ما احتمالية لجوء روسيا إلى ترسانتها النووية في الحرب مع أوكرانيا؟

ما احتمالية لجوء روسيا إلى ترسانتها النووية في الحرب مع أوكرانيا؟
ما احتمالية لجوء روسيا إلى ترسانتها النووية في الحرب مع أوكرانيا؟

في ما يلي ترجمة بتصرف، خاصة بموقع (عرب 48)، لمقالةٍ مشتركة كتبها أستاذ السياسة الدولية بجامعة برمنغهام البريطانية، مارك ويبير، وطالب الدكتوراه في قسم العلوم السياسية والدراسات الدولية في الجامعة ذاتها، نيكولو فاسولا.

هل يقود روسيا الآن شخص يفكّر في استخدام الأسلحة النووية دون تفكير بالتبعات؟ حيث أطلق الرئيس فلاديمير بوتين بعض التلميحات الكبيرة بأنه مستعد لعبور نقطة اللاعودة في معركة غزوه لأوكرانيا، وقد انخرطت روسيا وحليفتها بيلاروسيا قبل أيام قليلة من الغزو في مناورات نووية. كما أشار بوتين في إعلانه عن الغزو، بوضوح إلى مكانة روسيا باعتبارها “واحدة من أعتى القوى النووية في العالم”، وهو ما يؤكد احتفاظ بوتين بالخيار النووي ردًّا على أي “هجوم مباشر على بلدنا”.

لكنه حذّر بشكل ينذر بالسوء من أن أولئك الذين يحاولون “عرقلتنا” في أوكرانيا، قد يواجهون “عواقب أكبر من أي عواقب واجهها أي إنسان في التاريخ”، وكان يُخشى أن تتخذ روسيا إجراءات وقائية، إذ أشار بوتين أيضًا في خطابهِ إلى الشعب الروسي في 21 شباط/ فبراير، مُدَّعيًا أن القيادة الأوكرانية كانت تسعى للحصول على أسلحة روسيا النووية.

ازداد القلق بشأن نوايا بوتين بعد وقت قصير من بدء الغزو الروسي، حيث أعلن في 27 شباط/ فبراير، أن القوات النووية الروسية قد وُضعت في حالة تأهب قصوى. وزعم الرئيس الروسي أن هذا جاء ردًا على “التصريحات العدوانية ضد بلدنا” من قِبل “كبار المسؤولين في دول الناتو الرئيسة”. ركّزت التكهنات حول الأمر على كيف صارت القيادة الروسية خائفة من شدة العقوبات الاقتصادية والتقدّم البطيء في ساحة المعركة.

هل كان أمر بوتين “إلهاءً” كما وصفه وزير دفاع المملكة المتحدة، بن والاس؟ أم أن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أنه مؤشر على الإجراءات التي قد يلجأ إليها بوتين إذا صارت هزيمته واقعًا؟

♦ وزير الدفاع الروسي شويغو ينفذ أوامر بوتين ويعلن وضع مراكز التحكم بالثالوث النووي في حالة تأهب

التفكير النووي الروسي

يكمن جزء من الإجابة على هذه الأسئلة في الإستراتيجية العسكرية الروسية، وتتيح لنا المعلومات المتاحة وضع افتراضات معينة حول كيفية استخدام روسيا للأسلحة النووية، ويكون من المفيد التفريق بين الأسلحة النووية الإستراتيجية وشبه الإستراتيجية (التكتيكية – العملياتية).

تؤدي الأسلحة النووية الإستراتيجية دورين رئيسيين. أولا، تعمل كرادع، كضمان نهائي للبقاء في مواجهة أي تهديد وجودي للدولة الروسية، بما في ذلك أي محاولة للتخلص من قيادتها عبر أي دولة نووية أخرى. ثانيًا، تساعد هذه الفئة من الأسلحة، موسكو، في شن الحرب في ظل الظروف المناسبة، ويوفّر مجرّد التهديد باستخدام القدرات النووية الإستراتيجية، أداة قوية لإبعاد الأطراف غير المرغوب فيها عن الصراع، مما يسمح لروسيا مواصلة عمليات عسكرية فعّالة بوسائل أخرى.

تؤدي الأسلحة النووية شبه الإستراتيجية في غضون ذلك، دورًا متغيرًا في العقيدة العسكرية الروسية، إذ كانت خلال التسعينيات وأوائل القرن الحادي والعشرين، في قلب الموقف العسكري لروسيا، إذ حاولت موسكو تعويض أوجه القصور الهيكلية لقواتها التقليدية، واقترح بعض الإستراتيجيين الروس أن الاستخدام النووي المحدود، كان حلًّا منطقيًّا ومن شأنه أن يقلب الطاولة في حرب كان من الممكن أن يؤدي فيها تفوّق قوة حلف شمال الأطلسي “ناتو” التقليدية إلى تحقيق النصر للحلف.

إلا أن البرنامج الشامل للإصلاحات الدفاعية الذي بدأ في عام 2008، أعاد القوة التقليدية لروسيا وأزال دور الأسلحة النووية التكتيكية العملياتية، ولكن ظهر جدل مؤخرًا حول ما يُسمّى بـ”عقيدة التصعيد لوقف التصعيد”، والتي بموجبها قد تستخدم روسيا الأسلحة النووية التكتيكية في وقت مبكّر من الصراع من أجل تحقيق نصر سريع.

تستند هذه الفرضية إلى أُسُس ضعيفة البنيان، إذ لا تقدّم التصريحات الروسية دلائل قاطعة على وجود مثل هذا الموقف في عقيدتها العسكرية، كما أنها تستند إلى فرضيتين خاطئتين: أن القوة التقليدية غير كافية (ربما في الماضي، لكنها لم تعد كذلك) وأن الانتقام النووي غير مرجح (لا يمكن أبدًا افتراض ذلك في عالم الردع النووي القاسي).

يُشار كذلك إلى سِمتيْن إضافيتين للتفكير العسكري الروسي، أولاهما: تصنيف الحرب على أربعة مستويات. هذا نزاع مسلح “محدود النطاق” (ينطبق بشكل أساسي على الحروب الأهلية) وكذلك الحروب المحلية والإقليمية والحروب واسعة النطاق، كل منها يفرض تشكيلات مختلفة على الدول وحلفائها، وكلها تنطوي على مخاطر أكبر وتتطلب التزامًا عسكريًا متزايدًا.

ثانيًا: يبدو أن الجيش الروسي يتصرف على أساس سلّم تصعيد دقيق إلى حدّ ما، لكنه ثابت، ويظهر الاستخدام النووي متأخرًا جدًا في مثل هذا السلّم، ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بخطر نهاية العالم. هذا هو السيناريو الوحيد الذي تخشاه روسيا بالفعل. تشير هاتان الملاحظتان إلى احتمال استخدام النووي كملاذ أخير.

♦ وزير خارجية أوكرانيا: “بوتين لم يتوقع صمود كييف.. ومخاوف من النووي”

التداعيات على أوكرانيا

ترغب موسكو من خلال التلميح إلى تصعيد نووي غير متناسب بتقييد (أو عكس) التدخلات الغربية في أوكرانيا، من أجل جعل المجهود الحربي الروسي أكثر استدامة، خصوصًا أن أقوى سلاح للغرب في الوقت الحاضر هو العقوبات، وليس التدخل العسكري.

ويحمل هذا الأمر مخاطرهُ الخاصة، فإذا كانت مثل هذه الإجراءات ستؤدي حقًا إلى “انهيار الاقتصاد الروسي” على المدى القريب وتهدد بقاء النظام المحلي ذاته، فقد تدرك النخبة الروسية أن التهديد الوجودي يجعل النصر أمرًا حيويًا في أوكرانيا بأي ثمن.

لن يكون من الممكن في ظلّ هذه الظروف، تصوّر توجيه ضربة نووية محدودة لإظهار العزم أو كسر المقاومة الأوكرانية، ولذلك من الأهمية بمكان أن تظل العقوبات موجهة نحو إنهاء المجهود الحربي الروسي، وليس الإطاحة بنظام بوتين.

لكن هذه السيناريوهات لا تزال بعيدة المنال. من منظور عسكري بحت، تكمُن حرب اليوم في أوكرانيا بين المستوى المحلي والمستوى الإقليمي، وفقًا للتصنيف الروسي. ولا يدعو أي منهما إلى استخدام أسلحة نووية تكتيكية – عملياتية ضد أهداف أوكرانية. من المرجح في المستقبل القريب أن تقابَل القدرة الأوكرانية المستمرة على مقاومة الغزو الروسي، زيادة تدريجية في أعداد الجنود الروس وقوة النيران التقليدية التي تستهدف البنية التحتية المدنية. وعلينا ألَّا نفترض أن الأسلحة النووية هي الخيار التالي، وقد حذر المسؤولون الأميركيون من استعداد روسيا للجوء إلى الحرب الكيماوية والبيولوجية، إذ يمتلك الجيش الروسي الكثير من “الوسائل البغيضة” لتحقيق النصر في أوكرانيا.

♦ أوراسيا ريفيو: استراتيجية إسرائيلية جديدة تتجاوز ضرب المنشآت النووية الإيرانية

Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on vk
Share on whatsapp
Share on skype
Share on email
Share on tumblr
Share on linkedin

زوارنا يتصفحون الآن