحرير / بسام عبا

أعد اجتماع بين الرئيس فرانكلين روزفلت ومؤسس المملكة السعودية الثالثة عبدالعزيز بن سعود على متن طراد يو أس أس كوينسيفي 14 فبراير 1944 المشهد لسبعة عقود من السياسة الأمريكية تجاه العالم العربي. فحتى يومنا هذا، تضمن الولايات المتحدة أمن المملكة العربية السعودية في مقابل التزام السعودي بضمان التدفق الحر للنفط في الأسواق العالمية.

وهذا لا يزال الركيزة الأساسية للموقف الأمريكي في الشرق الأوسط، إلى جانب التزامها بأمن إسرائيل.

يرى التقرير إن منتقدي الشراكة مع السعودية يخلطون – في كثير من الأحيان – بين تكاليف الخلافات التكتيكية – وهي كثيرة – وبين فوائد التوافق الاستراتيجي. ومن هذه الزاوية، فإن الترتيب ضروري، إذا لم يكن صعبًا. والواقع أن البدائل أسوأ: فأن تنهارالسعودية أو تصبح عدوًاسيلحق أضرارًا بالغة بالمصالح الأمريكية، ولن تكون أكثر ديمقراطية.

ومع ذلك، تزايدت حدة الخلافات بين الرياض وواشنطن في الأشهر الـ 18 الماضية، مما أدى إلى تزايد الشكوك حول جدوى الشراكة والرغبة فيها. ولا يزال كلا الطرفين يتفقان على أن معارضة النفوذ الإقليمي الإيراني ومكافحة الإرهاب هي أبرز أولوياتهما، لكنهما يختلفان بشكل متزايد حول وسائل تحقيق هذه الأهداف. وتعتقد الرياض أن الغرب باع المصالح السعودية من أجل التوصل إلى تسوية مع إيران، على وجه الخصوص، مما زاد حدة الاختلاف حول أولويات الأمن الإقليمي. وبعد فشل مشروع بناء الدولة في العراق،اهتمت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون الآن بمحاربة الإرهاب.

ويكمن حساب المصالح الغربية للعلاقة مع المملكة في ثلاث افتراضات أساسية. ومن المفيد أن نفكر في هذه الشروط: كلما كانت هذه الافتراضات خاطئة، كان الموقف المضاد لهذه الشراكة أقوى.

الافتراض الأول:  المملكة مستقرة. هناك تردد بين السعوديين في الالتزام بالاضطرابات الشعبية. وظهرت جيوب لعدم الرضا، خاصة في المناطق ذات الأغلبية الشيعية، ولكن الملكية لا تزال تحظى بشعبية كبيرة بين السكان عمومًا. بالإضافة إلى ذلك، فالأسرة الحاكمة بارعة في التعامل مع المعارضة داخلها: فلا تزال الخلافات وراء الأبواب المغلقة، وتلعب قواعد الأسرة دورًا قويا في الحفاظ على بيت آل سعود الكبير والمتزايد متماسكًا. ولذلك، يراهن الغرب على أن السعودية أساسًا مقبولا لمشاركتهفي القضايا الإقليمية بسبب استقرارها النسبي.

في خضم الركود الممتد في أسعار النفط، تظهر تساؤلات جدية حول مدى استطاعة السعوديون الحفاظ على مملكتهم. وفي إطار “رؤية 2030” حاول آل سعود إقناع العالم الخارجي ومواطنيهم أن لديهم بصيرة للإشراف على الانتقال من الدولة الريعية إلى اقتصاد يقوده القطاع المتنوعالخاص. في الحقيقة، هناك الكثير من الشكوك في أن ينجح ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وفريق مستشاريه، في الخروج من هذا. ومع ذلك، وفي ظل جميع التوترات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها، فمن المرجح أن تدبر المملكة أمرها في المستقبل المنظور.

الافتراض الثاني:إن المملكة تفضل بقوة الإبقاء على الوضع الراهن في المنطقة. ولم تبدأ الرياض أي حرب أو خططت لتغييرات كبيرة في النظام الإقليمي، وفضلت دعم الأنظمة بالتمويل واستخدام ثقلها الدبلوماسي بهدوء من وراء الكواليس. فعلى الرغم من عداوتهم لإسرائيل، لم يشترك السعوديون أبدًا في الحروب الكبرى التي أطلقتها الدول العربية ضد إسرائيل.

بالطبع، كان هدف السعودية الدائم هو ضمان الاستقرار الإقليمي، وبالنسبة للجزء الأكبر، فهذا متوافق تمامًا مع مصالح الولايات المتحدة والغرب، ولا سيما أثناء الحرب الباردة. ومع ذلك، فقد أدت التحديات  في السنوات الأخيرة إلى انعدام الأمن في أعقاب الثورات الإقليمية مع عودة إيران من العزلة الدولية بعد اتفاقهاالنووي إلى قلب فكرة الاستقرار هذه رأسًا على عقب. ونتيجة لذلك، بدأت السعودية في صياغة سياسة أكثر نشاطًا، وذلك باستخدام القوة العسكرية وتشكيل تحالفات جديدة لمواجهة التدخل الإيراني، فيما يطلق عليه بعضهم “عقيدة سلمان”. ولم يعد الاستقرار بالنسبة للسعودية يعني غياب الاضطرابات الاجتماعية والسياسية على حدودها وأمن الحكومات الحليفة فقط، وإنما تعداه إلى وجود فراغ سياسي من الممكن أن يشغله وكلاء إيران. وتحقيقا لهذه الغاية، فإن السعودية مستعدة الآن لإنفاق موارد هائلة للحيلولة دون حدوث هذا، كما كان الحال بالفعل في اليمن وسوريا ولبنان والعراق.

الافتراض الثالث:وينص على أنه رغم كل عيوبه، فالنظام السعودى لا يزال هو النظام الأمثل من وجهة نظر المصالح الأمريكية. حيث تملك السعودية أكبر احتياطيات نفطية في العالم، وتزويده بحصة كبيرة في أسواق النفط. بل هي أيضًا أسرع مركز روحي ديني نموًا في العالم، ومع انهيار العراق والدوامة التي تعاني منها مصر، أصبحت السعودية في الواقع الدولة الأساسية في العالم العربي. وهكذا يكون للولايات المتحدة مصلحة حيوية في التأكد من عدم انهيارنظامها.

في المدى القصير والمتوسط، سيكون هذا مدمرًا للاقتصاد الدولي ، أما على المدى الطويل، فأي نظام سيأتي خلفًاللنظام الحالي فمن المرجح أن يكون أقل – وربما أقل بكثير – تعاونًا حول مجموعة من القضايا الهامة، وخاصة أسعار النفط ومكافحة الإرهاب والأمن الإقليمي. ومن المستبعد أيضًا أن يكون النظام الجديد ديمقراطيًّا. إن الفكرة القائلة بأن بنية الحكم في السعودية خطأ هي، بالتالي، غير صحيحة. بغض النظر عما ستكون عليه الحكومة الموجودة في الرياض، فإن  التهديدات التي تواجهها ستكون مماثلة، حيث إن وجود الرياض خارج نظام تقوده الولايات المتحدة سيكون لديها القدرة على إلحاق الكثير من الأضرار بالمصالح الغربية، ليس فقط على المستوى الإقليمي، ولكن الأهم من ذلك، على الصعيد العالمي.

وبكل وضوح،تأتي هذه الافتراضات الثلاثة تحت ضغط. ولكن على الرغم من تزايد التساؤلات حول صحتها، فإنها لا تزال قائمة، رغم أنهامتداعية، خاصة الافتراض الثاني، إلا أنها تستمر في توفير أساس منطقي لتبرير الشراكة.

ليس لدى الولايات المتحدة – أو أي دولة غربية أخرى –تأثيرًا نافذًا على السعودية وخياراتها الاستراتيجية في الوقت الحاضر. ولكن تجنُّب السعوديين في الوقت الذي يحاولون فيه بسط قيادتهم إقليميًّا،سيكون عاملا مزعزعا للاستقرار في النظام الإقليمي الهش في منطقة الشرق الأوسط. ونظرًالأن انعدام أمن الرياض سيتزايد مع غياب شريكها الأمني الذي سيواجه معها طهران، فإن هذا سيجبرها على التطلع بامتنان نحو بكين وموسكو.

واقعيا أفضل خيار – أو الأقل سوءًا– هو الحفاظ على التواصل مع السعودية. وفي الوقت الذي بدأت المملكة فيه الوصول إلى معرفة المزيد، والآن ربما هي أفضل لحظة لمحاولة تشكيل تفكيرها طويل المدى. ولم تدفع رؤية 2030، التي وضعها الأمير محمد بن سلمان، المملكة فقط نحو فرص تجارية في الخارج سعيًّا لتحقيق التنويع الاقتصادي، بل أيضًا لبناء القدرات من خلال التدريب والمشاركة الفكرية مع المجتمعات السياسية والمؤسسات الأكاديمية في الغرب. وتوفر المحاولة الجادة لفهم المنطق الاستراتيجي في المملكة مجالاً لتشكيل قراراتها، وفتح الباب لتخفيف تكاليف بعض أفعالها. وفيما يتعلق بقضية حرب الرياض في اليمن الصعبة، فإن البديل الواقعي الوحيد هو أن تقبل واشنطن باستمرار الحرب أثناء محاولة ترويض الطموحات السعودية وتوجيه المحادثات على طاولة المفاوضات نحو نتائج أكثر نجاحًا.

وخلاصة القول، أنه من الأفضل أن تكون قريبًا من المملكة العربية السعودية عندما تتخذ قرارات غير مستساغة للغرب، وبالتالي تتاح الفرصة لفهم أساسها المنطقي وربما تشكيل أفعالها. أما إذا كنت بعيدًا فسيحقق هذا إشباعًاأخلاقيًّا معينًا، ولكن لن يثير هذا سوى المزيد من الإجراءات السعودية المضادة للمصالح الأمريكية. وهذا سيكون غير مرضٍ. ولكن أي قدر من القوة الأمريكية يمكن أن يمنع التنافس بين الرياض وطهران حول بسط النفوذ في أنحاء المنطقة.

أما العمل على احتواء التوتر والتأكد من ألا يتحول الصراع إلى حريق على مستوى المنطقة والذي سيتسبب في مزيد من الأضرار في الشرق الأوسط، هو بالتأكيد أفضل من فقدان نفوذ محدود متاحبالتخلي عنه بعيدًا. وهذا لا يعني قبول جميع مخاوف الرياض كما هي،والتوافق مع جميع العناصر الفاعلة التي تتوافق مع المملكة. ولكن الخطوة الجيدة في الاتجاه الصحيح ستكون اتخاذ موقف قويمن دور الجهات الفاعلة غير الحكومية في جميع المنطقة من خلال تحديد الجهات الفاعلة التي يمكن أن تتحملها واشنطن كتحديات لمواجهة الوضع الراهن، وتلك التي تعد ضارة جدًا بحيث لا يسمح لها بالانتشار. وهذا سيرسل رسالة إلى الرياض بأن واشنطن تسعى للاستقرار باعتباره الهدف النهائي لسياستها الإقليمية. وأكثر من أي شيء آخر، فهذا سيهدئ أعصاب الأسرة الحاكمة في السعودية.

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن